خلل فني أم سوء إدارة .. كيف تتعامل وزارة العمل مع شكاوى العمال؟
جفرا نيوز- كتب: بكر الأمير
حينما زار معالي وزير العمل نايف استيتيه مطعم سهول سحاب، في القصة التي يعرفها الأردنيين، وانتهت فصولها مؤخرا، كانت زيارته انسجاما مع موقف الشارع الأردني، الذي عبّر عن موقف أصيل يفيض النخوة والأصالة؛ لما للقصة من دواعي إنسانية نبيلة، ولكنه كان مجرد "ترند" ولم نعطي لأنفسنا فرصة التحقق من صحة المعلومات أو دقتها، والجميع ركب الموجة وأصبحت "الشاورما" سيدة الموقف.
على الرغم من الرسالة المقدرة التي حملتها زيارة الوزير للمطعم، والمتمثلة بدعم أصحاب العمل وأهمية تشغيل الشباب، إلا أنه ظهر في الفيديو المتداول يوجه الحديث لوالد ربى "صاحبة المنشور"، ظنا منه، أنه هو صاحب المطعم، وليس عاملا أو شريكا، وفق نسبة محددة على سيخ الشاورما. وبالطبع لا أشك بمشاعر الوزير في ذلك الموقف وحرصه على تقديم الدعم المعنوي.
شهرة القصة امتدت لخارج أسوار الوطن، وأصبحت حديث الأردنيين على مواقع التواصل الاجتماعي ومادة لوسائل الإعلام، وحظيت باهتمام بعد زيارة الوزير، لكنها من حيث الحقوق تتعلق بشخصين أو ربما ثلاثة، وهم: ربا ووالدها وصاحب المطعم فقط، وانتهت باتفاق كما أوضح الفيديو المتداول، ومع ذلك أقول بأنها لفتة كريمة من معالي الوزير تمثلت بزيارة المطعم.
معالي الوزير، بين أيدينا، قضية تهم عمال الوطن كافة، في شتى ميادين العمل والإنتاج، وسائر القطاعات العمالية، وتحتاج إلى متابعة جادة للوقوف على أسبابها وجوانب الخلل فيها، ليست بحاجة إلى زيارات ميدانية لأنها داخل الوزارة، ومن صميم عملها؟ كل ما تحتاجه، إرادة حقيقية لتصويب الأخطاء، وحوكمة الإجراءات. كما أنني أدعوك أيضا، للتحقق من صحة المعلومات التي سأعرضها، والتأكد منها وليس على غرار "قصة الشاورما"، فالهدف: خدمة المصلحة العامة وليس ثمة "ترند" لتسجيل المواقف والسير خلف "سيكولوجيا الجماهير".
القضية هي: حق العامل بالشكوى والتظلم إلى وزارة العمل، عندما يشعر أن حقوقه انتهكت وتم التجاوز عليها، أو أن شروط العمل شهدت تجاوزات على عقد العمل فرديا كان أم جماعي، إلى جانب التعامل معها وفق آلية واضحة تحقق الغاية، وتنصف العامل وهو الطرف الأضعف في عجلة الإنتاج.
ما فتح هذا الملف، هو أن إحدى شركات الألبان ويملكها رجل أعمال، تقوم بالضغط على الموظفين لديها، ـ وفق ما قالوا ـ للقبول بقرار مجلس الإدارة بشأن إلغاء حقوق مادية، تتمثل بإلغاء صندوق الادخار وإلغاء الرواتب الإضافية الثالث عشر والرابع عشر، وهي بالمناسبة جزء من الأجر الشهري، إذ أن بعض العاملات في الشركة تقول أن راتبها أصبح 220 دينار، أي دون الحد الأدنى للأجور، بعد إلغاء الرواتب الإضافية التي يتسلمها العاملون على شكل حصص توزع خلال أشهر السنة.
النقابة، التي تمثل العمال في الشركة، بدأت بمتابعة القضية وتواصلت مع الشركة، وأرسلت كتابا أوضحت فيه موقفها بشأن حقوق العمال وأنها قانونية، استنادا إلى اتفاقيات جماعية موقعة بين الطرفين، ومودعة حسب الأصول في وزارة العمل، كما أنها (النقابة) أرسلت مخاطبات رسمية للوزارة شرحت فيها مخاطر قرار مجلس الإدارة وتجاوزه على القانون وضرورة تدخلها بإلغاء قرار الشركة لأنه مخالف للاتفاقيات الجماعية المبرمبة بين الطرفين.
بالأثناء، قام العمال في الشركة، بتسجيل شكاوى لدى الوزارة، عبر منصة حماية، وكان يأتيهم الجواب: "تم حل الشكوى .. تم إعادة فرق الأجور للعامل"، ولكن ذلك لم يحصل وفق كشف الراتب لشهر (8) ـ بحسب شهادات العاملين في الشركةـ ، ما يطرح تساؤلات عن جدوى نظام الشكاوى الذي توفره وزارة العمل بهدف الدفاع عن الحقوق العمالية، وما يثير التخوفات أيضا، بشأن آلية متابعة الشكاوى العمالية وطريقة معالجتها، وهل فعلا تنصف العامل، وتمنع التغول على حقوق عمال الوطن من قبل منشآت اقتصادية، أم أنها تحل في البيئة الرقمية وعلى النظام أما على أرض الواقع لا شيء يتغير!
هذه القضية وتكرارها، يرسخ صورة مرسومة في أذهان كثير من العمال حول تماهي وزارة العمل مع أصحاب العمل من مستثمرين وشركات ومؤسسات، على حساب الحقوق العمالية .هذا هو الانطباع السائد، مع الأسف، إذ لن يلتمس العمال عذرا للوزارة بأنه من المحتمل أن يكون "خلل فني"، بل ستكون ردة فعلهم" أن الوزارة باعتنا ولم تدفاع عن حقوقنا"، ما يلحق سمعة لا تليق بمظلة رسمية ترعى حقوق طرفي معادلة الإنتاج، وتحفظ حقوق الجميع وفق القانون والأنظمة النافذة.
ما نرجوه، أن نرى حلا سريعا لقضية عمال مصنع الألبان، والتي تبين الضرورة في مراجعة شاملة لنظام الشكاوى الإلكتروني ومنصة حماية، كي يبقى لها من أسمها نصيب في حماية الحقوق وعدم التجاوز عليها.
بحسن النية يمكن القول، أن سوء الإدارة قد يأتي على شكل "خلل فني"، سيما عندما تكون الخدمات الحكومية إلكترونيا، ولكنه بالطبع يستنزف رصيد الثقة العامة بمؤسسات الدولة، ويعمق الفجوة التي تسعى الحكومة جاهدة لسدها.
لا نملك ترف الوقت نريد معالجة شاملة وسريعة للأخطاء بطريقة مؤسسية حتى لا تضيع الحقوق وتصبح "شاورما" تدور على "سيخ" من المخالفات والتجاوزات، وتطبخ على "نيران" سوء الإدارة العامة، ثم تنتهي بعد أسبوع ويبقى عمال الوطن في مهب الريح.