مسنون يروون قصصهم المؤلمة ويتمنون زيارة أبناءهم خلال الشهر الفضيل

جفرا نيوز - ملامح وجه أبو نعمان نطقت قبل لسانه؛ لمعان عينيه وابتسامته واحمرار وجنتيه تعبر عن فرحه الكبير للزيارة التي نُظّمت لممثلي وسائل الإعلام إلى المركز الذي يقيم فيه منذ ثلاث سنوات،.

«لا تتخيلوا ما مدى فرحتنا عندما يزورنا أحد من الخارج، نشعر بالتغيير، وبأهميتنا وبوجودنا، ما يترك أثرا نفسيا إيجابيا علينا».. هذا ما قاله المعلم المتقاعد .

ذات الملامح التي عبّرت عن فرحه، انعكست حزنا، عندما تذكّر أنه فرد واحد غير متصل بمجتمع يسأل عنه ويطمئن عليه، «أشعر بأنني مقطوع من شجرة بالرغم من أن لي إخوة وأخوات وزوجة وأبناء وبنات، ألم يقولوا «البنات حنونات».. أين ذهبت الحنية؟».

ويشير أبو نعمان في الوقت ذاته إلى أن بعض رفاقه من النزلاء يأخذون إجازة من الدار ليوم أو إثنين؛ ليذهبوا إلى ذويهم في العيد مثلا أو خلال شهر رمضان الفضيل.

ينطلق أبو نعمان–وهو اسم مستعار–في سرد حكايته من الرحم الأول الذي ولد منه، فيستطرد بذكر أمه «اضطررت لأن أبتعد عن أسرتي قليلا؛ لألزم والدتي التي كانت تعاني من الزهايمر، لأبرّها وأرعاها وأساعدها في الصعوبات التي واجهتها بسبب المرض، وعندما توفاها الله عرضت على طليقتي لأن تعود المياه إلى مجاريها إلا أنها أبت ذلك».

واستطرد بالقول إنه اضطر إلى أن يسكن في منزل بمفرده، وأصابته سكتة قلبية ما أفقدته القدرة على تحريك يده اليمنى وقدمه اليمنى كذلك، ولم يستطع تدبير احتياجاته بمفرده، ما اضطره لأن يقصد دار رعاية وتأهيل المسنين في محافظة الزرقاء وعاش فيها مدة سنتين إلى أن أغلقت لأسباب متعلقة بالدار، وفق قوله.

ومن ثم انتقل إلى دار خاصة في عمان، وهو يحظى بمعاملة حسنة فيها وباهتمام ورعاية تلقى رضاه، إلا أنه يشعر بالوحدة والاشتياق لأفراد عائلته.

يطالب أبو نعمان بأن تفتح دار لرعاية وتأهيل المسنين للذكور في محافظة الزرقاء كي يستطيع إخوته وأخواته زيارته نظرا لبعد مكان إقامته الحالي في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعانون منها، وهو يؤمن بأن «من يبني بيتا كأنه بنى جامعا، وله الأجر والثواب».

راتبه التقاعدي، الذي يبلغ ٣٠٠ دينار، هو ما كفاه مؤونة متطلبات الحياة، إذ يغطى رسوم الدار التي يسكن فيها.

الرعاية المنزلية حملت  مطلب أبي نعمان، إلى وزارة التنمية الإجتماعية، التي بدورها بينت أن عدد دور رعاية كبار السن التي تشرف عليها الوزارة بلغت لغاية تاريخه تسعة دور رعاية، خمس منها تتبع القطاع التطوعي، وأربع دور تتبع القطاع الخاص، وشدّدت في الوقت ذاته على عدم وجود أية دار حكومية لكبار السن في المملكة.

وبيّن مدير مديرية الأسرة والحماية عامر حياصات أن الوزارة تنتهج نظام رقم (97) لسنة 2021، نظام رعاية المسنين، وتم نشره في الجريدة الرسمية، وفقا لما أقره مجلس الوزراء بتاريخ 1/9/2021، وتضمن الصدور بموجب المادة (4) من قانون الشؤون الاجتماعية والعمل وتعديلاته رقم (14) لسنة 1956.

ووضح حياصات، في حديث إلى «$»، أن النظام يهدف إلى تقديم خدمات الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية لفئة المسنين من خلال إيجاد حساب خاص لذلك، وتحديد أوجه الإنفاق منه، وتشجيع ذوي المسنين غير المقتدرين أو المتبرعين على رعايتهم منزلياً، حيث عرف الحساب بـ«رعاية المسنين»، ويتم قبول التبرعات والهبات والمساعدات والوصايا والوقف وإدارتها وإعداد التقارير اللازمة عن أوجه الإنفاق منها.

وبين أنه تم تشكيل لجنة لإدارة الحساب مشكّلة وفق النظام المذكور، ويخصص الحساب لـ"توفير خدمات الرعاية الاجتماعية والصحية والبدنية والنفسية المناسبة للمسنين في مساكنهم وبين أسرهم وفقاً لتعليمات تصدر لهذه الغاية، والعمل جارٍ على إصدارها».

كما يخصص الحساب وفق حياصات إلى تحسين كفاءة الخدمات الإجتماعية المقدمة للمسنين، وإيواء المسنين الذين تعجز أسرهم عن رعايتهم أو الذين ليس لهم أسر ترعاهم، فضلا عن العمل على إدماج المسن في المجتمع، ودعم البرامج والمشاريع الموجّهة للمسنين.

وعدّد حياصات التشريعات المعمول بها في مديرية الأسرة والحماية فيما يتعلق بدور رعاية كبار السن والأندية النهارية «نظام رقم (81) لسنة 2012، نظام ترخيص دور رعاية المسنين والأندية الخاصة بهم لسنة 2012 وتعليمات ترخيص دور الرعاية الإيوائية للمسنين لسنة 2013 والصادرة بمقتضى المادة (3) من نظام دور المسنين والأندية الخاصة بهم رقم (81) لسنة 2012، فضلا عن تعليمات ترخيص الأندية النهارية للمسنين لسنة 2013.

نسبة إشغال دور المسنين في ارتفاع وتفيد دراسة واقع دور رعاية المسنين في الأردن التي أطلقها المجلس الوطني لشؤون الأسرة، تشرين الثاني الماضي، أن نسبة إشغال دور المسنين قد ارتفعت.

وتذكر الدراسة أن عدد المُسنين المُقيمين في دُور الرعاية الإيوائية بلغ 355 مُسنا ومُسنة (172 ذكوراً/ 183 إناثا) وبنسبة إشغال بلغت 66% من الطاقة الاستيعابية لجميع الدُور، حتى نهاية آب 2021، مقابل 49% مع نهاية عام 2016.

وكان لصعوبة مقابلة أهالي المُسنين المُقيمين في دور الرعاية؛ للوقوف على بعض الجوانب المتعلقة في أسباب إلحاق كبار السن في بيوت الرعاية ومدى رضاهم عن الخدمات المقدمة، دور في زيادة التحديات التي واجهت الدراسة؛ ويُعزى ذلك إلى الشعور بالخجل، بالإضافة إلى عدم مصداقية بعض المُسنين المُقيمين في الدُور بشأن رضاهم من عدمه عن الخدمات المقدمة لهم، قد زاد التحديات أيضا؛ ويُعزى ذلك إلى شعورهم بالغضب الداخلي نتيجة تخلي الأهل والأبناء عنهم.

في حين عبّر بعضهم الآخرعن رضاهم، وأنهم يعيشون بكرامة في دُور الرعاية.

بعيدا عن مطلب أبو نعمان ونهج وزارة التنمية الاجتماعية، توجد مجموعة من المسنين في الدور يتعطشون إلى الاهتمام بهم من قبل أفراد أسرهم أو حتى من أبناء المجتمع المدني للسؤال عنهم والقيام بالمبادرات الإجتماعية إليهم؛ لما تضيفه من أثر إيجابي كبير عليهم، ولتعميق مبدأ «أفضل الصدقة إدخال السرور على قلب مؤمن» في فترة الصوم المباركة.


الرأي