خبراء يحذرون من ارتفاع حالات الإنتحار .. ويدعون لطلاء جسر عبدون بالأخضر لإزالة الاكتئاب
جفرا نيوز - لأن بداية العلاج هي الاعتراف بالمرض، بادرت «الدستور» بعقد ندوة حول «الانتحار « واضعة هذا الملف بالغ الاهمية على طاولة الحوار بحضور خبراء ومطلعين وعلى دراية وتماس مباشر مع حياة الناس ، وهم على متابعة لما يحدث في المجتمع .
الندوة جاءت بالتزامن مع اليوم العالمي لمنع الانتحار، والذي يصادف في 10 أيلول/سبتمبر. والغرض من هذا اليوم هو إذكاء الوعي بإمكانية منع الانتحار. وتشارك منظمة الصحة العالمية في رعاية هذا اليوم.
محليا، وبين فترة وجيزة وأخرى بتنا نقرأ حوادث إما بإلقاء النفس من مرتفع أو بتفريغ رصاصة من مسافة صفر، وعند دراسة الحالة والظروف التي كان يعيشها المنتحر نجد أن ظروف حياته كانت ضاغطة ومحفزة للانتحار، فيفشل في استمرارية العيش ويقتل نفسه، ناهيك عن محاولات عدة تنتهي بالفشل، اذا الانتحار يحصد أرواحا هي اغلى ما نملك.
الدكتور حسين خزاعي: المنتحر يرسل 3 رسائل
وافتتح الندوة الاستاذ الدكتور حسين خزاعي، استاذ علم الاجتماع الذي تطرق الى نقاط جوهرية متعلقة بقضية الانتحار، لخص من خلالها اهمية طرح الموضوع للنقاش والحديث عبر كافة المنابر المطلة على حياة الناس.
و قال :» الانتحار قضية تهم المجتمع، وعندما نقرأ خبر أن أحدًا انتحر شابا او فتاة او طفلا فهو أمر يؤلم كل بيت أردني، لأنه من المفروض ان يبقى على قيد الحياة، ولكن هذا واقع مر والأعداد في تزايد استنادا للأرقام التي تصدر رسميا وتقارير وزارة الصحة والطب الشرعي والدفاع المدني وإدارة المعلومات الجنائية التي تعطينا أرقاما، ولدينا مشكلة في الاردن لا يوجد سجل وطني للانتحار ليعطينا رقم سنوي فكل دائرة تعطينا الأرقام التي تعاملت معها.
وزاد « وهذا الموضوع في الاردن يسجل منذ السبعينيات منذ تأسيس دوائر الطب الشرعي لكن الاعداد كانت بسيطة جدا، اخر 10سنوات في 2009كان الرقم 34حالة، أما السنة الماضية فكان عدد الحالات 186حالة وفي 1980لغاية 1985كان عدد الحالات 225حالة في الخمس سنوات، وفي اخر 5سنوات كان عدد الحالات 743حالة وفاة بسبب الانتحار، الحالات في تزايد، لا نستطيع اخفاء الحقائق بشهادة الأرقام الرسمية».
ويضيف خزاعي :»الخطورة في الانتحار تكمن في السؤال لماذا الانتحار ؟ فالمنتحر يرسل ثلاث رسائل، الرسالة الأولى *لنفسه، وهي أنا انسان فشلت في ان أعيش وما يحدث هو هروب من واقع الحياة اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا، وكل منتحر لديه اضطرابات نفسية، ويختلف دافع الانتحار من شخص لآخر، إذ سجل منذ بداية هذا العام انتحار 65شخصا،
وأرقام حالات الانتحار في الاردن ليست دقيقة ويتم التكتيم عليها خوفا من الوصمة الاجتماعية، فيقولون «جرعة زائدة بالأدوية» أو «جلطة « أو حادث مؤسف.
وزاد «ويسجل الانتحار جريمة لحين اثبات العكس، وما يجعلنا نرفع أصواتنا هو أن الحالات تزداد، فالمنتحر يرى الحياة بقعة سوداء، وحتى الأطفال في الأردن فقد تم تسجيل حالات انتحار بعمر 13سنة وينتهي بعمر 82.
من مسببات الانتحار ايضا قال خزاعي «تذمر الآباء المستمر من صعوبات الحياة ودعاء الأمهات على أطفالهن بالموت والتشاؤم ، فمن ضمن حالات الانتحار التي سجلت طفل شنق نفسه بالمرجيحة وكتب رسالة لأمه جاء فيها «انت طول نهارك تدعي أن أموت وهاأناذا أموت» اذا .. انتحر ليحقق رغبتها ؛
* والرسالة الثانية التي يوجهها المنتحر ، بحسب د.خزاعي هي للأسرة التي لم تستطع التعامل معه ولم يستطع التأقلم معها فينتحر، لتعيش أسرته ألما نفسيا وشعورا بالذنب.
وزاد « ومن الدستور، أقول معظم حالات الانتحار في الأردن ناتجه عن خلافات أسرية وشخصية إذ سجل أن 34% من الأزواج لا يغارون على أزواجهم، ولا يهتمون، فهناك تفكك عاطفي وأسرى داخل منظورة الأسرة، ما يسبب اضطرابات نفسية مكتسبة من البيئة الاجتماعية ذات المعايير الهابطة، ومسببات الحزن ودوافعه كثيرة في الأردن، فنحن مجتمع عاطفي بطبعه فيصبح جسم الانسان مستودعا للأحزان والانتحار قرار اختياري، فمثلا وسجل السنة الماضية 20 الف حالة طلاق، كما ان ارتفاع عمر الزواج عند الشباب 31 سنة والبنات 27 سنة حتى يكوّنوا أنفسهم مادياً و 78% نسبة البطالة من حملة البكالوريوس للإناث و 40% بين الذكور والإناث و 47% بطالة بين الشباب، و24 % بطالة بين المتزوجين، فظروف المعيشة مهيئة لأن نتعب؛ نفسيا بالتالي قرار الهروب بالانتحار وارد.
والرسالة الثالثة التي يرسلها المنتحر للمجتمع ، وهي أن هذا المجتمع لم يساعده، وخاصة في حالات الانتحار العلني، ومنذ 2009 عدد محاولات الانتحار لم تقل عن 500 حالة سنويا وهم أكثر فئة معرضة للانتحار، فالحل السليم هو إعادة تأهيل الأسرة وتقوية روابطها، لدينا فقر رهيب بالأردن و 993 مليونيرا أردنيا خارج البلد و 30 مليارا استثمار خارج البلد، المديونية تزداد والوضع الاقتصادي سيئ، عدد المتسولين أكثر من 13 ألفا والحد الأدنى للأجور لا يحسن شيئا من الوضع الاقتصادي للمواطن، 260 دينارا لا يعيلون أسرة، فنحن بحاجة لنهضة أخلاقية وتقوية الوازع الديني وأهم شيء في البداية للعلاج هو الصبر وتعليم أولادنا عليه وضرورة مراجعة الطبيب النفسي بشكل روتيني فهو خط الدفاع الأول للتعامل مع المرض النفسي، وليس عيبا زيارة الطبيب النفسي، قد يكون حل الشخص المنتحر بسيطا جدا في البداية، والأخطر من هذا لفت النظر لمحاولي الانتحار علميا وطبيا، ويجب أن يوضع محاول الانتحار في برنامج مايوكلينك مدته 3 اشهر يطبق في كل دول العالم وفي مصر ولا يطبق في الأردن».
وبين « لقد اتخذت موقفا شديدا تجاه كل من صوت على قانون معاقبة المنتحر وسجنه وتغريمه، لأنه لا يجوز فأنت تتعامل مع مضطرب نفسيا ولديه مشاكل اقتصادية وغيرها وتتعامل معه كمجرم ما يفاقم أزمته كأنما تقول له انتحر بطريقة تضمن موتك أو انتحر بدارك».
يضيف خزاعي :» في بريطانيا عندما زادت حالات الانتحار قاموا بإيجاد وزارة لشؤون الانتحار مع خط ساخن مثل الولايات المتحدة، فبمجرد كتابة كلمة انتحار على جوجل تجد معالجين نفسيين لخدمتك وإلى ماذا تريد أن تصل، وكذلك غيروا لون الجسور التي استخدمها المنتحرون للون الأخضر الفاتح وتم تركيب سياج على الجسور، ولا ينقصنا بالأردن أن نكون كالدول المتقدمة فترتيبنا عربيا في المرتبة الثامنة وعالميا 103الأرقام تزداد، في العراق البؤر الساخنة تزداد فيها نسب الانتحار ووضعوا دوريات شرطة على الجسور لمنع الانتحار».
جسر عبدون
واضاف خزاعي :» لونه خرساني وكئيب حتى المقيمون حوله يصابون بصدمات عند رؤيتهم لمثل هذه المشاهد، كما أن المنتحر يلقي بنفسه دون أن يفكر أين سيقع فيسقط على الباطون فيتكسر.
ونوه انه يوجد لدينا حالات انتحار بين الاجانب في الاردن بنسبة 11%.
* انحسار النكتة من المجتمع وحتى النكتة أصبحت على المواضيع الجادة والمؤلمة، هل أصبحت مصائب الناس ما يضحكنا؟؟
منال فتياني..الصدمات المتراكمة تؤدي بالانسان للذهاب لمكان أصعب
مدربة ، درست في كندا تخصص العلاج بالعناية التلطيفية وتساعد الناس الذين يعانون «الفقد»، تقول فتياني :»نقف بجانبهم لمدة سنة وعملت بهذا المجال لمدة 4 سنوات، يوجد لدينا في مركز الحسين للسرطان عناية تلطيفية، نساعد الناس في المجتمع وهو شكل من أشكال الدعم النفسي الاجتماعي، كالمصابين بأمراض مزمنة وتبقت لهم شهور بالحياة، نرافقهم في آخر أيام حياتهم نجلس معهم ونأكل معهم حتى لا يشعروا بالوحدة خلال رحلتهم للموت، فتخيل كيفية تعاملهم مع فكرة علمهم لوقت موتهم وتقبلهم له، وكذلك أهاليهم ودعمهم في حالة الفجيعة ليتخطوا هذه المرحلة».
وتضيف فتياني :» لدي خبرة واسعة للتعامل مع الفقد والحزن والأحداث المأساوية التي تمر على الانسان، والخسارات المتكررة أحد أهم اسباب الانتحار في العالم، فتهيئة الناس لتقبل الخسارات وتخطيها في الحياة والاستمرار بالانتاج والعمل والعطاء وفعل الخير، وهذا ما يحث العاطلين عن العمل ومن يعاني البطالة إلى العمل التطوعي لسد الفراغات، وعملت مع اللاجئين السوريين منذ 2016لليوم بفقدهم للوطن وفقدانهم للشارع الذي مشوا فيه ووجود أهاليهم حولهم فمنهم من فقد الاهل او عاش باعاقات دائمة بسبب الحروب، فالصدمات المتراكمة تؤدي بالانسان للذهاب لمكان أصعب، وكبار السن يحتاجون لمدة سنة للتعافي، وفي حال عدم التعافي يحتاجون لعلاج ومتابعة، أما الاطفال فيحتاجون لستة أشهر للتعافي الذاتي فإن زادت المدة وجب متابعتهم عند طبيب تحديدا اذا كان المتوفى الاب او الام او شخصا اساسيا في حياة الطفل».
علامات الحزن التي توجب زيارة طبيب نفسي وتسبب الانتحار
تقول فتياني :»يختفي الشغف من الحياة فيموت كل شيء، وتصبح الحياة قاحلة ويعيش الحياة بمسايرة ولا يريد خوض الحياة، ومنهم يمتنعون عن الزواج ويتخذون جانبا من الحياة، يحبون العزلة، وفي خروجهم من هذه الحالة السوداوية يشعرون بأنهم قد خانوا مبادئهم أو الشخص الذي فقدوه، وباعتقادهم توقفت الحياة بوفاته أو خسارة مثمنات حياة الانسان والتي تختلف من شخص لآخر، وبفقدانها ينتظرون التحاقهم بما فقدوا وافتقدوا..
وهو ليس وفاء بقدر ما هو مرض بحاجة لمعالجة ومتابعة طبية اهمالها يسبب الانتحار « الحزن المطوّل « الحزن التراكمي والجمعي كحادثة ارتقاء شيرين ابو عاقلة، فالحزن أنواع وبحاجة لتفنيد، ويبدأ بمرحلة الصدمة عند الموت الفجائي، والخدران بالمشاعر فلا يعرفون بماذا يشعرون، فتسمية المشاعر تساعد على تجاوز الحزن، والتأكيد على المشاعر وتجاوزها وعدم مقارنة شخص بأخوانه اذا كان تخطيهم أسرع، فالموت ليس سهلا وتجاوزه صعب ويختلف من انسان لآخر، ولا يجب الاستهتار بإطالة الحزن وعدم القدرة على تجاوزه، يجب اعطاء الحزن وقته وتوليد مناعة نفسية لتجاوز المعاناة، والتعاطف مع الاخر بالشكل الصحيح وليس أن تعيش حالته فيضع نفسه مكانه ليعيش ذات الشعور وتقمص حزنه، فيبدأ بمحاسبة نفسه لأنه يعيش، ومن يحب قد مات، وهو لا يحتاج لنصائح بل يحتاج لمن يستمع إليه، فللنصيحة وقت وللاصغاء وقت وعدم ادراك الوقت المناسب خلل في الفهم وتحمل المسؤولية، وفي العزاء الوجود الصامت هو أفضل شيء بعد جملة عظم الله أجركم، فهو ليس وقتا لتقديم مواساتك ولن تكون في محلها أول الفقد».
*دور الموسيقى في حياة الانسان فللموسيقى سحر خاص، ما أثر الموسيقى في تغيير حياة الانسان ونظرته للعالم ؟
المغيرة عيّاد
أخصائي موسيقى سابق في مركز الحسين للسرطان، وذو تجربة رائدة بالعلاج بالموسيقى ، يقول عيّاد :» تعاملت مع حالات انتحار كثيرة، ووجدت أن للموسيقى العربية قدرة رائعة على تهذيب النفس والسلوك، وقد استطعت أن أخرج 50 مقطوعة اعمارهم تصل لـ 300 سنة بين مقطوعات عثمانية ومملوكية وأندلسية، وإحدى الحالات التي صادفتني بمركز الحسين للسرطان مريضة عمرها 25 سنة كان من المفروض أن تأخذ جرعة كيماوي للنخاع حرارتها كانت مرتفعة 39 ولم يستطيعوا اعطائها الكيماوي، ورغم المسكنات لم تنزل الحرارة، ثم طلبوا مساعدتي وكان من الضروري أن أحصل على معلومات عن طبيعة حياتها وماضيها، وتبين لي أن أمها منذ أن كان عمرها 5 سنوات تشغل أغنية ام كلثوم «حب ايه اللي انت جاي تقول عليه»، تعاملت مع الحالة كأنني موجود على مسرح وبدأت بعزف ألحان الأغنية ذاتها وصرف عقلها الواعي وتحفيز عقلها الباطن لاستحضار الذكريات الجميلة، ليستقبل الريفانين ويتقبل الدواء، وكنت أحاول بقدر الامكان ابعاد الموسيقى الأوروبية (وعي رائعة) لكن لا تناسب الحوض الشرق متوسطي، كلنا نحب فيروز ولكن ما قدمته فيروز هو أدب روسي، والموسيقى ترفع الاستجابة بالعلاج، فهي عنصر مساعد وقوي وتؤثر على الفص اليمين للدماغ وتثبت الذاكرة، وقد اتجهت لمن لديهم اعاقات عقلية وبدنية خفيفة الى متوسطة، فكان من ضمن التحدي الذي خضته أن يغنوا « سلو قلبي غداة سلا وثابا لعل على الجمال له عتابا» ، وكنت مع 15مجموعة منهم من يعاني نقص اكسجين حادا، وحالات رعاش وأول شيء عملته معهم هو تهذيب السمع والانصات، واستخدمت احدى المقطوعات الموسيقية من تأليف نيكولا كيباشا، وبدأت بمحاولت تحفيز خيالهم، ثم استعملت الرنين الصوتي ومن المعروف ان اللغة العربية تتمتع بموسيقى خاصة فيها كما قال الفارابي باننا عبارة عن صناع أصوات، وعندما عملت مع ذوي الاحتياجات الخاصة علمتهم الاذان من خلال الاصوات الموسيقية وأربع موشحات اندلسية من خلال الموسيقى ما صقل شخصيتهم، فالمرحلة التي وصلنا لها من حالات انتحار ناتج عما أشبعوه لأطفالنا عبر افلام الكرتون والانمي المليئة بإيحاءات سلبية عديدة، وتعاملت مع اربع حالات كان لديهم انفصام، فقمت بتجربة واستخدمت نبرة صوتية بعد عزف العود وأعطيتهم جزء من لامية العرب، تحث على مبادئ الاخلاق والطيبة والشجاعة والمروؤة والفروسية اختلفت شخصياتهم، فقد حاربونا برسومات كسندريلا وسنو وايت والسنافر التي تجسد الخطايا العشر الغرور والغضب والتكبر والجشع وشخصية شرشبيل فأصبح الخير وطيبة القلب والاخلاق قمة الضعف مقابل البطل الشرير».
أسمى صبيح
أم وفنانة تشكيلية وتعلم الرسم للأطفال، شاركت نوة الدستور لتطلعنا على تجارب شخصية في التعامل مع داخل الانسان وما يجول به واكتشافه بالرسم تقول :» لدي شغف بتعليمهم، فالعلاج بالفن طريقة عملية تقوم على استحداث التقنيات الابداعية لمساعدة الاشخاص بالتعبير عن انفسهم فنياً فندخل على المشاعر الخاصة وتترجم بالريشة تبعا للحالة الانفعالية للفرد، وأول من عالج بالفن الفارابي والكندي، وعن تجربة شخصية اختبرتها كفنانة كان الرسم يخرجني من حالات اكتئاب وضغوطات الحياة فأعود بنفسية جديدة، وقمنا بورشة للمعالجة عن طريق المشاعر لتفهم السيدات مشاعرهن، فلكل شعور مكان ومعنى فلابد من فهم هذا المعنى وما الرسالة منه فبهذه الجلسة التأملية نحرر المشاعر بوجود الكانفس والألوان ويكون الرسم فيها باللاوعي بلا أحكام أكاديمية أو اجتماعية ليحاسب عليها، فأنت هنا حر وترسم داخلك بلا أي تفكير وهي ميزة الفنان الناجح، لا قيود ولا فروض من أي نوع لأنه يرسم حقيقته، وهي تجربة أنصح بها الناس لأنه فعلا فمن يرسم وهو فاهم لشعوره يبدأ بإيجاد حلول لمشاكله، وهو ما أحب أن أفعله مع الأطفال».
وتضيف صبيح :» تفاجئت باكتشاف وجود حالتيّ توحد ولم يفصح أهلهم أنهم من أطفال التوحد، ولقوا تطورات ايجابية، حتى أهلهم تفاجئوا بانجازهم وأبدوا استغرابهم، وكل ما وهبتهم هو الحب والتقبل، إذ يجب ان يفهم الانسان شعوره ويدرس نفسه ويأخذ دورات تدريبية وكل ما يُعرِف الانسان على ذاته، لأن الشعور يوّرث والصدمات كذلك وليس الحالة النفسية انما سلوك الاهل والام تحديدا يؤثر، وهو سلوك مكتسب اذا استمر، والوصول لمرحلة اليأس وعدم فهم الشعور يلقي بالانسان نحو الانتحار، والفن لا يجعلنا دوما في قمة السعادة بل العكس فمبدعين كثر كانت حياتهم زاخرة بالانجاز والابداع وأنهوا حياتهم بالانتحار، ونسب الانتحار ترتفع بين الأطباء النفسيين بسبب كم ما يعاين من حالات».
أسباب الانتحار
وفي مداخلة مفصلية للدكتور محمد عوني ابو حليمة أخصائي الطب النفسي والإدمان وعضو جمعية الطب النفسي الأردنية قال للدستور :» أسباب الانتحار كثيرة وجسيمة، قد تكون أسبابا عضوية ونفسية واجتماعية والنسب الأعلى تذهب للاكتئاب، وعند الوصول لمرحلة من اليأس أو الشعور الشديد بالاحباط وعدم الشعور بالأمل وهبوط المزاج وفقدان الشهية والذهان والانفصام العقلي والانتحار بلا وعي واضطرابات شخصية متعددة والمواد المخدرة ما يثير للمريض مشاعر دفينة أو شعور سيئ».
ما هو المرض النفسي؟
وأضاف ابو حليمة :» العافية النفسية هي جزء لا يتجزأ من الصحة وهي حالة يحقق فيها الفرد قدراته الذاتية ويستطيع مواكبة ظروف الحياة العادية والعمل الايجابي والمثمر ويمكنه الاسهام في مجتمعه، والمرض النفسي اختلال في ادراك الفرد لضبط مشاعره أو سلوكه، وعادة ما يرتبط هذا الاختلال بقصور في مجالات مهمة من الأداء في الكرب والقصور النفسي».
وقال أبو حليمة :»قد يكون اضطرابا في الناقلات العصبية او الانزيمات الدماغية، السيراتونين والدوبامين والادرينالين، زيادة أو نقصانا في إفراز هذه الهرمونات، ويعزى سبب النقص للوراثة أو أسباب عضوية، اعتلال في مادة السراتونين في الغدة الدرقية والمؤثرات العقلية وأسباب اجتماعية أو بيئية محيطة كفقدان عزيز وكثير من الأسباب لا تزال مبهمة».
سيدة مات ابنها بحادث سير
ويتابع ابو حليمة :» يتم أخذ اجراءات سريعة وطارئة في حال التعامل مع شخص أقدم على الانتحار وإدخاله لمركز الصحة النفسية لمراقبته واعطائه العلاجات المناسبة، والتعامل معه بحذر ولكل حاله تعامل خاص، تعاملت مع ست بيت عمرها 47 سنة مات ابنها في حادث سير وهو وحيدها ولديها ابنتان فوقع الصدمة عليها كان شديدا، لدرجة أنه بعد سنة ونصف السنة من وفاة ابنها حاولت أن تنتحر عن طريق بلع حبوب بكميات كبيرة، لأنها لم تستطع التأقلم مع وفاته أو الحياة بدونه، في ذلك الوقت، تواصل زوجها معي وقمنا بعمل غسيل معدة وكانت ترفض أخذ أي علاج دوائي، وتبرر ذلك بعدم رغبتها بالتحسن للالتحاق بابنها بأسرع وقت، وهذه رسالة خطيرة ، لكن مع العلاج الصحيح تمكنت بفضل الله من اجتياز تلك المرحلة، وأصبحت متقبلة لفكرة فقدان ابنها وحياتها عادت نسبيا جيدة، وبدأت الاهتمام ببناتها وبيتها، ودور الاسرة مهم جدا في حالات الانتحار رقابيا وداعما».
ورغم اختلاف الحالات وتعددها يؤكد ابو حليمة على أن الرابط المشترك بين الاشخاص المنتحرين هو فقدان الامل القطعي بالغد واليأس وهبوط المزاج والاكتئاب وشدة الوسواس والتوتر والنظرة السوداوية للحياة.
ثقافة سنوية
وقال أبو حليمة :» سعيد جدا بوجود يوم للتذكير بالانتحار فهو مشكلة كبيرة وتزداد يوما عن يوم بسبب أن الأدوات التي يتم الانتحار بها في متناول اليد وانتشار المخدرات والمواد الادمانية، وشجع ابو حليمة كل من يجد انه بحاجة لتفريغ مشاعره السلبية عدم التردد بزيارة طبيب نفسي فهو ليس عيبا بالعكس يحسب لصالحك بل تعتبر متفتح ذهنيا وناضج عند البحث عن المساعدة في اسرع وقت ممكن.
والرسالة التي ثمن توجيهها ابو حليمة للأردنيين عبر الدستور هي أن تكون زيارة الطبيب النفسي ثقافة سنوية مثل البلدان خارجا إذ يزورون طبيبهم النفسي مرة كل عام، وأردف :»لم ننتهِ من ثقافة العيب ولكنها في تناقص وسنصل لمرحلة التصالح مع الذات مع الوقت وبجهود المختصين والأطباء، حتى نصل لمرحلة أن يفتخر الشخص بزيارته لطبيبه النفسي وينشر منشورا على الفيس بوك ليوثق ذلك كما يفعل البعض عند قيامهم بعملية جراحية، فعندما نصل لهذه المرحلة بأن يكون الانسان صريحا وواضحا وأن لا يخفي هذه الأحداث من حياته عن مجتمعه نكون بخير».
توصيات
ندوة الدستور خرجت بعدة توصيات من اصحاب الخبرة والشأن العملي، واننا نضعها اليوم بين يدي الاسرة الاردنية وامام صناع القرار انطلاقا من مبدأ رسخته قيادتنا ونعمل على تحقيقه سويا»الانسان اغلى ما نملك».
*حالات الانتحار في ازدياد مستمر كانت 100حالة في 2014الان 186حالة اخر 5 سنوات لدينا 743حالة وفي 2021 593 محاولة للانتحار هذا يدفعنا إلى ما يلي:
أولا؛
التركيز على فئة محاولي الانتحار ومعالجتهم، ثانيا؛ اعادة النظر في كل ما يؤدي الى الانتحار بالاردن. *العلاج النفسي هو خط الدفاع الأول من الانتحار. *ضرورة التوعية من كافة الجهات من المدرسة والمسجد والاسرة والمجتمع والتراحم والتكافل.
*التواصل مع الناس وتعزيز ثقافة الصبر عند أبنائنا.
* إلغاء ثقافة ونمط العزلة، ضرورة وجود سجل موّحد لتسجيل حالات الانتحار منعا للتشتت.
*عمل مركز لمحاولي الانتحار وعلاجهم وتأهيلهم وليس تغريمهم وعقابهم .
*حل المشكلات الأسرية وغيرها بسرعة وسرية تامة بلا تهرب.
*ضرورة وجود القدوة والنموذج والتراحم داخل الأسرة الواحدة.
*لدينا مشاكل كبيرة تؤدي للانتحار كالبطالة، العصبية والتوتر.
*لدينا 1406 حالات اثبات زواج في دائرة قاضي القضاة، !! ولدينا 545 حالة اثبات نسب وهم ممكن أن يكونوا مشاريع لحالات انتحار والمصابين بالايدز وكبار السن والمصابين بأمراض مزمنة والحالات الميؤوس منها.
*تشجيع الاهل على تنمية مواهب ابنائهم مهما كانت بسيطة.
*والأهم الوازع الديني والصبر والتقرب من الله، فكل الديانات السماوية حاربت الانتحار وهي مع سعادة الانسان وعدم حزنه.
*لا يوجد شيء اسمه هروب من المشكلة لأنها ستتراكم.
*الاقتداء بالتجربة البريطانية بطلاء جسر عبدون باللون الأخضر الفاتح.
*ادخال محاولات الانتحار ضمن التأمين الصحي.
*وأخيرا؛ الطبيب النفسي هو صديق الأسرة.