جيشنا الأردني.. صاغَ نَصْرَ العُرْبِ في يوم الكرامة
*الإستخبارات الأردنية ترصد طائرات مستير التجسسية فوق الأغوار وتُفاجىء العدو
*قصة مكالمة عبر اللاسلكي بين الغبين والسوالقة أربكت الجيش الصهيوني..!
*خضر شكري بروحه الجعفرية: إرموا موقعي.. إني نلت الشهادة في سبيل الله
*قائد المدفعية "الحصان" دك الخطوط الخلفية للغزاة وأحرق دباباتهم بالنيران
*فارس الصباح "كاسب الجازي" كان إسماً يبعثُ فينا الطمأنينة وفي الأعداء الرعب
*"فيروز" تشدو: ويكتب الأردن بذهب الكرامة.. بالعز بالشهامة.. تاريخاً كبيراً
*العدو يعترف: قواتنا فقدت ما يعادل ثلاثة أضعاف ما فقدناه في حرب حزيران
*البطل أحمد علاء الدين الشيشاني يقتل (13) جنديا إسرائيليا في وادي شعيب
*الحنيان يدمر ثلاث دبابات معادية.. ويُقسم: يا فاضل فهيد.. والله لآخذ بثأرك..
جفرا نيوز/ محمود عطاالله كريشان
لعله صباح الزنود والجنود الذين رابطوا على خط النار الأول، لدحر عدو غاشم.. وقد تعاهدوا في مطلع فجر 21 آذار 1968 على الشهادة حتى تظل جذوع السنديان راسخة في أعالي السلط، وحتى لا ينشر الغزاة القتلة سوادهم على رمالنا، وأحقادهم على أبواب مدارس اطفالنا، وأوقدوا قناديل الغضب والنار في البواريد الأردنية، وثأرهم المخبوء من حزيران وقد أقسموا أن دم فراس العجلوني ومنصور كريشان وموفق السلطي وصالح شويعر ومحمود الحكوم عبيدات وعلي الشبول وكل شهداء الجيش الأبرار.. لن يذهب هدرا.. وكان الثأر العنيف في يوم الكرامة.. «جفرا نيوز» رصدت لقطات حاسمة من معركة الانتصار الأردني العظيم:
*الروح الجعفرية
«لن يهزم جيش رجاله يحبون الموت في سبيل الله والوطن أكثر من حبهم للحياة» وهذا ما جسده بروحه «الجعفرية» على ارض المعركة الملازم الاول رقم 4807 خضر شكري يعقوب درويش من كتيبة المدفعية السادسة الذي استشهد عند جسر أم الشرط وأستشهد برغبته، مسلما أمره لله محتسبا عنده، فلم يؤثر النجاة بالاستسلام فيترك معداته وأجهزة اللاسلكي وخرائطه وشيفرات التخاطب، ليستولي العدو عليها، فتغير سير المعركة وتقلب موازين النصر، فنادى غرفة عمليات المعركة على جهاز اللاسلكي عندما أحاط به العدو: أحاط العدو موقعي، إرموا موقعي.. دمروا موقعي، إني نلت الشهادة في سبيل الله.. وبالفعل استجابت له غرفة العمليات، ورمت المدفعية موقعه، وانهالت عليه قذائف مدفعية كتيبته، ونال الشهادة برفقة من كان معه من أفراد.. كان بطلا لم تلد مثله الأمهات.
*بطل من معان
معركة الكرامة دخلتها اسرائيل بأكثر من ثلاثة ألوية على ثلاث معابر وقد كان للدبابات الاردنية من طراز باتون وسنتوريون الفضل بالايقاع بالدبابات الغازية في سهل الكفرين والشونة والكرامة وكان لمدفعية الجيش العربي وقائدها بطل من مدينة معان وهو العميد الركن محمد صالح الصلاحات الملقب بـ"الحصان" الفضل في دك الخطوط الخلفية للغزاة في ميدان العبد وعبر مخاضات «أم الشرط» وسدرة وعند معابر الجسور، وتحسبا من ان يقوم جنود العدو بالفرار من دباباتهم تم ربطهم بالسلاسل المعدنية وقد شاهد ذلك كل سكان عمان في ساحة المدرج الروماني.
*فارس ذلك الصباح
اللواء الركن المرحوم كاسب صفوق الجازي أبرز قادة معركة الكرامة الخالدة.. كُنتَ فارس ذلك الصباح، وَوَرْدُ الشهادة يتفتّحُ في الوادي شقائق ورياحين، كُنتَ هناك اسماً يبعثُ فينا الطمأنينة وفي أعدائك الرعب.
*القصة الكبيرة
في ارشيف الإذاعة الأردنية أغنية نادرة للمطربة فيروز بعنوان «القصة الكبيرة» التي تألقت في الغناء لنصر الجيش الأردني في معركة الكرامة وتغزلت بالأردن وغنتها عام 1969وبعض مقاطعها تقول: ويكتب الأردن، بذهب الكرامة، بالعز بالشهامة، تاريخاً كبيراً، يكتبه الأردن وينشد الأردن، أغنية بهية، حسناء كالحرية، أغنية قدسية، ينشدها الأردن.
*إحتراف إستخباري
ويبرز هنا الاحتراف العسكري والمهنية الاستخباراتية المتميزة للواء خماش حيث يقول نجله ماهر خماش، انه وقبل يومين من بدء المعركة كانت طائرات مستير «فرنسية الصنع» تحوم فوق الاغوار الأردنية، فوصلت المعلومة على الفور من الإستخبارات الأردنية الى قائد الجيش «انذاك» خماش الذي ادرك بفطنته وسرعة بديهته، ان هذا النوع من الطائرات مخصصة للتجسس والتصوير وطلب على الفور ان تبقى المواقع العسكرية الأردنية على حالها، كما صورتها طائرات العدو وفي مساء يوم 20 آذار 1968 أي قبل بدء المعركة بساعات طلب من الدبابات ان تتحرك بهدوء وقام بتغيير أماكن جميع المواقع العسكرية الأردنية التي رصدها العدو وقام ايضا بتغيير مرامي ومواقع المدفعية فوق جبال السلط وهذا ما اربك العدو الذي تفاجأ في يوم المعركة ان ما رصدته طائراته من مواقع أردنية قد ذهب أدراج الرياح.
*للعدو ذاكرته
رئيس القوات الإسرائيلية الجنرال حاييم بارليف قال: ان قواتنا فقدت في معركة الكرامة ما يعادل ثلاثة اضعاف ما فقدناه في حرب حزيران، والمؤكد انه اعتاد على رؤية قواتنا العسكرية وهي تخرج منتصرة في كل معركة لكن هذه المعركة كانت فريدة من نوعها مثل كثرة القتلى والإصابات بين قواتنا والظواهر الأخرى التي اسفرت عنها المعركة مثل استيلاء القوات الأردنية على عدد من دباباتنا وآلياتنا.
*لأول مرة
قائد سلاح الجو الملكي الأردني الأسبق الفريق اول الطيار احسان شردم: لا بد من الإشارة هنا الى انه عندما اشتدت ضراوة المعركة طلب العدو ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وقف اطلاق النار.. رفض جلالة المغفور له الملك الحسين وقف اطلاق النار رغم الضغوط الدولية ما دام هناك جندي إسرائيلي على الأرض الأردنية.
*أبطال الجيش
كان قائد لواء حطين العقيد الركن بهجت المحيسن، وقائد كتيبة عبد الله بن رواحة 37 المقدم فهد مقبول الغبين مسؤولية مباشرة عن محور ناعور سويمة جسر الأمير عبد الله بن الحسين، وقائد كتيبة جعفر 39 الرائد الركن نايف خالد المعايطة، وقائد كتيبة صلاح الدين 48 الرائد احمد اسعد غانم، والركن العسكري باللواء الرائد الركن عارف مجري العتيبي، وقائد كتيبة المدفعية الخامسة المقدم الركن فتحي حامد في إسناد اللواء، وقائد سرية الدبابات النقيب فاضل علي فهيد في إسناد اللواء، وقائد اللواء المدرع 60 العقيد الركن الشريف زيد بن شاكر الذي كان في نجدة الوحدات المقاتلة بالساعات الأولى أثناء المعركة، وقائد لواء الحسين العقيد لافي حريثان الجبور مسؤولية قاطع العقبة.
*مكالمة هوائية
قائد كتيبة عبدالله بن رواحة 37 في معركة الكرامة المقدم المرحوم العميد المتقاعد فهد مقبول الغبين قال في مذكراته: في الساعة الثالثة والربع عصر يوم المعركة اتصل معي عبر الواسطة الهوائية قائد قوة الحجاب النقيب محمد سليمان السوالقة المرابط على جسر الامير عبدالله واخبرني ان العدو يقوم بقصف مدفعي وجوي على مواقعنا الوهمية.. لكنه بحقيقة الامر كان القصف ضد مواقعنا الحقيقية الامامية والخلفية، وبعد 12 دقيقة من هذه المكالمة الهوائية بيني وبين السوالقة، قام العدو بتحويل قصفه المدفعي والجوي تجاه مواقعنا «الوهمية»، حيث كنا على يقين ان العدو يرصد مكالمتنا، حيث تمكنا من رفع القصف عن مواقعنا الحقيقية مما جعلنا نتمكن من الحركة.
*والله لآخذ بثأرك
الفريق أول المتقاعد فاضل علي فهيد احد فرسان معركة النصر الاردني المظفر، والذي نال شرف الإصابة في تلك المعركة قال: أعتقد أن القوات الإسرائيلية نتيجة الغرور في النصر ونشوته التي أعمت أبصارهم في الـ1967 اعتقدوا بأن هذا الجيش بما كان يملك في الـ1967 هزم، واعتقدوا بأن عملية الاحتلال ستكون سهلة ومحتملة وفي وقت قصير، لكن الإصرار والعزيمة غيرت معايير وموازين القوة.. وأريد أن أعطي بعض الأمثلة، حيث كان هناك أفراد من الناس الذين لهم فضل علي منهم الأخ محمد حنيان، فهو الذي جاء وأنقذني عندما أخلاني الرائد آنذاك واللواء فيما بعد جميل الشمايلة، أخلاني من مكان إلى مكان، فأنا كنت بين نارين وأصبحت بين ثلاث نيران، حيث انني مسجى تحت شجرة على الأرض، وأمعائي خارج جسمي، ورجلي من الفخذ مكسورة حيث اخترقتها قذيفة وكان الرائد جميل الشمايله آمر مدافع الـ106 في مدرسة المشاة، وهي مدافع للتدريب، وكان الجيش حشد كل شيء كما ذكرت لذلك وتم انزال هذه المدافع وشاركت في المعركة، لكن لم يكن لديهم وسائط إسعاف، فبدأ جميل الشمايله ونقلني من مكان إلى مكان، وبدأ يحاول الاتصال، فكان الاتصال بالاخ محمد الحنيان الذي جاء وعندما وقف عند رأسي كنت ولله الحمد مستيقظا، فوقف فوق رأسي وقال: «فاضل.. والله لآخذ بثأرك».. وفعلا بعد قليل خرجت طلقة وإذا بنفس الشخص يقول «والله حريق الوالدين دمرها».. ودمر محمد حنيان ثلاث دبابات.
*البطل علاء الدين
اللواء الركن المظلي البطل احمد علاء الدين «الشيشاني» شارك في معركة الكرامة التي خاضتها قواتنا المسلحة الأردنية الباسلة وقد كان يشغل منصب قائد سرية مشاة في منطقة وادي شعيب، وقد تمكن من قتل (13) جنديا اسرائيليا.
*مجمل العشق:
إذا.. هم شهداء الأردن، فلهم ولمن سبقهم ومن تلاهم من الشهداء، يليق الكبرياء، على ما منحوا أرواحهم من أجله، وكما قال شاعر الدولة والوطن حيدر محمود في قصيدة "هذا هو الأردن":
هذي النُّجودُ مِنَ الزنود رمالُها والأوفياءُ الطّيبّونَ: رِجالُها العادياتُ: خيولُها، لم تَفْترِقْ عَنْ ساحِها.. والصّابراتُ: جِمالُها! صَحْراءُ.. إلاّ أَنّ سَعْفَ نَخيلهِا قُضُبٌ.. يَعزُّ على الدّخيلِ مَنالُها وفقيرةٌ.. لكنّ يابِسَ شيحهِا لا الأرضُ تَعْدِلُهُ، ولا أموالُها!..
ولأرواح شهداء الكرامة سلام، ولقواتنا المسلحة الباسلة في عطر الذكرى وعد ورايات عالية الطيب والنبل والبهي من زهر الكلام، وسحائب الخير في الغمام.
kreshan35@yahoo.com