البطاينة يكتب : الشباب والأحزاب
جفرا نيوز - كتب - نضال البطاينة
عشرون اجتماعا ولقاءً مع مجموعات كبيرة من الشباب خلال الفترة الماضية في المدن والقرى والبوادي والمخيمات للحديث عن فكرة، ومحاولة جعل هذه الفكرة عنوانًا رئيسيًا للبناء عليه ورسم مستقبل أجمل وأكثر وضوحًا.. ولكن...!
في معظم هذه الاجتماعات وجدنا حالة من التردد والإحباط الذي يعانيه معظم الشباب الذين التقيناهم، وحتى غير المحبطين لديهم مخاوفهم التي تراكمت عبر التجارب، و التي حاول كثيرون منهم أن يخوضوها، ولكنهم اصطدموا بواقع معاكس تمامًا لتفكيرهم، وخصوصًا في قضية الإنضمام للأحزاب،.. فما بين متخوف من الانضمام ،ومابين متشائم من قدرة أي حزب على إحداث التغيير المنشود، وما بين لا مبالي بالفكرة من اصلها ،وما بين محبط وما بين من يشعر بمؤامرة أنه سيتم امتطاؤه من النخب ولا نلومه فتاريخنا القريب خير شاهد على ان احزابنا لم تكن تسمى بإسمها الرسمي وانما باسم فرعونها الذي نسي الشباب والتواصل معهم بعدما اصبحوا ارقاما في سجلاته وجلس هو على كرسيه.
هذا الماضي جعلنا نتحدث نقنع معظم الوقت خلال اجتماعاتنا عن فكرة ومبدأ التحزب اصلا ثم نتحدث دقائق معدودة عن مشروعنا.
..وددت صدقًا كتابة مقالتي هذه بعد حصيلة أكثر من عشرين اجتماعًا مع مجموعات شبابية في المحافظات والبوادي والمخيمات؛ قمنا بها أنا وزملائي وزميلاتي، الذين اشتركنا بفكرة مشروع لحزب برامجيّ شبابيّ لم يؤسس بعد، ولم يطلق عليه اسم حتى يدار بالعقل الجمعي واللجان الشبابية وليس بالشخوص والنخب ، لم نسمي المشروع حتى لكي يشعر كل منضم جديد انه شريك منذ البداية ولم يأتي على "طبخة جاهزة"، ففي جولاتنا كنّا نسعى لضم شركاء للمشروع وليس تابعين ومؤازرين ؛فنحن لسنا من جامعي الهويات ولا نستهدف من يقبل جمع هويته،... نسعى للنوع وليس للكم، نعم!! النوع القادر على تغيير الواقع ولا نسعى لتجميع اصحاب الياقات البيضاء.
فأنا وزملائي لسنا ببعيدين عمَّا يعانيه الشباب، بحكم السن واللون ووحدة الماضي والحاضر والمصير ، فما وجدناه في الكرك وجدناه ذاته في البادية الشمالية ،وكذلك في البقعة، ليس هناك بيتا يخلو من عاطل عن العمل أو عاطلين وجميعنا يعلم ذلك، وهذا حله لن يتأتى إلّا بوضع البرامج الواقعية والقابلة للتطبيق في شتى مجالات الحياة،.. للوصول إلى الاعتماد على الذات ،وتطبيق هذا كله من قبل شباب وطني واعي ،فالأردنيات لا زلن ينجبن هؤلاء الشباب.
وعليه، كنّا ندعو الشباب وبكلّ إرادة وتصميم لاستشراف المستقبل ورسم الأردن الذي نريد، ونحن نطرق أبواب المئوية الثانية من عمر الدولة ، كنا ندعوهم لنقوم معا بإكمال مسيرة أجدادنا وآبائنا، ولكننا نعي جميعا أننا لا نملك ترف الوقت، لذا فعلينا جميعا الإسراع بوتيرة التقدم ونهضة الأردن.
لماذا الخوف ؟ ها هو سيدنا قد علَّق جرس تحديث المنظومة السياسية وهذا ليس بجديد، فقد وجه سيدنا بذلك أكثر من مرة وبأكثر من ورقة نقاشية لرسم خارطة الطريق ولكن الإشارات لم نلتقط وقتها كما اعتقد ، ولكن المختلف هذه المرة هو الحزم والاصرار وعدم السماح بالمماطلة والتسويف وكذلك تحديد الإطار الزمني الذي لن يتم السماح بتجاوزه لأنني مرة أخرى اقولها :-"أننا لم نعد نملك ترف الوقت وعلينا الاعتماد على الذات اكثر من أي وقت مضى"، لذا كان سيدنا الضامن بخطاب تكليفه للجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وكان متابعًا حثيثًا لأعمال اللجنة التي أفرزت مخرجاتها ضمن الإطار الزمني الذي حدده سيدنا، وها هي القوانين الناظمة للعمل السياسي والمحدثة له في مراحلها الأخيرة لدى السلطة التشريعية.
وقد جاءت القوانين لتجرم مقاومة العمل الحزبي والتعرض له لدعم الشباب وإزالة حالة الخوف التاريخية من التحزب والمقاومة له، ومن هنا ندعو جميع المؤسسات وعلى رأسها الجامعات لتعديل انظمتها الداخلية لتنسجم مع القوانين الإصلاحية القادمة؛ لأن الوقت كالسيف.
"لماذا تحديث المنظومة السياسية ؟"
:-لأنَّ الإصلاح السياسي هو أبو الإصلاحات ، فلا إصلاح اقتصادي أو اجتماعي أو إداري بدون إصلاح سياسي؛ فالإصلاح السياسي هو الذي سيفرز أحزاب (برامجية) قادرة على تغيير واقعنا الإقتصادي والإجتماعي والإداري، ومن هنا ندعو إخواننا وأخواتنا من الشباب للانخراط بالعمل الحزبي بقوة وفعالية ، ..ندعوهم ليكونوا مؤسسين وشركاء بهذه الأحزاب وليس تابعين، إنَّ ما نريده من هذه الاحزاب ليس شعارات وليس تعريف للمعرف، ما نريده هو برامج واقعية قابلة للتطبيق الشباب( شركاء في وضعها وليس متلقين لها)، فالشباب المستقبل والمستقبل هم.
ندعو الشباب المحبط أن لا يستسلم لليأس وقوى الشد العكسي ، الشباب هم وزراء ونواب ورؤساء بلديات الغد وقادته ،ولكن يجب أن يكونوا مسلحين بالبرامج القابلة للتطبيق في كل المجالات من تعليم وصحة وزراعة ونقل وطاقة وعمل وتدريب مهني وغير ذلك من المجالات، وهذا لن يتأتى إلاَّ من العمل الجمعي بين الأكاديميين والخبراء وموظفي الدولة والقطاع الخاص وجلوسهم على ذات الطاولة للتشخيص ووضع الوصفات العلاجية ومؤشرات قياس الأداء لأنَّ ما لا يتم قياسه لا يمكن إدارته .
نعم ليقود الشباب عملية التحول التي سنشهدها نحو الأردن الذي نحلم به لنصل إليه في بدايات المئوية الثانية حسب رؤى سيدنا وتطلعات الشباب وطموحاتهم.
ها هي التجارب العالمية من حولنا شاهدة على تحول الدول من خلال العمل الجمعي والتعدديّ والديموقراطي مع إرادة الشباب ؛ ونحن "قدها" بعون الله بعقولكم وسواعدكم التي هي رأس المال لأردننا الحبيب.، وهنا أذكر أخواني الشباب بأنّ أحد الدول الرائدة في الديموقراطية الآن كان ممنوع بها ركوب الباص والاختلاط على أساس لون البشرة وكانت كلّ التيارات السياسية داعمة لذلك الفصل العنصري .
أيوجد أكثر من ذلك إحباط ؟ ونحن بحمد الله وكرامة شعبنا ووحدة نسيجه وحكمة قيادتنا لم نصل لأي إحباط أو ظلم قريب من ذلك حتى، وها هي الحزبية الحقَّة والديموقراطية والعمل الجمعيّ والإرادة قد أوصلت أحد الأشخاص أصحاب "اللون المختلف" الذي كان يعاني من الإحباط والعنصرية... لرئاسة تلك الدولة.
ما هو البديل عن التحزب والتنظيم والانخراط في المرحلة القادمة ؟ البديل هو مزيد من التراجع في منظومتنا الصحية والتعليمية والادارة العامة وغيرها، ومزيد من الانخفاض في مؤشراتنا الاقتصادية ومزيد من الارتفاع في معدلات البطالة وهذا ما لا نرضى به جميعا، البديل هو ترك الفراغ القاتل والذي سيملؤه من سئمنا منهم.
نحن قادرون وأثبت الأردن والأردنيون أنهم كذلك على مر التاريخ، فمن يراهن على الأردن واستقراره لا يعرف الأردن ولا الأردنيين ولم يقرأ تاريخهم .
هذه هي مرحلة الشباب ، فالفرصة سانحة وليستثمروها بكل عزم وإرادة وايجابية بعيدًا عن الماضي وتراكماته ومخاوفه.
أستذكر اجتماعًا لسيدنا مع إعلاميين منذ قرابة الأسبوعين وقد قال :' "مستمرون في الإصلاح"، وأنا شخصيا فسَّرت هذه الكلمة على طريقتي التالية :- توجد قوى داخلية وخارجية تقصف الإصلاح الأردني بشكل منظم ، فالقوى الداخلية تعتبر أن الاصلاح يهدد وضعها القائم ، ولكننا "مستمرون في الاصلاح" ، والقوى الخارجية لا تريد اردن ديمواقراطي لان ذلك اما سيحرجها امام شعوبها او امام الدول الكبرى ولذلك "مستمرون في الاصلاح".
الخيار لنا والفرصة سانحة لنقتنصها إخواني الشباب لنقوم بالاصلاح بقيادتكم في ظل الراية الهاشمية.
حمى الله الاردن شامخًا عزيزًا قويًا بسواعد شبابه وفي ظل حادي الركب جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين