الغرب الأعور
جفرا نيوز- كتب عمر المحارمة
مع سقوط الصواريخ والقذائف الروسية على مدن وبلدات أوكرانيا، لم يسقط الجرحى والقتلى فقط، ولم تتهدم البنايات والجسور فحسب، بل هوت مع كل ذلك قيم الغرب وديمقراطيته الوهمية، وتبدى العور جليا في حضارة ظلت لعقود خلت أنموذجا يسعى إلى محاكاته كل العالم.
التعاطف مع أوكرانيا والهبة لنجدتها ومساعدتها والاستنفار الدبلوماسي والقانوني والاقتصادي للتصدي للحرب عليها، وضعنا أمام سؤال كبير، أين كان هذا الغرب...؟
لن نعقد مقارنات بين تعامل هذا الغرب مع ما يحدث في أوكرانيا حاليا، مع ما تعيشه فلسطين منذ سبعٍ وأربعين عاما، فلعل مصالحه في قلب العالم العربي، وسعيه للتخلص من مشكلة اليهود، و"ثاراته" في حطين واليرموك والحروب الصليبية دفعته لهذا الموقف، ولن نستحضر الحرب الأمريكية على العراق واحتلال أراضيه لخمسة عشر عاما، تركته منهكا محطما يسيل دجلته أدمعا على ما يقرب مليون قتيل وملايين المشردين من أبنائه، فلعل الغرب صدق كذبة العم سام يوم تحدث عن أسلحة دمار شامل صنعها صدام حسين.
بل سنستحضر نماذجً قريبةً من أوكرانيا، أحد أطرافها هو ذات العدو اللدود للغرب اليوم "روسيا بوتين" الذي قاتل عدوا أشقر الشعر بعيون خضراء وزرقاء، كان يبحث عن حريته وحقه في تقرير مصيره، لكن الغرب الأعور لم يتحرك لنجدته كما يفعل اليوم في أوكرانيا وإن تحدث في الأمر فقد تحدث على استحياء.
الشيشان وجورجيا – وجورجيا أسوقها هنا لغايات التنوع المذهبي، حتى لا يقال أننا كمسلمين نهوى لعب دور الضحية- دولتان كانتا قبل الثورة الشيوعية مستقلتان يعيش فيهما شعبان مختلفان عن روسيا في العرق والدم واللغة والمذهب، فسعتا كغيرهما من جمهوريات الإتحاد السوفيتي للاستقلال وإنشاء دولتهما، فكانت لهما روسيا بالمرصاد في حروب دامية هي: حرب الشيشان الأولى عام 1994 والثانية عام 1999 وحرب أوسيتا وأبخازيا عام 2008.
ازدواجية الغرب كشفت عنصريته البغيضة، وفضحت كذبته الكبرى بتسويق نفسه عالماً حرا متحضرا، ولم تستطع نُخبه وإعـلامه، إخفاء كل ذلك أو تزيينه، وهو يرى التناقض المهول في التعاطي مع حرب أوكرانيا لدول شاهدت مواثيق الأمم المتحدة تداس في الشيشان وجورجيا ومثلهم وبصورة أكبر في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا واليمن، دون أن تفعل ما فعلته اليوم في تعاطيها مع حرب أوكرانيا.
فجأة صار تجنيد المقاتلين من كل دول العالم للقتال في أوكرانيا مقاومة شرعية وليست إرهابا، وفجأة باتت الرياضة أداة للسياسة، ولم يعد الامتناع عن اللعب ضد العدو "فكرا متطرفا"، وتغير منطق الاقتصاد وأصبح منع السلع عن دولة معينة أو منها مشروعا، ولم يعد وقف تصدير النفط مدعاة لشن الحروب وبسط النفوذ لتأمين موارد الطاقة للعالم.
وخلال أربعة أيام انعقدت محكمة الجنايات الدولية لبحث جرائم الغزو الروسي في أوكرانيا، في حين تقبع شكاوى فلسطين والعراق الموثقة ضد جرائم أمريكا وإسرائيل في أدراج المحكمة منذ عشرات السنين.
ومثلما سقطت مدن وبلدات أوكرانيا أم الزحف الروسي، سقطت كل شعارات السلم والأمن ومحاربة الإرهاب التي رفعها الغرب الأمريكي الأوروبي في وجهنا لسنوات طويلة، فقد أثبت أنّ تدخلاته المتلاحقة في جغرافيا العرب والمسلمين كانت حربا حضارية ومعركة مصالح، في إطار مشروع الهيمنة الممتد منذ عهد الاستعمار.
كعرب نحن نكتشف من جديد أن القانون الدولي لا زال موجوداً، وأن اللاجئين مرحب بهم طالما أنهم يفرون من القتل والقمع، وأن مقاومة المحتل بطولة، وأن المقاطعة والعقوبات الاقتصادية قد تكون وسيلة ناجعة للانتصار لكرامتنا وللانتهاكات بحق أخواننا وليست عداءا للسامية أو أسلوب بالٍ عفا عليه الزمن.