عامٌ على مشروع بيغاسوس: متى يُحاسَب المتورطون؟
جفرا نبوز - قبل عام، كشف مشروع بيغاسوس عن كيفية استخدام الحكومات في أنحاء العالم كافة لبرنامج التجسس بيغاسوس الذي طورته شركة الهايتك والبرمجية الإسرائيلية إن إس أو، لوضع ناشطين في مجال حقوق الإنسان وصحافيين ومحامين ومسؤولين تحت المراقبة غير القانونية. وتتواصل إلى الآن أزمة برامج التجسس، إثر التقاعس في اتخاذ إجراءات صارمة ضد هذا القطاع، وفق ما حذرت منه مؤسسات صحافية وحقوقية، علماً أن هناك حالياً تحقيقات مفتوحة وقضايا لم يُبتّ فيها ضد مجموعة إن إس أو.
ما هو مشروع بيغاسوس؟
تعاون صحافيون من 17 مؤسسة إعلامية في 10 دول، بتنسيق من منظمة فوربيدن ستوريز، وباستخدام مختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية، في إجراء تحليلات تقنية جنائية رقمية متطورة، لتأكيد الأدلة على استهداف واختراق عشرات الأجهزة حول العالم. العام الماضي، كشف مختبر الأمن حالات جديدة من الاستهداف باستخدام برنامج بيغاسوس في المغرب/الصحراء الغربية وبولندا، كما أكد بشكل مستقل حالات إضافية لا يزال يُستخدم فيها برنامج بيغاسوس لاستهداف الأشخاص بشكل غير قانوني، بما في ذلك في فلسطين المحتلة والسلفادور وبولندا وإسبانيا.
في هذه المناسبة، كتب منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحافيين، شريف منصور، مقالة في النسخة الإنكليزية من صحيفة العربي الجديد، انتقد فيها زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، الأخيرة إلى الكيان الصهيوني و"سيره على خطى الزعماء الأميركيين قبله الذين رفضوا محاسبة إسرائيل على انتهاكها حقوق الإنسان"، لكنه أشاد بـ"فرض ضغوط ضرورية لإنهاء محادثات شركة دفاع أميركية لشراء الشركة الإسرائيلية إن إس أو". وأشار منصور إلى أن الناشطين ومنظمات حقوق الإنسان كانوا يأملون أن يتطرق بايدن، في زيارته إلى الشرق الأوسط، إلى "غياب حماية الصحافيين من المراقبة في بيئة يتزايد عداؤها إزاء الصحافة في المنطقة".
وأضاف: "لا إجابات إلى الآن عن الأسئلة التي أثيرت حول الضمانات التي تبدي إدارة بايدن استعداداً للقيام بها في سبيل حماية الصحافيين (...) يبدو أن أولويات الإدارة الأميركية قد تحولت بعيداً عن حريات الصحافة والاستبداد الرقمي وانتهاكات حقوق الإنسان الأوسع في المنطقة، للتركيز على الأمن والطاقة. وتؤكد نظرة واحدة على القادة الذين التقى بهم بايدن خلال رحلته إلى الشرق الأوسط أن هذه الاجتماعات جمعت بين بعض أشد منتهكي تقنيات المراقبة في المنطقة"، في إشارة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر.
نبّه منصور من أن استخدام تقنيات المراقبة توسع حول العالم، ووثق في المنطقة طوال العقود الأخيرة، فـ"قبل أكثر من 10 سنوات، اخترقت الحكومة المصرية الحسابات الشخصية والمهنية لصحافي، باستخدام تقنية طورتها شركة غاما غروب ومقرها في لندن". وتطرق في حديثه إلى جريمة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده عام 2018، ومقتل الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة برصاص الاحتلال الإسرائيلي في مايو/أيار الماضي، وعشرات الصحافيين الذين يقبعون في سجون مصر.
وشدد على أن الناشطين والمنظمات الحقوقية يطالبون بـ"استدعاء أسوأ منتهكي برامج التجسس في المنطقة وفي العالم، ومعاقبة الجهات الحكومية والخاصة التي تجسست أو سهلت التجسس على الصحافيين عبر بيع أو استخدام برامج التجسس (...) وإنشاء قائمة سنوية للشركات التي ستفرض عقوبات عليها وستدرج في القائمة السوداء مثل إن إس أو".
وفي السياق نفسه، حذرت منظمة العفو الدولية، من أن غياب حظر عالمي مؤقت على بيع برامج التجسس يسمح لقطاع صناعة برامج الرقابة بالاستمرار في نشاطه من دون رادع. وأشارت إلى أن بعض الخطوات الإيجابية اتخذت، "لكن الإجراءات الحكومية ليست كافية بعد"، إذ "يحق لكل شخص مستهدف ببرامج التجسس التابعة لمجموعة إن إس أو أن يتاح له سبيل انتصاف".
وقالت نائبة مدير برنامج التكنولوجيا في منظمة العفو الدولية، دانا إنغلتون: "بعد مضيّ عام واحد على صدور الاكتشافات المتعلقة ببرنامج التجسس بيغاسوس التي صدمت العالم، من المثير للقلق أن شركات برامج الرقابة لا تزال تنتفع من انتهاكات حقوق الإنسان على نطاق عالمي". وأضافت: "من المشين أن الحكومات في جميع أنحاء العالم لم تسارع وتتعامل بشكل كامل مع أزمة برامج الرقابة الرقمية هذه (...) فالرقابة غير القانونية المستهدفة للمدافعين عن حقوق الإنسان والمجتمع المدني هي أداة للقمع. حان الوقت لاتخاذ إجراءات صارمة ضد هذا القطاع الذي يواصل نشاطه في الخفاء".
وأكدت إنغلتون قائلة: "نواصل الدعوة إلى وضع حظر عالمي مؤقت على بيع ونقل واستخدام برامج التجسس حتى تطبيق ضمانات تنظيمية تراعي حقوق الإنسان تحكم استخدامها".
ووصف الصحافي المغربي المقيم في فرنسا، هشام المنصوري، استهدافه بأنه "شكل عنيف للغاية من الرقابة، لأننا نحرم أنفسنا من التعبير عن رأينا في قضايا عدة، سواء كانت شخصية أو مهنية". وأضاف في حديثه لمنظمة العفو الدولية: "هذا هو هدفهم: أن تصبح مرتاباً، وتنعزل عن الناس، ويزجّوا بك في سجن".
في السياق نفسه، رأت منظمة مراسلون بلا حدود أن التحقيق القضائي الذي أطلق في فرنسا، رداً على الشكاوى الجنائية التي قدمتها، "يشكل الإمكانية الوحيدة لتحديد وملاحقة المسؤولين" عن فضيحة بيغاسوس. وقال الأمين العام لـ"مراسلون بلا حدود"، كريستوف ديلوار: "من المهم تسليط الضوء أخيراً على مسؤولية شركة إن إس أو. عند الاعتداء على حرية الصحافة بهذا الأسلوب الخبيث، لا يجب أن يظل أي شيء من دون توضيح. نرحب بتعيين قاضي التحقيق أخيراً. يجب أن يصل التحقيق الآن إلى جوهر المسألة ويكشف عن أسماء كل زبائن مجموعة إن إس أو الذين استخدموا بيغاسوس ضد الصحافيين".
تجسس
رفعت دعاوى قضائية عدة تتعلق بتقنية بيغاسوس في دول مختلفة، بينها دعوى مدنية قدمتها شركة واتساب ضد شركة إن إس أو في الولايات المتحدة، والاستئناف أمام المحكمة العليا في الهند لتحديد دور الحكومة الهندية في التجسس على الصحافيين. لكن الشكاوى في فرنسا هي الإجراءات الجنائية الوحيدة التي يمكن أن تؤدي إلى تحديد هوية المسؤولين عن التجسس على الصحافيين ومقاضاتهم ومعاقبتهم.
يُذكر أن منظمة مراسلون بلا حدود كانت قد أدرجت شركة إن إس أو في قائمة "الوحوش الرقمية السالبة لحرية الصحافة" في عام 2020.
هناك حالياً تحقيقات مفتوحة، وقضايا لم يُبتّ فيها ضد مجموعة إن إس أو في فرنسا، والهند، والمكسيك، وبولندا، وإسبانيا. في مارس، أنشأ البرلمان الأوروبي لجنة بيغا للتحقيق في استخدام برنامج بيغاسوس وبرامج التجسس الأخرى في أوروبا. في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وضعت حكومة الولايات المتحدة مجموعة إن إس أو على قائمة سوداء، "للانخراط في أنشطة تتعارض مع الأمن القومي أو مصالح السياسة الخارجية". في وقت لاحق من ذلك الشهر، رفعت شركة آبل دعوى قضائية ضد مجموعة إن إس أو لمحاسبتها على مراقبة مستخدمي أجهزتها واستهدافهم. في الأسابيع الأخيرة، وردت تقارير أفادت بأن شركة المقاولات الدفاعية الأميركية L3Harris تجري محادثات لشراء ملكية برنامج بيغاسوس. لا يزال مستقبل مجموعة إن إس أو غير واضح.
العربي الجديد