الامم المتحدة تلمس وجود فجوة ثقة ما بين الحكومة والمجتمع المدني

جفرا  نيوز 

نظمت هيئة تنسيق مؤسسات المجتمع المدني "همم" ملتقى بعنوان "حرية التجمع السلمي والجمعيات "، وبمشاركة  مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات السيد كليمان نيالتسوسي فول، ومؤسسات المجتمع المدني، والبعثات الدبلوماسية، والمؤسسات الدولية، ووسائل الاعلام والحقوقيين والنشطاء في العمل العام . 
تضمن الملتقى عدة جلسات نقاشية منها "واقع الأردن في المعايير الدولية الناظمة للحق في التجمع السلمي والجمعيات وأفضل الممارسات الدولية"  وأدار الحوار مع السيد كليمان نيالتسوسي فول - مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات الأستاذه  هديل عبدالعزيز المديرة التنفيذية لمركز العدل للمساعدة القانونية.
حيث أكد المقرر الأممي الخاص لحق التجمع السلمي وتكوين الجمعيات السيد كليمان فول أن زيارته للأردن لا تعتبر زيارة دولة رسمية وبالتالي لا يمكنه أن يصدر تقريراً حول حالة الحق في التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، فزيارته هذه تعتبر زيارة أكاديمية وتهدف لكسب التأييد تجاه هذه الحقوق. كما أنها تهدف للاستماع لآراء مختلفة من الجهات ذات العلاقة، ولتعميق فهم الحكومة وأصحاب العلاقة لدور المقرر الخاص ولأهمية حرية التجمع السلمي وحق التنظيم. 
والزيارات الرسمية "زيارة دولة" تأتي من خلال دعوة حكومة الدولة للمقرر تهدف لإصدار تقارير حول حالة الحق في دولة ما بينما تسمح الزيارات الأكاديمية ومنها الدعوة من قبل منظمات المجتمع المدني بزيارة دولة ما والاستماع والاطلاع على وضع الحق ومحاولة المناصرة من أجل تحسين الالتزام بحماية هذه الحقوق. وقد أكد المقرر الخاص أن هناك تواصل دائم وتعاون بين مكتبه وبين الحكومة الأردنيه وقد تواصل مع الحكومة حول أكثر من مسألة في السابق.
لخص السيد فول انطباعاته  وتوصياته لتحسين حالة التجمع السلمي والجمعيات في الأردن من خلال ما يلي:
حول العلاقة بين المجتمع المدني والحكومة:
 لمس المقرر أن هناك فجوة ثقة ما بين الحكومة والمجتمع المدني ولعل سببها هو غياب الفهم لدور المجتمع المدني. فالمجتمع المدني ليس من دوره أن يكون ذراعاً حكومياً ينفذ برامجها، بل أن يكون جهة مستقلة ترصد وتنقد الحكومة لضمان أن سياساتها تطبق بشكل يحسن حياة المواطنين جميعاً. وفي ذات الوقت نوه إلى أن المجتمع المدني ليس معارضاً للحكومة وعليه أن يتشارك معها في وضع الحلول، لكن هذه الشراكة لا تعني أن المجتمع المدني لا يحق له انتقاد سياسات الحكومات، وخاصة إن كانت تلك السياسات تمس حقوق الإنسان أو تنقص منها.
وقد أشار المقرر الخاص إلى التحدي الذي قد يلمسه المجتمع المدني في الدول التي تضعف فيه المؤسسات الرقابية الديمقراطية (على سبيل المثال غياب الرقابة من قبل البرلمان الذي  أو القضاء ) مثلاُ ضعف قدرتها على تأدية دورها الدستوري أو غياب التعاون والتكامل بينها والذي يفترض به أن يحقق التوازن بين السلطات، فإن هذا يضع عبئاً أكبر على المجتمع المدني. فيتحول المجتمع المدني في تلك الحالات إلى الوجهة الأولى في الرقابة والمساءلة والتصدي للسياسات الحكومية والقناة التي يلجأ لها الأفراد لإيصال صوتهم، فالمجتمع المدني يلعب دوراً قد يبدو للبعض أنه دور سياسي وخاصة في حال ضعف الأحزاب السياسية، وهو دور لا يلعبه في حال وجود مؤسسات ديمقراطية أكثر فاعلية.
 وقد شهدت بعض الدول كانت أحزاب المعارضة لا تحاول تصويب سياسات الحكومة، بل تنتظر فشل الحكومات بهدف الفوز في الانتخابات اللاحقة، وفي هذه الحالات يلعب المجتمع المدني في تلك الحالات الدور لسد الفراغ ويحاول معالجة ونقد السياسات الحكومية، وعندها يتهم أنه يقوم بدور سياسي، بينما في الواقع لا يمكن القول أن المجتمع المدني هو مؤسسات سياسية لأنها لا تهدف للوصول إلى السلطة. وأكد أن كلاً من الأحزاب السياسية، والبرلمان والقضاء لديهم دور أساسي يلعبونه في الدول الديمقراطية فهم يشكلون عماد الديمقراطية، والأصل أن يكون دور المجتمع المدني مكملاً لهذه المؤسسات وأن يلجأ لها لإيصال صوت الأفراد الذين يمثلهم، لكن في حال عدم قيام أي من المؤسسات الدستورية بدورها عندها سيكون المجتمع المدني في مواجهة الحكومة. 
حول مشروعية تقييد الحق في التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، والخط الفاصل ما بين تنظيم الحق وتقييده،
فقد أكد المقرر الخاص أن التزامات الدول في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والمتعلقة بحق التجمع السلمي وحق تكوين الجمعيات تنقسم إلى قسمين: منها التزامات إيجابية من خلال سن التشريعات وتبني سياسات تكفل أن هذه الحقوق قابلة للتحقيق، ويمكن للأفراد ممارستها دون تقييد. 
على سبيل المثال البندين 21 و 22 من العهد يكفلان حق التنظيم والتجمع السلمي، وتتطلبان من الدول تشريع قوانين تكفل الآليات للتمتع بهذه الحقوق وأن تنشئ المؤسسات التي تراقب كيفية تطبيق هذه الحقوق. وأكد المقرر أنه كثيراً ما يجد أن الدول تستخدم القانون لتقييد هذين الحقين بدلاً من حمايتهما وتنظيمهما. 
وللتمييز بين التنظيم والتقييد أكد المقرر أن من حق الدول أن تشرع قيود لتنظيم حقي التجمع السلمي أو حق التنظيم، لضمان هناك ثلاثة ضوابط لتنظيم هذه الحقوق الأساسية، ومنها :
أولاً: مبدأ المشروعية: بمعنى أن أية قيود تفرض يجب أن تكون مشرعة في القانون، وأن يكون هذا القانون متوائماً مع القانون الدولي. وعلى سبيل المثال، حق التنظيم النقابي، على الدول أن تكفل حق التنظيم والانتساب للنقابات لجميع الأفراد دونما تمييز. وأن تكفل حق الأفراد في ا لتجمع السلمي والتنظيم. وأن يكون دور القوانين لا أن تمنع الأفراد من ممارسة هذه الحقوق بل أن تكفلها. ولا بد لهذه التشريعات أن تسن بطريقة تشاركية تضمن مشاركة فئات المجتمع جميعها وليس المجموعات التي تمثل أصحاب النفوذ فقط، فهذا يؤثر على مشروعية هذه القوانين.
ثانياً: مبدأ التناسب : بمعنى أن تكون القيود الموضوعة متناسبة مع الهدف الذي تحققه. وهنا يعطي المقرر مثالاً هو القيود التي فرضتها الدول للتعامل مع أزمة كورونا، وقوانين الطوارئ أو القيود الصحية التي تم فرضها. فالدولة عليها أن تلتزم وتتأكد من أن أي قيد يتم فرضه يهدف بشكل أساسي للتعامل مع الأزمة، وليس أن تهدف إلى تقييد الحريات الأساسية. 
والكثير من الدول استخدمت الجائحة كذريعة لتبني قوانين لم يكن لهم أن يشرعوها لولا ضرورة السيطرة على الجائحة. ولكن بعضهم استخدم هذه التشريعات لإضعاف خصومهم السياسيين أو تقييد قدرتهم على التحرك وبعضهم استخدمها لفرض ضرائب.
ثالثاً: مبدأ الضرورة. ولتقييم هذا المبدأ يكون السؤال، هل هذا الإجراء يعتبر ضرورة في مجتمع ديمقراطي لتحقيق الهدف والوصول لأمن المجتمع، وهل يمكن الوصول إلى الهدف دونما تقييد للحق.

ويمكن إسقاط هذه الضوابط على الضرورات السياسية للبلاد، مثلاً، موضوع تقييد وصول المجتمع المدني إلى التمويل. فعند تقييم مبدأ الضرورة، نسأل هل الهدف من فرض القيود على المجتمع المدني هو إلزامهم بالشفافية المالية أو المساءلة؟  هل هناك طريقة أخرى لتحقيق هذه الأهداف دون تقييد حق المجتمع المدني بالوصول إلى موارده الضرورية لعمله؟ على سبيل المثال، من الضروري تنظيم التمويل بهدف منع الإرهاب، وهناك متطلبات دولية تتطلب الرقابة والإفصاح عن مصادر التمويل، لكن يمكن للبنوك أن تلعب دوراً في هذه الضمانات. فهناك ضمانات دولية وهناك ضمانات محلية ويمكن أيضاً أن يتم اقتراح ممارسات فضلى من قبل المجتمع المدني نفسه، مثل إخضاع العمل للرقابة. 
وشدد السيد فول على أهمية الدفاع عن المساحة الحرة للمجتمع المدني وتمكينه من الوصول للموارد المالية ، مؤكد أن التشريعات التي تسمح بتكوين الجمعيات لكن تسمح بتقييد وصولها إلى الموارد اللازمة والتحكم بها، تكون في الواقع تشريعات مقيدة لهذا الحق. فالمجتمع المدني يحتاج للموارد للقيام بدوره والدفاع عن القضايا التي تهم المجتمع، والهدف من تشكيل جمعيات أساساً هو العمل لتحقيق أهداف أو القيام بأنشطة أو العمل في مجال معين، وبدون موارد لن يتحقق هذا الهدف. وقد ثبت أن المجتمع المدني يلعب دوراً أساسياً في دعم الجهود الحكومية وخاصة في مرحلة ما بعد الجائحة سواء في مجال التصدي لعدم المساواة في المجتمع أو الحماية من العنف أو تغيرات المناخ، وبالتالي وصول المجتمع المدني إلى الموارد ليس ترفاً بل ضرورة.
وقال المقرر أن علينا ألا نغفل حجم خدمات المجتمع المدني وأثرها على ملايين المستفيدين وبنفس الوقت أثر التأخير والتضييق على التمويل على العاملين في مجال المجتمع المدني. وبالتالي، من المهم ألا يؤثر هذا التنظيم بحق الأفراد بتكوين الجمعيات أو بقدرة هذه الجمعيات وفاعليتها على القيام بدورها. ولذلك يدعو المقرر الحكومات إلى النظر إلى اثر سياساتها على المجتمع بأسره. فالمجتمع المدني لا يولد من فراغ، بل يولد من تحديات يواجهها المجتمع. وكل من يتقدم للحصول على تمويل يتم توضيح التحدي الذي يتصدى له، وهناك آليات رقابة من الممولين على التمويل. 
كما يشير المقرر أن الرقابة المسبقة قد تؤثر على عمل المجتمع المدني لأن طول أمد الإجراءات قد يؤدي إلى ضياع فرص التمويل فالممولون لن ينتظر حتى تقرر السلطة ان الدولة فعلاً تحتاج للتمويل فعلاً.
أما بخصوص حصر موافقات التمويل في ما تعتبره الحكومة أولويات حكومية، فيقول المقرر أن هذا قد يكون مهماً، لكن علينا أن نتذكر أن من ضمن مسؤوليات المجتمع المدني الرقابة والمساءلة للحكومات، وبالتالي، قد تكون ليست من أولويات الحكومة على سبيل المثال تطبيق برامج الرقابة أو الرصد، إلا أن دور المجتمع المدني في تحديد مواطن الفساد على سبيل المثال وكشفها للحكومة هو أمر مهم جداً بالنسبة للحكومات ويساعدها في تنفيذ مشاريعها التنموية. وأكد أن منع منظمات المجتمع المدني من تنفيذ مشاريع بسبب عدم إدراج تلك المشاريع ضمن أجندة الحكومة يعني منعه من تسليط الضوء على الأمور التي تهم المجموعات التي يمثلها المجتمع المدني، أو الأمور التي تمس حقوق الإنسان. وبالتالي لا بد من إجراء حوار حول الأولويات الوطنية وعدم حصرها في الأولويات الحكومية.
وأكد المقرر الخاص على أهمية المجتمع المدني وهو ليس المنظمات غير الحكومية فحسب، بل يمتد ليشمل المجموعات المجتمعية والجمعيات الصغيرة، فالمجتمع المدني يساعد الأفراد ويدعمهم وهو ضروري حتى من وجهة نظر الحكومات فهو يساعد في التعامل والتصدي للأزمات التي نواجهها. بما فيها الجوائح والتغير المناخي. وعندما تقوم الحكومات بتقييد وصول المجتمع المدني إلى الموارد التي يحتاجها، فالأثر السلبي الذي تحدثه يصل إلى قواعد تتعدى تلك المؤسسات. فدون وصول الموارد للمجتمع المدني ودون حماية اجتماعية سيكون أثر هذه القيود المفروضة ملموساً على مستوى المجتمعات التي تخدمها.
وبخصوص دوره كمقرر خاص لحق التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، أكد أن دوره الأولي هو مراقبة التحديات التي تواجه الدول عند تنفيذ التزاماتها ورفع تقارير حولها لمجلس حقوق الإنسان. كذلك الاستماع للأفراد، وتلقي شكاواهم المتعلقة بانتهاك هذه الحقوق. وعند تلقي تلك الشكاوى يقوم بمخاطبة الدول حول المواضيع المحددة باستخدام الأطر الدولية، وسؤالها عن الانتهاكات أو عن تقصيرهم في حماية الحق. وكذلك يضطلع المقرر بدوره بتقديم مشورة فنية ومساعدات للحكومات من أجل تنفيذ التزاماتها، وأخيراً توفير أدوات تساعد المجتمع المدني على تنفيذ حملات المناصرة لحماية الحريات المدنية، من خلال إصدار تقارير  فعلى سبيل المثال قام المقرر بإصدار التقارير وقد أصدر تقريراً في العام 2018 حول أهمية إعطاء المساحات للمجتمع المدني للمشاركة في رسم السياسات. 
وأكد المقرر أن العالم إن أراد تحقيق اجندة الأهداف المستدامة في نهاية العام 2030 فلا بد من مشاركة المجتمع المدني، وخاصة أن الشعار الأساسي من هذه الأهداف هو "عدم إغفال أي شخص"  ، وهو ما يؤكد المقرر أنه لا يمكن تحقيقه دون مساحة حريات لعمل المجتمع المدني. وعمل المجتمع المدني مهم فعلى سبيل المثال العمل على التغير المناخي هو ضروري لمستقبل العالم بأكمله، وكذلك الأمر العمل للمجموعات الشبابية، وكذلك أهمية العمل على تعزيز مشاركة النساء ودورهم في السلام والديمقراطية. ولا يمكن حماية وتعزيز حقوق النساء دون حماية الحراكات الحقوقية التي تقودها النساء. ومن المهم أن تفهم الحكومات أهمية دور المجتمع المدني في حماية حقوق الإنسان. 
وقد ختم المقرر الأممي لحق التجمع السلمي وتكوين الجمعيات مداخلته بالدعوة للحوار البناء ما بين المجتمع المدني والحكومة لتحقيق المصلحة الوطنية العليا، وأن يعمل المجتمع المدني والحكومة سوياً على تشريعات تحمي حماية مساحة العمل المدني وتعميق فهم دور المجتمع المدني والتعاون وتحديداً من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وخاصة في مرحلة ما بعد جائحة كورونا، والتي عمقت المشاكل التي تواجه الأفراد وعظمت الفروقات والتمييز بينهم، فالمجتمعات أصبحت أكثر فقراً، مما يعني أن الناس سيعبرون عن احتجاجاتهم على أوضاعهم الاقتصادية. ولا بد من إدراك أن حماية الحريات الأساسية يعني توفير قنوات للأفراد لإيصال صوتهم واحتجاجهم على السياسات الحكومية بطرق سلمية، ولا يسمح باستغلال الأوضاع وتدخل جماعات أخرى وبشكل غير قانوني. 
وكذلك شدد المقرر على أهمية خلق بيئة تسمح بفتح الحوار حول التحديات وكيف يمكن لنا خلق مساحة الحوار، والعمل بالشراكة من اجل تحقيق المصلحة الوطنية. ومن المهم ألا تترجم الشراكة لأن يكون المجتمع المدني تابعاً للحكومة، ولا تؤثر على قيامه بدوره بالدفاع عن الأفراد والحريات والفئات المستضعفة من اللاجئين والنساء من ضحايا العنف، والتي مهما كانت خطط الحكومات واسعة فلا شك أنها لا يمكنها إعطائها الأولوية وستحتاج لعمل المجتمع المدني لتمثيلها. ولذلك من المهم أن تدعم الحكومات حماية هذه الحقوق.
وفي نهاية المداخلة أكد المقرر كمسؤول أممي بأن المنظمات الدولية يمكنها الدعم أو المساعدة أو حتى توجيه مساءلة للحكومة الأردنية، لكن الأردنيون هم من يقع على عاتقهم العمل وخوض المعركة من أجل حرياتهم وحماية حق التجمع والتنظيم في بلدهم