هل تذوقت الحلوى بالسمن العربي في دمشق؟
جفرا نيوز - تتنوع فنون الصناعات السورية التي أتقنها الأجداد وخلّدوها لتصبح موروثاً اجتماعياً يواكب حاجتنا بدقة وحرفية تركت بصمة مختلفة في عالم الحلوى، ومنها صناعة الحلويات في سوق الجزماتية الدمشقي الذي يعد من أقدم المعالم التي ترتبط بهذه الصناعة المتفردة بمذاقها اللذيذ وقوامها المختلف.
ارتبط اسم سوق الجزماتية برائحة الحلوى الدمشقية الأصيلة كمعلَم يفصح عن أصول صناعة وبيع الحلويات بأصنافها المتعددة، وكل مطبخ فيه يتفنن بصناعاته لتصبح له بصمته وخصوصيته، فيغدو علماً من أعلام هذا السوق العريق الذي يسعى إلى تقديم أصناف متعددة ترضي جميع الأذواق.
عند دخولك سوق الجزماتية يشد انتباهك عرض الحلوى وتقديمها اللافت الذي ينبع من إتقان ودقة في صنعها وتسويقها، إضافة إلى تصاميم المحال التي يغلب عليها الطابع الشرقي الإسلامي والأموي العريق، وصوت الحلواني الذي يتعالى من أمام المحال وينادي: "قرّب على الطيب يا طيب"، فضلاً عن العبارات الفنية والشعرية التي تضفي أصالة وحلاوة لفظية على حلوياتهم، فتكلل الأجواء المرتبطة بعراقة المكان، وتتبدل هذه العبارات المحكية بحسب الأعياد والمناسبات، فضلاً عن رائحة الحلوى، فيبقى الحكم عندئذ للتذوق بزيارة هذا المكان.
عراقة صناعة الحلوى السورية
تحرص العائلات الدمشقية على توارث مهنة صناعة الحلوى جيلاً بعد آخر، فتجد الشاب فيها يدرس في كلية الطب أو الهندسة ويعمل في معمل العائلة ليحمل بدوره سر المهنة، ويكمل مسيرة الأجداد، لأن اسم المحال مرتبط باسم العائلة، وعراقة هذه المهنة واستمراريتها تعنيان كثيراً لأصحابها.
أنس الطري متخصّص بمطبخ حلويات الرشاد، تحدّث إلى الميادين نت قائلاً: "في البدء كانت صناعة الحلوى تقتصر على البرازق والغريبة والمعمول، ثم طوّرنا العمل فدخلت صناعة الحلويات العربية ولاسيما البلورية، والآسية، والمبرومة، وكول واشكور، والأصابع بالكاجو، وعش البلبل بالكاجو، والوربات بالفستق، وبالقشطة، والنهش بالقشطة، والنمورة والمغشوشة. وكلما تنوّعت الأصناف زاد الإقبال، ثم أدخلت الفواكة المجففة والحلويات الممتازة بالسمن العربي وبالصنوبر البلدي".
وأضاف الطري: "كانت الصناعة في بدايتها تعتمد على السمن الحيواني البقري، والآن أصبحت بالسمن العربي وخصّصنا قسماً لحلوى "الدايت"، ومرضى السكري، تعد بسكرين الصبار. وهذا التنوّع يرغب فيه الزبائن وهو يرضي جميع الأذواق. في النهاية هدفنا الوصول إلى كل الناس".
وعما يميز سوق الجزماتية السوري عن سائر أسواق الحلوى العالمية والتركية، لفت إلى أن "الحلوى العربية اخترعت في سوريا، وأصل الحلويات الأساسي خرج من سوق الجزماتية، فأجدادنا هم من بدأ صناعتها، وكانوا المؤسسين من مطبخ حلويات مهنا وحلويات أمية والصديق منذ عام 1935 ثم انتقلت فنون صناعتنا إلى البلدان المجاورة".
وأشار إلى أنه "من المعروف في الدول العربية والأوربية أنه عندما يطلب أحدهم الحلوى يدلونه على سوق الجزماتية لأن الحلويات السورية مرغوب فيها جداً في الخارج، وزبائننا يداومون على حضورها في موائدهم، وخصوصاً الأشقاء الإماراتيين والكويتيين والأردنيين والبحرينين، وتصدر كذلك إلى عدد من الدول العربية والأوروبية وليس لدينا إلا فرع إنتاج واحد في الجزماتية فقط".
وعلى الرغم من التحديات التي واجهت سوريا في الحرب، "حرصنا على المحافظة على جودة المواد الأولية ووفرتها، ولم تتغير المواد، فالسمن الذي نستخدمه هو سمن البقرة الحلوب والفستق من أفخم أنواعه (فستق بلدي بوظة) لأن عملنا وسمعته ومستواه هو الأهم بالنسبة إلينا".
خبراء الحلوى في سوق الجزماتية، هم المشرفون على جودة الحلويات منذ ظهورها في الجزماتية عام 1956، الواقع في حي الميدان، بحسب رضوان حلاق الذي يعمل حرفياً في سوق الجزماتية، حيث كانت الصناعة في البدء تعتمد على المواد الأولية وهي: السمن، والطحين، والفستق، وكان العمل بكل مراحله يدوياً، ثم أدخلت الآلات والأدوات المتطورة فساهمت في زيادة عجلة الإنتاج. ومع ذلك مازلنا نحافظ في مراحل عديدة على العمل اليدوي لأن الجودة اليدوية تتفوّق على الآلة بكثير فتخرج القطعة بدقة متناهية كالرسم، أما المكنات فهي من تتحكم بالقطعة.
ويضيف الحلاق للميادين نت: "هناك كثير من أسواق الحلويات المنافسة في السوق السورية والعربية، لكن يختلف تصنيفها بحسب استخدام المواد الأولية، فسوق الحلويات في المرجة يصنّف رابعاً لأنّه يعتمد أكثر على السمن النباتي في صناعة الحلوى. أما سوق الجزماتية فينال التصنيف الأول لجودة المواد الأولية واعتماده على السمن الحيواني والسمن العربي. ويختلف سعر السلعة عندما يكون سعر كيلو المبرومة لدينا 75 ألف ليرة سورية تجده في سائر الأسواق بــ30 ألفاً لأن السمن وجودة الفستق يلعبان دوراً كبيراً في تكلفة المنتج".
ويمتد سوق الجزماتية على طول 3 كيلومترات تقريباً، من باب مصلّى عند حلويات أنس حيدر إلى منطقة البوابة ويتميّز هذا السوق بكثرة محال الحلويات، إذ يضم ما يقارب ستين مطبخ حلوى متخصصاً، سوق مملوء بالحركة والحياة، ويبقى هذا الشارع مزدحماً على مدار أيام السنة بسبب اختلاف الأنواع المطلوبة بحسب الفصول وطلب الحلوى السياحية التي تزداد في الأعياد المباركة.
السيدة نعيمة علي سائحة من مملكة البحرين تحدّثت إلى الميادين نت قائلة: "أقصد الجزماتية لأتمتّع بجوها الشرقي الجميل، وطريقة التجار في العرض والمنافسة. اعتادنا طعم الحلويات هنا. نأتي كلما سنحت لنا الفرصة إلى هذا البلد المميز ونأخذ معنا الحلويات السورية، وهي من أشهر أنواع الحلويات في الوطن العربي، وتصنع بجودة عالية ليس لها مثيل، ونحن نحب أن نشتريها ونصطحبها لتقديم ضيافة أهلنا بعد عودتنا، ونتباهى بها في بلادنا".
وتقول السائحة زينب المطاوعة (29 سنة): "الحلويات السورية مذاقها لذيذ جداً، وجودتها مميزة، لها طعم ونكهة مختلفان عما تجده في سائر الدول. لا نستطيع استبدالها بطعم آخر. أنا تذوقت الحلويات في مصر وتركيا، لكن الحلويات السورية من ناحية "الشيرة" والحلاوة والمكسّرات، كل شيء موزون فيها، ونحن نأتي مع الأسرة إلى سوريا دائماً ويكون شراء الحلويات من أهم أولوياتنا وأسعارها ممتازة".
يشار إلى أن سوق الجزماتية هو مطبخ دمشق الأصيل، وسمي بهذا الاسم لأنه كان مخصّصاً لتصنيع الأحذية ذات العنق الطويل الذي يصل إلى الركبة لسكان دمشق القديمة قبل أن يتحوّل ويصبح مركزاً متخصصاً بصناعة الحلوى والمواد الغذائية. أول محل حلويات فتح في سوق الجزماتية حلويات الأيسر والثاني حلويات سرحان، ثم داود إخوان.
الميادين نت