رحلة الساق الاصطناعية

جفرا نيوز - عند السابعة صباحاً، يكون موعد انطلاق رحلة أمير للعمل، وهي رحلة غير تقليدية، إذ يبدؤها الشاب بتركيب طرف ساقه الاصطناعية، قبل أن ينطلق فوق دراجته النارية، التي يتجول بها بين شوارع وأزقّة مخيمات غزة، بحثاً عن قطع خردة يشتريها من المواطنين.

فكرة العمل في جمع الخردة ليست بالمهمة السهلة على أمير، الذي فقد ساقه اليمنى في 2014، إبان العملية العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، وخلالها اخترقت جسده شظايا من صاروخ أطلقته الطائرات المقاتلة بالقرب منه.

ارتفاع عدد ذوي الاحتياجات الخاصة

بحسب بيانات وزارة التنمية والتطوير الاجتماعي، فإن إعداد الأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة في غزة ارتفعت كثيراً خلال السنوات العشر الأخيرة، بسبب الحروب والعمليات العسكرية التي جرت في القطاع، ويقدر عددهم بنحو 130 ألف شخص، باتوا يشكلون نسبة 4 في المئة من مجمل سكان القطاع، ومن بين إجمالي أعداد ذوي الإعاقة هناك نحو 40 في المئة يعانون الإعاقات الحركية (بتر طرف سفلي).

لكن أمير مجبر على حرفته. يقول، "خلال فترة علاجي أوصاني الأطباء بعدم العمل في مهنة مرهقة، لأن الطرف الاصطناعية قد لا تحتمل الكثير من الحركة، حاولت فعلاً على مدار خمس سنوات البحث عن وظيفة، أو فرصة عمل مناسبة لحالتي الصحية، لكنني للأسف أعيش في غزة، التي بالكاد يجد فيها الأصحاء فرصاً، وبعد معاناة طويلة قررت أن أمتهن جمع الخردة".

ينص القانون الفلسطيني الخاص بهذه الفئة من الأشخاص، رقم 4 لسنة 1999، على إلزام المؤسسات الحكومية وغير الحكومية باستيعاب عدد من ذوي الاحتياجات الخاصة، لا يقل عن 5 في المئة من إجمالي عدد العاملين، مع مراعاة أن تتناسب طبيعة العمل في تلك المؤسسات مع حالات الإعاقة، لكن هذا القانون غير مطبق في غزة، التي ترفض تشغيل ذوي الإعاقة، وتصنفهم كأشخاص غير قادرين على الإنتاج.

جولة مع أمير

بعد أن يركب أمير دراجته النارية التي تجر عربة (معروفة محلياً باسم التوكتوك)، يدور في الأزقّة والشوارع، وبصوته الأجش ينادي طيلة اليوم بكلمات "نحاس، ألومنيوم، بلاستيك، خردة للبيع". يبحث أمير من خلال جولته عن شخص يرغب في بيع قطع كهربائية تالفة، أو ثلاجة معطوبة، أو نافذة مكسورة. يقول إن مصدر رزقه من هذه الأدوات التي يصنفها الناس باعتبارها خُردة، لكنها بالنسبة إليه تعني الطعام، فمن دون الحصول عليها لن يأكل أطفاله.

ثمّة صعوبات كثيرة تواجه أمير في العمل. يوضح، "أقطع يومياً نحو 15 كيلو متراً، لأصل إلى مخيمات المواطنين الذين تتوافر لديهم الخردة، وهناك قد أجد زبوناً يرغب في بيع ثلاجة، لكنني لا أقوى على رفعها وحدي". يستغرق الشاب نحو ثماني ساعات في البحث عن قطع خردة، وبعد تجميعها، يتجه إلى قطعة أرض صغيرة خصصها لعملية فرز ما اشتراه. وفيها تبدأ المرحلة الثانية من العمل، الذي عادة ما ينتهي بعد غروب الشمس.


كورونا في فلسطين يعيق تعلم ذوي الاحتياجات الخاصة

فور وصول أمير إلى متجره (هكذا يسمي قطعة الأرض التي خصصها لفرز الخردة)، يفك ساقه الاصطناعية، ويُلقي بها جانباً، ثم يستلقي على الأرض لبضع ثوانٍ، قبل أن يشرع في عملية الفرز. يشير الشاب إلى أنه يستحق عملاً أفضل من هذه المهنة، لكن المسؤولين الحكوميين لا يهتمون بفئة ذوي الإعاقة، بحسبه.

لا أمل في وظيفة مريحة

لمدة تزيد على أربع ساعات إضافية، ينشغل أمير بفرز الخردة التي جمعها من بيوت المواطنين، ويقسمها إلى ثلاثة أنواع: البلاستيك في جهة، والألومنيوم في أخرى، أما تلك التي تحتوي على معدن النحاس فيعمل على تفكيكها. وبواسطة المطرقة والمفك الكهربائي والمنشار الآلي، يبدأ أمير في استخراج النحاس من الأجهزة الكهربائية، فهذا المعدن بالتحديد يُعد لُبّ رزقه، إذ بعد تجميعه يبيعه بالكيلو غرام للتجار لإعادة استخدامه من جديد.

لا يُخفي أمير شكواه من أن مهنته شاقة للغاية، ويرغب في الحصول على عمل أقل مشقة يناسب حالته الصحية، الأمر الذي لا يتوفر حالياً بسبب تفشي البطالة بين صفوف العمال، إذ وصلت نسبتها إلى 75 في المئة، بحسب بيانات جهاز الإحصاء الفلسطيني.

لكن حلم أمير بالحصول على فرصة عمل جيدة غير ممكن، بخاصة في السلك الحكومي، إذ أقرت لجنة متابعة العمل الحكومي في غزة لائحة تفسيرية لقانون "توظيف ذوي الإعاقة"، تنص على "إمكانية رفض الشخص من ذوي الإعاقة إذا كانت قدراته غير مناسبة، ويمكن تصنيفه بمصطلح غير لائق، حتى لا يتعرض الموظف من ذوي الاحتياجات الخاصة لأي موقف يشعره بالعجز، أو عدم القدرة على أداء مهامه، أو أن يتعرض بأي شكل من الأشكال للسوء من متلقي الخدمة أو الزملاء".