ذكرى ميلاد الصحفي والمفكر المجري (Kossuth Lajos)
جفرا نيوز : إعداد سالم قبيلات
لايوش كوست محامي وصحفي وسياسي مجري، وزير مالية والرئيس الوصي سنوات الثورة المجرية. تم تكـُريمه على نطاق واسع، خلال حياته وبعد وفاته، من عديد دول العالم. ويعد مناضلا ومفكرا من أجل الحرية ومن رواد الديمقراطية البارزين في أوروبا.
ولد بتاريخ 19 أيلول عام 1802، في بلدة ( Monok)، في مملكة المجر في عهد حكم أسرة هابسبورغ، وتوفي بتاريخ20 آذار 1894، في تورينو- إيطاليا، صاحب موهبة في الخطابة وملهم الثورة من اجل الاستقلال الوطني، والاسم الأكثر شهرة وإطلاقا على تسمية الساحات العامة والشوارع الرئيسية والمدارس وغيرها من المؤسسات الوطنية في المدن المجرية.
هو الابن الأكبر بين خمسة أطفال في عائلة لوثرية من أصل سلوفاكي. كان والده محاميا، ينتمي إلى طبقة النبلاء الدنيا، حصلت عائلته على رتبة النبلاء عام 1263م. أثار بخطاباته القوية في البرلمان ومقالاته الصحفية إعجاب وحماس المجريين كمقاتل من أجل الحرية وملهم للهوية القومية المجرية، ورائدا من رواد الديمقراطية في أوروبا.
محامي ومناضل من اجل الهوية القومية المجرية
درس في جامعة (Pest)، ومارس المحاماة، مهنة والده، وأصبح أول محامٍ في الرعية اللوثرية، وفي عام 1827 أصبح قاضياً، ومن ثم مدعيًا عامًا. بالإضافة إلى عمله، أنجز ترجمات للعديد من الوثائق التاريخية. وساهم في وضع سياسات للقضاء على التفاوت الضريبي، وكان يتمتع بشعبية محلية كبيرة. وبسبب شعبيته الكبيرة اختاره الكونت (Hunyadi) نائبا عنه في البرلمان الوطني خلال الفترة (1825-1836). وخلال المناقشات البرلمانية اظهر مهارات قيادية عالية المستوى.
ومن موقعه البرلماني بالتوازي مع بروز زعماء مجريين آخرين مثل (Wesselényi و Széchenyis)، بدأ النضال لإعادة تأكيد الهوية القومية المجرية، وخاض مواجهات عديدة من أجل تحقيق إصلاحات اقتصادية وسياسية وقاد نزاعا طويلا مع الحكومة النمساوية، لأجل تحقيق الاستقلال للمجر، مما دعي الحكومة النمساوية إلى منع مداخلاته وخطاباته من النشر، خوفًا من اتساع المعارضة الشعبية لها، وحظرت تداول كافة خطاباته أو إعادة نشرها.
صحفي ملهم للثورة، يتهم بالخيانة العظمى
أدى عمق مضامين خطابات كوست في البرلمان إلى انتشارها بين الأقطاب الليبرالية في البلاد، حيث جرى توزيعها في كراسات على نطاق واسع. كما شجعه القراء على إصدار نشرة برلمانية منتظمة (حول نقاشات البرلمان)،والتي ساعدت على انتشار اسمه وتأثيره بشكل سريع داخل المجر ومحيطها.
ولكن بأوامر من الرقيب الرسمي تم منع تداول النشرة، وأيضا حظرت الحكومة النمساوية توزيع مقالاته بالبريد، وعلى الرغم من المنع، فقد لاقت الخطابات استمرارا كبيرا في الانتشار عبر التوزيع باليد. وكرد فعل معاكس على حظر تداول مقالاته الإصلاحية، طالب بصوت عالٍ بحرية الصحافة والتعبير في المجر وفي إمبراطورية هابسبورغ بأكملها.
لم يستسلم كوست لسياسات قمع حرية التعبير، بل واصل إرسال مقالاته التحريضية (على شكل خطابات)، إلى مجالس المقاطعات التي كانت تحظى بمكانة سياسية وطنية بارزة، بعد حل (البرلمان) في عام 1836.
وقد حاولت السلطات النمساوية عبثًا حجب انتشار وتداول مقالاته الإصلاحية، وبسبب فشلها في الحد من التوزيع، تم القبض عليه في أيار 1837، وسجنه مع صديقه ويسليني(Wesselényi) وآخرين، بتهمة الخيانة العظمى.
حُكم بالسجن لمدة أربع سنوات، وتم وضعه في زنزانة انفرادية، وأدى الحبس الصارم إلى إلحاق ضرر كبير بصحته، وبالرغم من ذلك، نجح في قضاء الكثير من الوقت بالقراءة والكتابة، وطور من معرفته السياسية بشكل كبير، واكتسب طلاقة في اللغة الإنجليزية.
لقد قوبل اعتقاله برفض شعبي كبير، ومع عودة البرلمان إلى العمل مرة أخرى في عام 1839، طالب النواب بالإفراج الفوري عن السجناء السياسيين ورفض أي إجراءات عقابية بحقهم. لم يوافق رئيس الوزراء النمساوي في البداية، ولكن خطر الحرب في عام 1840 أجبره على الرضوخ.
الإفراج عنه وفضيحة الزواج المختلط
في يوم إطلاق سراحه من السجن، تزوج من الآنسة ( Meszlényi)، الداعمة لنشاطه السياسي. وكونها كانت من الرعية الكاثوليكية، وكوسث، يتبع الكنيسة البروتستانتية، فقد رفضت كنيستها أن تبارك الزواج، فلم يكن من المألوف أن يتزوج الناس من مذاهب مختلفة. و وفقًا للممارسة التقليدية فقد كان يتم تحويل مذهب العروس إلى مذهب زوجها قبل حفل الزفاف او العكس، وهو الأمر الذي رفضه كوست، مما اعتبرت فضيحة اجتماعية كبيرة في ذلك الوقت. أثرت هذه الحادثة فيه، وجعلت منه مدافعا قويا عن الزواج المختلط. أنجب الزوجان ثلاثة أطفال، الأول واسمه فيرينك أصبح فيما بعد وزير التجارة المجرية بين عامي (1906 و 1910).
مؤسس الصحافة السياسية المجرية الحديثة
بعد إن استعاد حريته الكاملة وكرس نفسه رمزًا وطنيًا بلا منازع، عمل محررًا في صحيفة أخبار بست (Pesti Hírlap) في عام 1841، ويعتقد إن تسهيل استلامه لهذه الوظيفة، جاء بتوصية من قبل دوائر الشرطة السرية التي اعتقدت أن الرقابة المباشرة عليه، وربطه بالمصلحة المادية، ستحدان من معارضته السياسية في ظل التوزيع الضئيل للأعداد الصحيفة.
وبالرغم من كل العراقيل التي وضعت أمامه، فقد نجح في تأسيس صحافة سياسية مجرية حديثة، تناولت المشاكل الملحة للاقتصاد، والظلم الاجتماعي وعدم المساواة القانونية القائمة لعامة الناس، وجمعت المقالات بين نقد الحاضر مع وضع الخطوط العريضة للمستقبل، وخلال هذه الفترة أيضا استكمل بلورة أفكار خطط الإصلاح في برنامج متماسك. وبفضله حققت الصحيفة نجاحا غير مسبوق، وسرعان ما وصلت إلى توزيع هائل بلغ 7000 نسخة.
وللحد من تلك النجاحات، فقد تم فصله من الصحيفة في عام 1844، بعد أربع سنوات من العمل الدؤوب والجهد المتواصل، بسبب نزاع عمل مع المالك. ويُعتقد أن الخلاف كان احد مكائد الحكومة النمساوية. بعد ذلك حاول الحصول على إذن لإصدار جريدته الخاصة به، ولكنه لم يحصل على الموافقة الأمنية، وفي الإثناء عرضت عليه فرصة الدخول إلى الخدمة الحكومية، ولكنه رفضها وقضى السنوات الثلاث التالية دون عمل منتظم.
أفكاره الإصلاحية والتعصب القومي
اتبع كوست أفكار أيديولوجية الدولة القومية الفرنسية، التي كانت فكرة ليبرالية رائجة في عصره. واستنادا إلى ذلك، فقد اعتبر جميع القوميات في المجر تلقائيًا "مجريين" - بغض النظر عن لغتهم الأم، وأصلهم العرقي - ولكل الذين ولدوا وعاشوا في إقليم هنغاريا. حتى أنه اقتبس من مقولات الملك المجري المؤسس ستيفن الأول: "أمة ذات لغة واحدة ونفس العادات ضعيفة وهشة".
كما تأثرت أفكاره بنمط القومية الليبرالية الأوروبية الغربية المستنيرة "مبدأ حق الدم"، فقد دعا كوسث في صحيفة (Pesti Hirlap ) إلى المجرنه السريعة: "دعونا نسرع ، دعونا نسارع إلى مجرنة ( Magyarize ) الكروات والرومانيين والسكسونيين ، وإلا فإننا سنهلك". وفي عام 1842 طالب صراحة، بأن تكون اللغة المجرية اللغة الحصرية في الحياة العامة في المجر التاريخية، وأكد على القول أنه "في بلد واحد من المستحيل التحدث بمائة لغة مختلفة، فيجب أن تكون هناك لغة واحدة، وفي المجر يجب أن تكون المجرية".
موقف كوست من حقوق الأقليات القومية
على الرغم من اقتصار مناشداته للنبلاء المجريين حصرا في خطاباته، إلا انه لعب دورًا مهمًا في إصدار قانون حقوق الأقليات في عام 1849. وكان أول قانون يقر بحقوق الأقليات في أوروبا. حيث منحهم القانون الجديد، حرية استخدام لغتهم الأم داخل الإدارة المحلية والمحاكم، وفي المدارس، وفي الحياة المجتمعية، وحتى داخل الحرس الوطني للمجالس غير الهنغارية.
ولكنه اظهر تشددا في جوانب أخرى، فلم بدعم أي نوع من الإدارة الإقليمية داخل المجر على أساس مبدأ الجنسية. وكان متفهما لبعض المطالب الوطنية للرومانيين والكروات، ولكنه لم يُظهر أي تفهم لطلبات السلوفاك، على الرغم من إن أصل والده سلوفاكي، وذلك بسبب حالة تنافس عائلي، تتمثل بأن عمه جيورجى كوسث كان الداعم الرئيسي للحركة الوطنية السلوفاكية بخلاف كوسث الذي اعتبر نفسه هنغاريًا فقط، وذهب إلى حد رفض فكرة الأمة السلوفاكية بالمطلق في مملكة المجر.
ويعود سبب رفضه الشديد بمنح حكم ذاتي واسع النطاق (مثل برلمان منفصل) لمختلف المجموعات العرقية في المجر (مثل الرومانيين والسلوفاك والروثينيين والألمان) لأنه كان يخشى أن تكون هذه هي الخطوة الأولى نحو تفتيت المجر وتفككها.
انتقاده من قبل الخصوم السياسيين
تم انتقاده واتهامه بالتطرف القومي من قبل الزعيم المجري ( István Széchenyi) وعارض بشدة دعواته للانفصال عن الإمبراطورية النمساوية واتهمه بممارسة سياسة "تأليب قومية على قومية أخرى". وحذره علانية من أن شحذ عواطف الناس نحو الاستقلال، سيقود الأمة المجرية إلى الثورة. وجاء ذلك الانتقاد عندما لم يكتفِ كوست بحدود الإصلاحات المعلنة التي طالب بها جميع الليبراليين:( إلغاء الضمانات، وإلغاء الأعباء الإقطاعية وفرض الضرائب على النبلاء)، بل مضى إلى التطرق إلى إمكانية الانفصال عن حكم أسرة هابسبورغ.
وعلى الرغم من انه دعا إلى دمج جميع القوميات الأخرى في المجر لتكون جزء من دولة مجرية واحدة، إلا انه واصل الإصرار على تفوق الثقافة المجرية على ثقافة السكان السلافونيين في المجر، وبهذا الموقف القومي المتطرف ساهم في زرع بذور انهيار الثورة المجرية في عام 1849 وزوالها السياسي.
زعيما أول للمعارضة وعضوا في البرلمان
واصل كوست التحريض من اجل الاستقلال السياسي والتجاري للمجر، وتبنى تأسيس مجتمع "Védegylet" الشعبي الذي يستهلك أعضاؤه المنتجات الصناعية المجرية فقط. كما دعا إلى إنشاء ميناء خاص بالمجر.
لعب كوست دورًا رئيسيًا في تشكيل حزب المعارضة في عام 1847 ، وصاغ برنامجه الانتخابي وتمكن من تشكيل قائمة انتخابية له، نجح من خلالها إن يكون عضوا في البرلمان الجديد عن منطقة Pest. و كشف عن خطته القادمة للعمل بعد إعلان النتائج: " الآن بعد أن أصبحت نائبًا، سأتوقف عن أن أكون محرضًا".
وفي البرلمان المجري الجديد، أصبح تلقائيا الزعيم الأول لأحزاب المعارضة، لكنه تعرض لنقد شديد من خصومه السياسيين ومنهم (István Szécheny) الذي اتهمه بحامل الطموح المتطرف والمبالغ فيه في مرة، وبالأنانية في مرة أخرى، متهما إياه باصرارة دائما على تولي المنصب الرئيسي، وباستخدام منصبه البرلماني لترسيخ نفسه كزعيم أوحد للأمة.
وزيرا للمالية في حكومة الثورة المجرية (1848-1849).
في أوائل عام 1848، وبعد وقت قصير من وصول أخبار الثورة الفرنسية في باريس، انفجرت الأزمة السياسية في المجر، واستغلها كوست على أكمل وجه، حيث طالب في خطاب له بتجاوز السلطة المركزية القائمة في النمسا، وبتشكيل حكومة برلمانية للمجر وحكومة دستورية لبقية النمسا. وقد تمت قراءة خطابه بصوت عالٍ في الشوارع على الحشود الشعبية. وعلى اثر الخطاب شكل وفد برلماني وسافر إلى النمسا، وهناك استقبله الإمبراطور فرديناند بحفاوة بالغة، وفي الحال أصبح زعيما للثورة المجرية ومن الرموز البارزة في الحركات السياسية الأوروبية .
وفي 15 آذار من العام نفسه، اندلعت الانتفاضة الشعبية في بودا، وخلال يومين من الانتفاضة وافق الإمبراطور على المطالب الشعبية المجرية، ومنح الإذن بتشكيل أول حكومة هنغارية لم تكن مسئولة من قبل الملك، وإنما من قبل الأعضاء المنتخبين في البرلمان. وبعد سبعة أيام حصلت الحكومة الجديدة على ثقة مجلس النواب، حيث تم تعيين كوست وزيرا للمالية فيها.
ومن الأيام الأولى لتوليه الوزارة باشر على الفور بتطوير الموارد الداخلية للبلاد، وأعاد إصدار عملة مجرية منفصلة، واستخدام كل الوسائل لرفع الوعي الذاتي بالقومية المجرية، وكثف من خطاباته المتواصلة التي ألهمت المجريين الحماس للثورة ضد الإمبراطورية النمساوية.
رئيسًا للجنة الدفاع الوطني الشعبية
ولمواجهة مخاطر الانفصال من قبل الكروات والصرب والقوميات الأخرى، وخوفا من توظيف النمسا للأقليات في مواجهة ثورة المجريين، دعا إلى تسلح الأمة دفاعًا عن النفس، وطالب بمنحه 200 ألف رجل لتشكيل قوات الدفاع الشعبية، وتمت الاستجابة له.
ورغم كل هذه الاستعدادات، فقد تفاقم الخطر على انجازات الانتفاضة الشعبية، ولكن هذه المرة من قبل كوست نفسه، الذي استمر بحصر مناشداته بالأعيان المجريين فقط، واستثناء الأقليات الخاضعة لإمبراطورية هابسبورغ من المناشدات، مما ساعد النمساويون على كسب الأقليات كحلفاء لهم ضد انتفاضة المجريين، في وقت كانت فيه الحكومة الهنغارية تعاني من أزمة عسكرية خطيرة بسبب نقص الجنود.
ولذلك تحتم على كوسث استخدم شعبيته لتحسين الوضع، فقد تنقل من بلدة إلى بلدة،لإيقاظ مشاعر الحماس في الناس للدفاع عن البلاد، وفي المحصلة تكللت جهوده بالنجاح في تأسيس قوات الدفاع الشعبية التي تم تعيينه رئيسًا لها من قبل البرلمان المجري.
حاكم فعلي وشرعي للمجر.
في 7 كانون أول 1848 ، رفض البرلمان المجري رسميًا الاعتراف بلقب الملك الجديد، ودعا الأمة إلى حمل السلاح. فقد جاءت هذه الأحداث على خلفية رغبة الملك الحالي (فرديناند) التخلي عن عرشه وتعيين ملك آخر مكانه قبل وفاته.
فمن وجهة نظر دستورية، لا يمكن للملك المجري المتوج أن يتخلى عن العرش خلال حياته، حيث لم يتبق من الناحية الفنية إمكانية لقبول التنحي سوى بحل قانوني واحد: ( فقد كان للبرلمان حق سلطة خلع الملك وانتخاب خلفا له كملك جديد من خلال هيئة الوصاية على العرش). ولكن بسبب التوترات السياسية والعسكرية لم يقدم البرلمان المجري على اتخاذ هذه الخطوة. وبسبب رغبة الملك بالتنحي عن الحكم خلافا للدستور، فقد حصلت المجموعة المجرية الثائرة ضد نظام الحكم على الفرصة بان تكون حامية للشرعية الدستورية.
ومن ذلك الوقت وحتى انهيار الثورة ، أصبح لاجوس كوسث (بصفته رئيسًا منتخبًا للوصاية على العرش) هو الحاكم الفعلي والشرعي للمجر. ففي ذلك الوقت كان لديه جوانب متعددة ومتزايدة من القوة، وحتى اتجاه الحكومة بأكملها كان في يديه. ولكنه كان بدون خبرة عسكرية، فكان عليه أن يسيطر على تحركات الجيوش ويوجهها، ولذلك لم يتمكن من فرض السيطرة على الجنرالات ومنعهم من افتعال إعمال الشغب والفوضى.
إعلان وثيقة الاستقلال المجري (1849).
بحلول أبريل 1849 ، بعدما حقق المجريون العديد من الانتفاضات الشعبية الناجحة، أطلق كوست إعلان الاستقلال المجري الشهير، والذي أعلن فيه أن "أسرة هابسبورغ- لورين ، الذي حنث أمام الله والإنسان ، قد خسرت العرش المجري ". لقد بدت هذه الخطوة للكثيرين في أوروبا خطوة إعلان الاستقلال المجري، كخطوة غير واقعية، لفعل متطرف ودرامي. وأضافت ألمزيد من الخلافات بينه وبين أولئك الذين كانوا يرغبون فقط في الحكم الذاتي في ظل الأسرة النمساوية، فلم يتردد أعداؤه باتهامه بالسعي إلى نيل منصب الملك. كما جعل الخطوة من الحل الوسط مع آل هابسبورغ مستحيلًا عمليًا.
بعد إعلان وثيقة الاستقلال تم ترك الشكل المستقبلي للحكومة دون حسم، وللتسوية الأمر بين موازين القوى، انتخب كوست رئيسًا وصيًا على العرش (لإرضاء كل من الملكيين والجمهوريين). في هذا الوقت القصير لعب كوست دورًا رئيسيًا في تحييد الجيش المجري لأسابيع من أجل فك حصار قلعة بودا، واستعادتها من قبل الثورة، ونجح أخيرًا بتحقيق النصر في 4 أيار 1849.
التدخل الدولي ضد الثورة المجرية وفشل مناشداتها بطلب النجدة
بالرغم من إحراز انتصار تاريخي للحركة الثورية المجرية في منطقة بودا، فقد تم إحباط الآمال بالنجاح النهائي للثورة، نتيجة تدخل القيصر الروسي (نيكولاس الأول)، الذي بادر إلى نجدة الأسرة الحاكمة النمساوية ضد الثورة المجرية، كما لم تفلح كافة المناشدات التي أطلقها كوست لطلب النجدة من القوى الغربية، وكانت بلا جدوى. حيث رفضت كافة دعواته لهم بمناصرة حركة الاستقلال المجرية وقطع العلاقات مع آل هابسبورغ . ففي بريطانيا، صرح وزير الخارجية أمام البرلمان، "إن بريطانيا ستعتبرها مصيبة كبيرة لأوروبا إذا استقلت المجر، وأكد على إن الإمبراطورية النمساوية الموحدة هي ضرورة أوروبية وحليف طبيعي لبريطانيا".
وفي 11 أب 1849، أجرى محاولة أخيرة لتدارك الهزيمة عندما تنازل عن رئاسة لجنة الدفاع الشعبي لصالح الجنرال المجري ( Görgey)، معتقدا إن الأخير يستطيع من خلال الخبرة العسكرية الطويلة، إنقاذ الثورة من الهزيمة، ولكن الجنرال خذل كوست والثوار المجريين، واستسلم طواعية للجيش الروسي في منطقة رومانيا، والذين بدورهم سلموا الجيش المجري إلى النمساويين. وتم إيقاع عقوبات انتقامية على ضباط الجيش المجري، مع استثناء للجنرال المجري ( Görgey) بطلب من القيصر الروسي، مكافئة له على قبول الاستسلام غير المشروط.
فراره إلى الدولة العثمانية وتسليمه إلى النمسا
مع تراجع انتصارات الانتفاضة الشعبية وتمكن النمساويون من إحراز التقدم نحو العاصمة المجرية، أدراك كوست مستقبل الهزيمة للثورة، ولجأ إلى الوساطة، حيث أرسل مبعوثا إلى النمسا للتفاوض، والتي من جهتها رفضت الحل التفاوضي للازمة، ولم تقبل بغير الاستسلام الكامل. الأمر الذي تسبب في فرار أعضاء البرلمان والحكومة المجرية إلى مدينة دبرتسن ( Debrecen)، وخلال هروبه حمل معه تاج الملك سانت ستيفن، والشعار المقدس للأمة المجرية.
وعلى الفور بعد فرار الحكومة المجرية ألغى الإمبراطور النمساوي جميع الامتيازات الممنوحة للمجريين في اتفاق أيار، وحلت الحكومة المجرية، التي تم إنشاؤها بشكل دستوري في عام 1848 وإصدار قرار قضائي بملاحقة كوست.
وبهذه الهزيمة انتهى دور كوست كزعيم في السلطة، ولجأ بشكل انفرادي إلى حدود الدولة العثمانية، التي استقبلته في البداية كضيف، ولكن بضغط من البريطانيين تم تسليمه هو وغيره من الهاربين إلى إمبراطور النمسا، حيث تم وضعه تحت الإقامة الجبرية. وفي 10 أب 1851، أمر الباب العالي السامي بإطلاق سراح كوست، وتم السماح له بالسفر إلى خارج البلاد قضاها متنقلا بين أمريكا وبريطانيا وفي النهاية استقر به المطاف في ايطاليا وحتى وفاته عن عمر 92 عاما.
الوفاة والتكريم
توفي كوست في تورينو في ايطاليا بتاريخ20 آذار 1894، ونُقل جثمانه إلى بودابست، حيث دُفن وسط حداد رسمي وشعبي علم. وفي كل عام يعاد إحياء ذكرى وفاته، باعتباره "أنقى وطني وأعظم خطيب في المجر.
وحاليا تسمى الساحة الرئيسية في بودابست حول مبنى البرلمان المجري على اسمه، ونصبه التذكاري فيها يعد معلم وطني بارز، وله رمزيته البراقة والملهمة في الاحتفالات الوطنية بالاستقلال.