مبادرات شبابية لتوثيق الحياة البرية في فلسطين
جفرا نيوز - "القصة بدأت عندما كنت أنظف الأطباق أمام نافذة المطبخ، ولفت انتباهي عصفور صغير، يتحرك بطريقة جذابة، فما كان مني إلا أن التقطت له صورة لإشباع فضولي عن نوع هذا الطائر، وماذا يفعل؟ ومن أين جاء؟"، تقول مصورة الحياة البرية حنان سعادة عن أول توثيق قامت به لصائد الذباب المرقط في فصل الخريف، متابعة أن شغفها دفعها لشراء عدسة كاميرا ذات مدى أوسع، لتتيح لها التقاط صور بدقة أكبر للطيور خلال جولاتها التوثيقية للجبال مع عائلتها وبعض الأصدقاء، ومنذ ذلك الحين أصبح اسمها حنان مصورة الطيور.
ترتبط مهنة تصوير الحياة البرية، وخاصة الطيور والحيوانات، بالذكور، فنادراً ما نرى فتاة أو سيدة تحمل كاميرا بعدسة كبيرة وثقيلة، وتخرج مع مجموعات لرصد الطيور ومعرفة أنواعها، ومن تجربتها تروي سعادة أن مشاكل واجهتها في بداية الأمر، خاصة أنها سيدة، ولكنها استطاعت إثبات نفسها في هذا المجال خلال سنة واحدة فقط.
الحياة البرية في فلسطين
أما المصور والمرشد السياحي البيئي محمد الشعيبي، فمنذ ست سنوات يجد في ساعات الفجر وأيام العطلات فرصة لتصوير الحياة البرية من طيور وثعالب وغزلان والوبر الصخري والنباتات، وغيرها، ومراقبة الطيور المهاجرة التي تقف مستريحة في فلسطين.
وفي بعض المواسم يرتدي الشعيبي ملابس تمويهية تجعله متحداً مع ألوان الطبيعة حوله، حتى يستطيع الاقتراب من الطيور والحيوانات قدر الإمكان، مستعيناً بقدرته على الصبر لالتقاط الصورة صاحبة التعبير الأقوى كالبحث عن الطعام، أو لحظة عائلية، أو التزاوج، وغيرها، ومن ثم مشاركتها مع أصدقائه على مواقع التواصل الاجتماعي أو مع هواة الطيور، مرفقاً معها قصة الصورة أو نادرة حدثت معه، من دون أن يقول لهم مكانها كإجراء احترازي لحمايتها من الصيادين.
موقع محميات فلسطين
وتعمل جهات عدة على توثيق الحياة البرية ونشر التقارير عنها، سواء عبر صفحات التواصل الاجتماعي أو من خلال أنشطة ميدانية، ومنها موقع "محميات فلسطين". ويقول خبير الطيور ومشرف على أحد المشاريع سائد الشوملي، إنهم عملوا على توثيق 250 طائراً و240 نوع نبات، إضافة إلى الدراسات والمسوحات الميدانية والخرائط التي يوفرونها لمستخدمي موقعهم الإلكتروني لتعزيز السياحة البيئية في فلسطين.
طائر البوم يختفي بسبب ارتباطه بالشؤم
ويتابع الشوملي أن الهدف الرئيس كان التوعية بالتنوع الحيوي في فلسطين، ولاحقاً تطور لمشاريع حماية لأنواع عدة من الطيور كالسمامة والبوم، فالأول مهاجر يأتي كل شتاء من جنوب أفريقيا ويستوطن في جدران كنيسة المهد في بيت لحم، ما يجذب السياح لمشاهدته وتصويره، ولكن بعد ترميمها لم يعد للطيور مكان، فعمل النشطاء على تحضير 72 عشاً لها في منطقة قريبة وفتح المجال أمام السياح لزيارتها.
أما البوم، وبسبب ارتباطها بالشؤم لدى البعض، فبدأت أعدادها تتناقص في مناطق الأغوار، وهو ما دفع فريق المحميات لتنظيم ورش توعوية شملت 500 طالب مدرسي عن أهمية طائر البوم للتنوع الحيوي، ومحاولة دحض الصور النمطية المتداولة في الموروث الشعبي.
تحديات سياسية واجتماعية أمام التوثيق
تواجه عملية توثيق الحياة البرية صعوبات وتحديات كثيرة، وقد تكون سياسية أو اجتماعية، إذ يرى الشعيبي أن السلطات الإسرائيلية تقيد حركة المصورين في كثير من المناطق، وقد يتعرضون للحجز لساعات طويلة، فأغلب المحميات الفلسطينية تقع ضمن تصنيف "ج" الذي يشكل أكثر من 60 في المئة من مساحة الضفة الغربية، وهي المناطق التي تكثر فيها الحيوانات، وتسيطر عليها السلطات الإسرائيلية ضمن تصنيفات متعددة كالمحميات أو المناطق العسكرية، وهو ما يعوق وصول الفلسطينيين لها.
أما حنان فتوضح أن المصورين قد يتعرضون لمصادرة كاميرات التصوير وفحص الصور ومقاطع الفيديو على هواتفهم وكاميراتهم، وبالنسبة للشوملي فإن السلطات الإسرائيلية تتحكم بنوعية المعدات الخاصة بالمصورين، وتمنع التصوير ومراقبة الطيور في كثير من المناطق لدواعٍ أمنية، إضافة إلى أن إقامة جدار الفصل والمستوطنات الإسرائيلية يؤثر في وجود الثدييات وتنقلها قرب المحميات الطبيعية، ما يؤثر بالتبعية في موسوعة التنوع الحيوي الفلسطيني، التي يتنافس فيها الفلسطينيون والإسرائيليون على توثيق الطيور والحيوانات والنباتات وتسجيلها باسم بلدهم دولياً.
الصيد والرعي الجائر أكبر تهديد
أما على الصعيد المجتمعي، فالصيد يعد من أكبر المشاكل التي تعوق عملية التوثيق وتدمر الحياة البرية، ففي أواخر الشتاء وبدايات الربيع يتوجه الناس للجبال ويبدأون بصيد غزال الجبل الفلسطيني وطيور الحجل وتخريب أعشاشها من أجل الأكل، أو الحسون من أجل بيعه وتهريبه، كما أن الرعي الجائر والقطف العشوائي للأزهار والنباتات البرية يعوقان التوثيق، وهذا ما يحدث مع سوسنة فقوعة ونباتات أخرى سنوياً.
وتحاول سعادة هي وغيرها من الأعضاء في إحدى جمعيات حماية الحياة البرية إرشاد الناس لمنع قطع النباتات وصيد الطيور التي تسبب تناقصاً في أعدادها عاماً بعد الآخر، إضافة إلى نشر أكبر كم من التفاصيل عن كل صورة قبل مشاركتها على صفحتها الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وعلى الرغم من الدعوات الكثيرة لرفع العقوبات على صيادي الحيوانات النادرة وغيرها من الأفعال التي تهدد الحياة البيئية، فإن العقوبات لا تزال ضعيفة، وثمن الغزال الذي يتم اصطياده يساوي أكثر من عشرة أضعاف المخالفة التي ستفرض على الشخص على سبيل المثال.