هل سيودع الأوروبيين الإنستغرام وفيس بوك؟
جفرا نيوز - قد تكون "ميتا" بصدد إغلاق منصّتي "فيسبوك" و"إنستغرام" في أوروبا على خلفية المشاكل في نقل بيانات المستخدمين، وربما تتساءلون [أيها القراء] ما أهمية هذا الموضوع أساساً. صحيح؟ فهو مجرد يوم عادي يصل فيه تطبيق آخر إلى نهاية حياته الافتراضية. ولكن، ليس تماماً. فبالنسبة لبعض الأشخاص، تمثل منصة "إنستغرام" كما غيرها من منصات التواصل الاجتماعي وظيفة بدوام كامل عملياً (أو حرفياً). اسمحوا لي أن أشرح لكم الموضوع.
وفقاً لإحصاءات موقع "بيزنيس أبس" Business of Apps، قدرت عوائد إنستغرام لعام 2020 بـ24 مليار دولار، فيما تخطى عدد مستخدمي المنصة مليار شخص. يعتبر المستهلكون محرك نمو "إنستغرام" وفيسبوك والمنصات الشبيهة، بالإضافة إلى مجتمع كبير من المبتكرين الذين يستخدمونها كنوع من المدخول: بدءاً من أصحاب الشركات الذين يلجؤون إلى الدعايات لكسب الزبائن، ووصولاً إلى الكتاب والمؤثرين واليوتيوبرز وغيرهم - كما المستخدمين العاديين مثلي الذين تمثل هذه التطبيقات لهم طريقة حياة ببساطة.
وأعتقد أن إغلاق هذا الفضاء الواسع المحتمل قد تفوق سلبياته إيجابياته - من خلال عزل الناس عن بعضهم البعض وقطع الصلات بينهم، وتسديد ضربة للمؤسسات الصغيرة، وحرمان الناس من متنفس للتعبير عن إبداعهم وابتكارهم، إذ تُعطينا الصور والتعليقات والفيديوهات القدرة على الانغماس في عالم مختلف كلياً يمكنه أن يمثل وسيلة حيوية ومريحة للهروب من الواقع - ولا سيما خلال فترات شبيهة بمرحلة الجائحة.
أذكر انضمامي إلى "إنستغرام" في سنين مراهقتي حين كنت أنشر صور سيلفي سخيفة وأبحث عن سبل البقاء على اتصال بالعائلة والأصدقاء. وقد نضجت تلك المنصة مع الأيام: غصت في شغفي للكتابة وعثرت على مجتمع صغير يشبهني عبر التواصل مع كتاب آخرين وحضور الفعاليات، مما أتاح لي أن أطور مهاراتي أكثر.
وتحول الشعر إلى الجسر الذي يصلني بالمستخدمين الآخرين، كما بأشخاص يهتمون بـ"الموضة المحتشمة": وهم مجموعة من محبي الموضة الذين يروقهم أن يعبروا عن أنفسهم عبر مختلف الملابس (مثل الحجاب أو غطاء الرأس) التي تغطي جسمهم لأسباب ثقافية أو دينية، أو لتفضيل شخصي ببساطة.
وفي هذا الإطار، سنحت لي فرصة لكي أكون نفسي، وهو حدث لا يتكرر كثيراً (وقد يكون نادراً) ولا تعيشه غالبية الأشخاص عند استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. يغمرني إحساس بالارتياح لرؤية الآخرين لي على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ألاقي قبولاً كامرأة مسلمة - فنحن معتادات على الشعور بأننا غير مرئيات.
على مر السنين شاركت أشعاري وصوري، وأصبح لديّ الآن أكثر من 30 ألف متابع. وهو ما أتاح لي المجال لتوسيع عملي في الكتابة وصناعة المحتوى، فعملت مع مختلف شركات الأزياء المختصة بالملابس المحتشمة وجنيت المال مقابل الصور التي ألتقطها. وغالباً ما أنشر تعليقات على الصور تركز على الشعر، وصوراً تحاكي كلماتي.
وساعدني وجودي على "إنستغرام" كذلك لكي أتطور في مجال الإعلام - وأصبح نوعاً من "الملف المرئي المصغر" عن العمل الشاق الذي أنجزته عبر السنوات. واستطعت أن أشارك هذه المنصة مع مسؤولي التوظيف وأن استخدمها نقطة انطلاق في سبيل العثور على عمل.
ويروقني أن أفكر كذلك بأن صفحتي على المنصة انعكاس مصغر عن هويتي - ولا أنكر أنها جزء بسيط من حياتي، ولكنها مع ذلك جزء مني. وخسارتها بكاملها هي خسارة فادحة.
لا يعني هذا بأن "إنستغرام" خالية من السلبيات: بوجود التأثيرات والفلاتر لصور السيلفي (التي تشكل خطراً وأذى) ومعايير الجمال البغيضة التي غالباً ما تشوش هذه المنصات. ربط استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمن هم دون سن الـ18(وقد ازدادت نسبتهم كثيراً) بالاكتئاب والميول الانتحارية. وفقاً لمنظمة Health Assured المعنية بالدعم النفسي والصحي، يقول اليافعون إن أربعة من خمس منصات اجتماعية كبرى "تزيد شعورهم بالقلق". ومن الواضح بالتالي أنه يجب بذل جهد أكبر بكثير في سبيل حماية مختلف الفئات على هذه المنصات، ولا سيما الأجيال الأصغر سناً.
وعلى المنصات الكبرى مثل "ميتا"، المعروفة سابقاً باسم "فيسبوك"، أن تعمل بشكل أكبر على حماية مستخدميها من الإساءة والتنمر والتفكير بسلامتهم: فقد واجهت انتقادات سابقاً بسبب غياب الخصوصية عليها، وبسبب مشاكل الرقابة (أو عدمها)، ولكنني أعتقد فعلاً بأنه علينا التفكير في كل الإيجابيات التي تحصل من خلال هذه المواقع. فوراء عديد من هذه المنصات أشخاص حقيقيون لديهم قصص حقيقية، يريدون ترويج العمل في سبيل قضية معينة والإيجابية والحقيقة والثقة بالنفس. وأحد الأمثلة على ذلك هو منظمة Choose Love: وهي منظمة لا تبغي الربح، تهدف إلى دعم ومساندة اللاجئين الذين نزحوا من أوطانهم حول العالم. وصفحتهم على "إنستغرام" مليئة بصور [تبعث على] الأمل كما بحملات جمع التبرعات لمساعدة المحتاجين.
قد تخالفونني الرأي، ولكنني أعتقد أن العالم من دون "إنستغرام" و"فيسبوك" سيكون أقسى بكثير. ببساطة، سأشتاق إلى هذه المنصات. ألن تشتاقوا لها؟