لنعلنها حربا على الجشع والاحتكار
جفرا نيوز- كتب: زياد البطاينه
فى أوقات الشدائد والأزمات تظهر معادن الرجال، وكما يقولون المواقف كاشفة لأصحابها، فلا شك أن موجة التضخم العالمية، والتى أنتجت موجة من الغلاء وارتفاع الأسعار كشفت أمراض مجتمعية لبعض من لا يهمهم إلا جيوبهم وبطونهم حتى ولو كان ذاك على حساب المحتاجين والفقراء.
فما نراه الآن فى ظل أزمة الأسعار التي تشهدها اسواقنا في المدن والقرى والارياف حتى في المؤسسات التي انشئت لخدمه الغلابى وقد افرغنها التجار ... يؤكد أننا أمام تآكل للقيم والأخلاق عند البعض في وقت يجب أن يقف الجميع صفا واحدا لمواجهة هذا الخطر العالمى والأزمة العالمية، ليتحقق التضامن المجتمعى والتكافل والمسئولية، لكن الملفت ما يقوم به البعض من ممارسات وأفعال وتصرفات تقضى على روح العائلة ومظاهر الود والرحمة فيما بيننا، لتضعنا تلك الممارسات والتصرفات السيئة جميعا أمام سؤال، أين نحن من زمان كانت الضحكة من القلب، والبركة فى اللمة، والخير على قدوم الواردين، والجيرة ونس.
أين نحن من زمن كنا نحرص أن تكون الخواطر مجبورة، والبيوت مفتوحة على بعضها، والفرح فرحنا، والسهر صباحى، واللقمة الهنية تكفى مية، والعيون شبعانة، والجيوب عمرانة، والأرزاق على الله، والرزق القليل بيكفى ويفيض، والرضا بما هو مقدر.
أين نحن من الأصول والصدق والعهد من أحوالنا الآن، واتسائل مثل غيري مَن الذى علمنا الجشع؟ ولماذا حالنا هكذا مع كل أزمة تظهر وتطفو على السطح، والعجيب والغريب أن الاستغلال والاحتكار كلمات باتت تتردد في شتى مجالات حياتنا، فلم تتوقف عند البيع والشراء، إنما امتدت إلى جوانب إنسانية ومهن سامية كالطب والتعليم، فنصبح أمام تاجر جشع ومعلم مخادع وطبيب فعله فعل التجار، لتنتشر آفات مجتمعية ما أنزل الله بها من سلطان، لدرجة وصلت إلى أن هناك من يقنن الغش، ويعتبر التجارة شطارة، وأصبح لا فرق بين الكسب والسلب، وأصبحت الفهلوة أسلوب حياة.
ولا ادري إلى متى سيبقى الغش الطريق الأسهل والمضمون للوصول للنجاح والترقى، وإلى متى يبقى الاستغلال وسيلة للثراء السريع.
متى تنتهى هذه الآفات من حياتنا، وكيف!.. وأعتقد أنه من الصعب إيجاد إجابات شافية لهذه التساؤلات الآن في ظل تغلغل العدوى وانتشارها، لكن ما نستطيع قوله، هو ذكر قول نبينا الكريم: "لا يحتكر إلا خاطئ"، وقوله: "من احتكر حكرة يريد أن يغلي بها على المسلمين فهو خاطئ، وقد برئت منه ذمة الله"، وقوله أيضا، "من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله تعالى وبرئ الله منه"
فكيف ونحن على اعتاب شهر الفضيله والخير والبركه والتسامح والتوبه والغفران اشهر رمضان الكريم.
مع لجوء بعض التجار للاحتكار ورفع الأسعار، ومحاولات مواجهة هذه الاساليب والاليات من قبل حكومتنا ومؤسساتها ودوائرها
للمساهمة فى رفع العبء عن كاهل المواطنين، وذلك بالتنسيق مع كبرى الشركات والموردين وأصحاب السلاسل التجارية الكبرى لتوفير السلع المختلفة بأسعار مخفضة عن مثيلاتها بالأسواق، الأمر الذى يضمن توافرها بشكل دائم وبالكميات التى تلبى كافة احتياجات المواطنين، وتكفل الحصول عليها دون حدوث تكدسات، بما يكفل سلامة المواطنين فى ضوء الإجراءات المتبعة للوقاية من انتشار فيروس "كورونا" والحد من تداعياته.
ولتوفير مزيدًا من السلع، وتفويت الفرصة على بعض التجار الجشعين الذين يحتكرون السلع،
بما يعد ترجمة واقعية لإهتمام جكومتنا بتلبية الإحتياجات المجتمعية للمواطن من خلال توفير السلع والمستلزمات الأساسية ، والإستجابة لمتطلباتهم بما يحقق توطيد العلاقات الإيجابية مع المواطنين ويسهم فى تحقيق مفهوم جودة العمل الأمنى.
فقضية ارتفاع الأسعار مازالت الشغل الشاغل للاردنيين خلال هذه الأيام، الكل يتحدث عن موجة الغلاء التي طالت أغلب السلع والخدمات، في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم عالمياً، نتيجة ارتباك سلاسل الإمداد، كنتيجة لجائحة كورونا العالمية وإنهاكها للاقتصاد العالمي خلال 3 سنوات متواصلة، وعلى الرغم من أن قضية ارتفاع الأسعار محلياً وعالمياً لها مبرراتها وأسبابها، إلا أن بعضها مبالغ فيه، وشهد زيادات غير منطقية.
الحكومة وعلى لسان دوله الرئيس لم ترفع سعر أي سلعة أو خدمة خلال الأشهر الماضية، بينما بعض التجار رفعوا أسعار أغلب المنتجات، خاصة الغذائية، مع العلم أنها كانت مخزنة وتم شراؤها بالأسعار القديمة، إلا أن أغلبهم ينظر للموضوع بمنطق مختلف، فيبيع بالأسعار الجديدة، لتصبح مكاسبه مضاعفة، بل واتجه بعضهم إلى تخزين السلع والمنتجات في انتظار المزيد من الارتفاعات خلال الفترة المقبلة، وهذا يمثل خطورة بالغة على الأسواق، ويفسد فلسفة قانون العرض والطلب من خلال سلسلة احتكارات جشعة، هدفها مكاسب غير محدودة لبعض التجار.
مع كل تحرك وزيادة في أسعار السلع الأساسية مثل الأغذية واللحوم ومنتجات الألبان والزيوت بأنواعها والحبوب ومنتجات الألبان والسكر، تبدأ معدلات التضخم في الارتفاع بصورة غير مسبوقة، خاصة أن الأخيرة يتم قياسها بناء على هذه السلع، التي يستخدمها المواطن بصورة يومية، وبالطبع لهذا سلبياته العديدة، أولها أن العملة تفقد قيمتها بمرور الوقت، ويخسر الأفراد جزء غير محدود من مدخراتهم، إلى جانب اندفاع الناس إلى شراء ممتلكات عينية مثل العقارات، والذهب للاحتفاظ بها وهذا بالطبع يؤثر على مؤشرات الاستثمار وحركة التجارة ومعدلات النمو وفرص العمل، كما أن ارتفاع التضخم بمعدلات كبيرة، يحتاج إلى زيادة الأجور والمرتبات، فيصبح ما تجنيه الشركات والمؤسسات من أرباح ومكاسب باليمين تنفقه مرة أخرى باليسار في صورة رواتب وحوافز ودعم.
السوق في مصر متسعة جداً وغير منظمة إلى حد كبير، بالإضافة إلى الاقتصاد غير الرسمي، والتجارة الخفية، التي تعتبر خارج رقابة الدولة، لذلك يجب أن تكون هناك حملات رقابية شرسة خلال الأيام المقبلة لضبط الأسواق، وضرب من يحتكرون السلع، وإحالتهم إلى المحاكمة العاجلة، ومصادرة بضائعهم ليكونوا عبرة لغيرهم، حتى نتخلص من فكرة التسعير العشوائي الناتج عن هذه الاحتكارات، وعلى أجهزة وزارة التموين والداخلية وكل الجهات المعنية أن تتحرك بصورة أكثر كثافة من أجل إعادة ضبط الأسواق وإعادة الأمور إلى نصابها.
يجب أن تكون هناك تحركات جادة خلال الأيام المقبلة لمواجهة الاحتكار ومحاولات البعض التلاعب لخلق ندرة ونقص في بعض السلع والمنتجات، بالتزامن مع زيادة عمليات الشراء الموسعة قبل شهر رمضان، وارتفاع استهلاك المصريين، لذلك يجب المواجهة قبل أن يتضخم سرطان الغلاء، الذي يؤثر بصورة مباشرة على حياة الناس، ويدفع الحكومة إلى المزيد من الإنفاق على برامج الحماية الاجتماعية والدعم.
يبحث البعض عن الثراء السريع بشتى الطرق، حتى لو كان ذلك بوسائل غير مشروعة تتسبب في ضرر للآخرين، فهم لا يبالون بذلك، فالمهم بالنسبة لهم تحقيق المال.
"المحتكرون"، أسوء ما نواجه خلال هذه الأيام، ممن يحتكرون السلع الغذائية، ويخزنوها بهدف تعطيش السوق وممارسة أساليب احتكارية، لرفع سعرها، ثم إعادة طرحها مرة أخرى بأسعار مختلفة.
ويتاجر هؤلاء الأشخاص من عديمي الضمائر في "قوت الغلابة" ويستغلون حاجة البعض للسلع، فيمنعوها عن الأسواق لرفع أسعارها، دون رحمة أو شفقة، بحثًا عن المال.
أحلام هؤلاء المحتكرون في تكوين ثروات غير مشروعة، تتبخر وتصطدم بيقظة الأجهزة الرقابية، التي توجه حملات يومية تستهدف المحتكرين، وتضبط أطنانا من السلع الغذائية احتكرها هؤلاء الأشخاص.
ويعتقد هؤلاء الخارجين عن القانون أنهم في مأمن، لكن هيهات لهم، فتتبدد أحلامهم ويجدون أنفسهم خلف الأسوار، جراء ما اقترف أيديهم، حيث تنص المادة 8 من قانون حماية المستهلك بحظر حبس المنتجات الاستراتيجية المعدة للبيع عن التداول بإخفائها أو عدم طرحها للبيع أو الامتناع عن بيعها أو بأي صور أخرى، ويعاقب المخالف بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تتجاوز مليوني جنيه أو ما يعادل قيمة البضاعة موضوع الجريمة أيهما أكبر، وفى حالة العودة للمخالفة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن عامين ولا تتجاوز 5 سنوات، وتضاف قيمة الغرامة إلى 4 ملايين جنيه، وفى جميع الأحوال تقضى المحكمة الاقتصادية بالمصادرة.
ورغم الجهود الكبيرة المبذولة من الجهات المعنية، بملاحقة المحتكرين وتوفير السلع في المعارض والشوادر بأسعار مناسبة على مدار الـ24 ساعة، إلا أنه يتبقى دورًا هاما على المواطن نفسه، بعدما اللجوء لتخزين السلع، وتجميع كميات ضخمة منها في منزله، لا سيما أن السلع متوفرة على مدار الـ24 ساعة، وتخزينها من قبل المواطنين بهذه الصورة يساهم بشكل كبير في رفع سعرها وتعطيش السوق، ومن ثم ينبغي تعديل هذه السلوكيات الخاطئة، والتعامل باعتدال، حتى لا نضر بأنفسنا وغيرنا