العقوبات الغربية تحاصر الاقتصاد الروسي... فماذا يترقب الأميركيون والأوروبيون؟

 جفرا نيوز - كشف تقرير حديث عن أن العقوبات الغربية التي تم فرضها على روسيا بدأت تؤتي ثمارها، لكنها في الوقت نفسه تنطوي على مخاطر لا يمكن التنبؤ بها. وحتى الأسبوع الماضي، كانت الحكمة التقليدية تقول إن للعقوبات تأثيراً محدوداً في دولة قوية، لا سيما دولة كبيرة مثل روسيا، لكن هذه الحكمة أصبحت بحاجة إلى إعادة النظر.

فمن المرجح أن تلحق العقوبات المفروضة على روسيا بسبب غزوها أوكرانيا أضراراً أكبر بكثير مما كان يعتقد الرئيس فلاديمير بوتين. ومن خلال ضرب البنوك التجارية والبنك المركزي وقادة الأعمال والسياسة والصناعة في روسيا، يفرض الغرب عقوبات اقتصادية استغرقت سنوات لتتكشف مع الدول المارقة الأصغر مثل إيران وكوريا الشمالية، وأوضح مسؤول في الإدارة الأميركية أن الهدف من العقوبات هو تحويل روسيا إلى "دولة منبوذة عالمياً واقتصادياً ومالياً".

ومع ذلك، كما هي الحال مع الحرب الفعلية، فإن الحرب الاقتصادية الشاملة لها تداعيات قد لا تراها الولايات المتحدة وحلفاؤها بعد. ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كانت العقوبات ستغير سلوك الزعيم الروسي بوتين، وقد تسبب اضطراباً بعيد المدى للغرب.

التضخم عند أعلى مستوى في 24 عاماً

ومنذ عام 2014، عندما تعرضت روسيا لعقوبات بسبب ضم شبه جزيرة القرم، عمل بوتين على تقليل نفوذ بقية العالم على روسيا، وأصبح لدى الدولة فوائض في الحساب الجاري والمالي، ما يعني عدم وجود حاجة صافية إلى الاقتراض من المقرضين الأجانب أو المحليين، والدين الخارجي المنخفض، واحتياطيات النقد الأجنبي المتنوعة البالغة 640 مليار دولار، والعملة العائمة مقابل الدولار الأميركي، وبنك مركزي مستقل في الغالب يستهدف أن يكون التضخم عند حدود أربعة في المئة، وبذلك يكون قد قضى على معظم نقاط الضعف التي تسببت عادة في الأزمات، بما في ذلك أزمة روسيا عام 1998.

لكن روسيا لا تزال تتعامل مع العالم، الأمر الذي يتطلب أن تكون قادرة على دفع فواتيرها، ومع تقليص الوصول إلى الاحتياطيات بشكل حاد مع فرض العقوبات، أصبح البنك المركزي أقل قدرة على شراء الروبل للدفاع عن قيمته مقابل الدولار، ولذلك خسر كثيراً خلال الأيام الماضية.

هذا بالإضافة إلى مشاكل أخرى تواجه البنك المركزي الروسي تتعلق بدفع الفائدة وأصل الدين الخارجي الذي قد يؤدي إلى التخلف عن السداد، أو تزويد البنوك التجارية بالعملة الأجنبية، كما تواجه تهافتاً على الودائع بالعملات الأجنبية، ولا يمكن للمستوردين الروس أن يكونوا على يقين من أن أي شخص سيكون قادراً على الحصول على أمواله حال التعامل معهم في ظل العقوبات، في وقت يبدو الأمر كما لو أن الحكومات الغربية، وبجرة قلم، تسببت في نوع من الأزمات التي حلت بانتظام بالأسواق الناشئة في الثمانينيات والتسعينيات.

كيف يتأثر الاقتصاد العالمي بالعقوبات الغربية على روسيا؟

وقد يضيف الانخفاض في الروبل منذ غزو روسيا لأوكرانيا أربعاً إلى خمس نقاط مئوية للتضخم الروسي، الذي بلغ 8.7 في المئة خلال شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، وفقاً لما ذكره سيرجي ألكساشينكو، المسؤول السابق في البنك المركزي الروسي الذي يحاول بشكل مستميت أن يدافع عن العملة المنهارة، وبسبب الأثر التضخمي، رفع البنك المركزي أسعار الفائدة، الاثنين 28 فبراير (شباط) إلى 20 في المئة من 9.5 في المئة.

وفي تصريحات لصحيفة "واشنطن بوست"، توقعت إلينا ريباكوفا، نائبة كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي، أن ينكمش الاقتصاد الروسي بنسبة عشرة في المئة في الأقل، أكثر من عام 1998، أي أعلى نسبة انكماش في 24 عاماً.

انهيار صندوق تحوط أميركي

في المقابل، لا تزال روسيا تتلقى دعماً من صادراتها الضخمة من النفط والغاز، التي تؤجل شعورها بتأثير العقوبات على المدى القصير. لكن هذه الوسادة لها حدود، إذ يباع النفط الروسي الآن بحسم كبير، والأسعار العالمية التي تجاوزت منذ فترة مستوى 100 دولار للبرميل، معرضة للخطر إذا تراجع الاقتصاد العالمي، وتقول ريباكوفا، "هناك مخاطر هائلة عندما يكون لديك توقف شديد عن التمويل وتتعرض لتقلب أسعار النفط". وتنفق روسيا بالفعل من ناتجها المحلي الإجمالي على الجيش أكثر مما تنفقه الولايات المتحدة، وسيؤدي التمرد المستمر في أوكرانيا إلى زيادة هذا العبء وتحميل الاقتصاد الروسي تكلفة باهظة.

بل إن التكلفة التي ستتكبدها روسيا على المدى الطويل ستكون أكثر حدة، ويرى المحلل الاقتصادي، ألكسا شينكو، أن الحظر الغربي على مبيعات التكنولوجيا "سيقوض قدرات الصناعة العسكرية والمدنية الروسية، ويقيد إمكانات نمو الاقتصاد، ويزيد من التخلف التكنولوجي لروسيا". وأضاف، "غزو أوكرانيا قنبلة نووية في ظل مستقبل روسيا"، وفي الوقت نفسه، مع تنويع أوروبا إمداداتها من الطاقة، سوف تعتمد روسيا بشكل متزايد على بيع الغاز الطبيعي إلى الصين، ولكن بأسعار أقل من العديد من المشترين المتنافسين في أوروبا.

وبينما أثبتت العقوبات أنها أكثر تدميراً مما كان متوقعاً قبل هذا الأسبوع، فقد لا تكون عواقبها الكاملة واضحة، وقد يؤدي طرد مثل هذا الاقتصاد الضخم من النظام المالي بشكل مفاجئ إلى إطلاق ديناميكيات غير متوقعة، وترى ريباكوفا، أنه قد تكون هناك "روابط مالية ليس لدينا سوى القليل من الأفكار عنها، ويعتبر البنك المركزي الروسي لاعباً مهماً في الأسواق العالمية، لا نعرف كيف ستتراجع المواقف".

وقد أدت الآثار المتتالية من تقصير روسيا في عام 1998 إلى الانهيار شبه الكامل لـ"Long-Term Capital Management"، وهو صندوق تحوط أميركي عملاق، وضغط شديد في السوق، ووسط انخفاض حاد في الأسواق، يوم الثلاثاء، تراجعت أسهم البنوك الأميركية والأوروبية بدرجة أكبر، في إشارة محتملة إلى تداعيات على النظام المالي.

بوتين مستعد للتضحية بالاقتصاد

كما تهدد الحرب والعقوبات المصاحبة لها بالفعل بحدوث صدمة إمداد أخرى تؤدي إلى إبطاء النمو وزيادة التضخم في أوروبا والولايات المتحدة، وذلك من دون فرض حظر على النفط والغاز الطبيعي الروسي. ومع ذلك، تتجنب شركات التكرير والبنوك، الخام الروسي، ما دفع الأسعار إلى الارتفاع بحدة، ومع اختفاء التأثيرات للجمهور، سيتم اختبار الوحدة الرائعة للحكومات الغربية ضد روسيا.

ونادراً ما أجبرت العقوبات، الدولة المستهدفة على تغيير سلوكها، ويقول ألكسا شينكو، "بوتين مستعد للتضحية بالاقتصاد ومداخيل الأسر، لأنه يريد أن يكون عظيماً"، في وقت ترى جوليا فريدلاندر، خبيرة العقوبات في المجلس الأطلسي، أنه إذا لم يتغير سلوك بوتين و"لدينا اقتصاد روسي فقير ومدمر وأوكرانيا مدمرة، فماذا سنكسب من كل ذلك؟".

وبينما أقنعت العقوبات إيران في البداية بالتفاوض بشأن برنامجها النووي، لم يكن لها تأثير يذكر في فنزويلا أو كوريا الشمالية، وفي الواقع أصبحت كلتاهما أكثر عدوانية وقمعية، وهو شيء متوقع مع بوتين أيضاً، وعندما تصبح الحرب الاقتصادية عدوانية بدرجة كافية، يمكن اعتبارها حرباً فعلية، ويقول بعض العلماء إن هجوم اليابان على "بيرل هاربور" عام 1941 عجل بفرض حظر نفطي أميركي عليه.

في النهاية، فإن طرد روسيا من الاقتصاد العالمي، من المرجح أن ترد عليه الصين بتكثيف جهودها الخاصة للفصل عن الغرب، وهي تعمل بالفعل على تطوير بدائل لأنظمة الدفع القائمة على الدولار، والمصادر المحلية للتكنولوجيا الرئيسة من خلال سياسة "التداول المزدوج" للرئيس شي جينبينغ، ومجال نفوذها الاقتصادي من خلال مبادرة الحزام والطريق. وفي نهاية المطاف، على الرغم من ذلك، قد لا يضعف ذلك مبرر العقوبات.