الإذاعة الاردنية - أيام لا تُنتسى

جفرا نيوز - كتب - محمد الوشاح

من رام الله إلى جبل الحسين وتالياً الى أم الحيران في عمان ، انطلقت اذاعة المملكة الاردنية الهاشمية في الأول من آذار عام 1959 لتقوم بدورها الفاعل في نقل الهمّ الوطني والعربي والقومي ، حيث انتهجت منذ نشاتها لأن تنقل الخبر الصادق والمتزن عبر أصوات المذيعين المتميزين ، فكانت رسالة الأردن الاعلامية المدافعة عن الوطن والداعية لتوحيد الصف العربي في مجابهة التحديات والأخطار التي تواجه الأمة.

في شهر ايلول من عام 1979 وخلال عودتي لأرض الوطن في إجازة خاصة ، زرتُ الإذاعة الأردنية والتقيت مديرها في مكتبه ، وسألني عن مؤهلي وخبراتي ، فباشرني بالطلب بالاستقالة من الخليج والالتحاق بالاذاعة ، حيث قررّ في ذات اليوم تعييني بوظيفة معد ومقدم برامج ، فعملت على مدار ست سنوات متواصلة بأقسام التنسيق ثم البرامج الثقافية فالدراسات والأبحاث فالبرامج الخاصة ثم الانتقال الى دائرة الاخبار وتحديداُ في قسم الاخبارية المتخصّص بكتابة وإذاعة التعليقات السياسية .

ثم جاءتني دعوة من دولة الامارات للعمل في إحدى وسائلها الإعلامية كصحفي مسئول لأستمر هناك لنحو 9 سنوات ثم أعود ثانية الى الاذاعة الاردنية الموجهة التي كانت تبث برامجها على الموجة القصيرة الى دول الخليج وايران وشمال افريقيا واستراليا والولايات المتحدة واوروبا وروسيا والبرازيل والارجنتين وأمريكا الوسطى ، فبقيتُ في الاذاعة الموجهة مذيعاً رئيسياً حتى تم نقلي الى التلفزيون الاردني عام 2000 الى مديرية الاخبار وتحديداً الأخبار المحلية .

كانت الاذاعة الاردنية ولا زالت مدرسة إعلامية متميزة ، ضمت نخبة من رجال الاعلام والفكر ، فكنتُ حتى آخر لحظة أشعر أني تلميذ أمام الأساتذة الكبار ، الذين يعود لهم الفضل بتدريبي وصقلي وإفادتي بكل تفاصيل العمل ، وفتحوا أمامي مجالاً رحباً للإنتاج والإبداع ، حيث لقيتُ منهم دعماً كبيراً عند إعدادي وتقديمي عام 1979 لأول برنامج اذاعي سميته ( المعرّب والدخيل في اللغة العربية ) تلاه برامج عديدة أذكر منها المنتدى الأدبي الذي استمر لنحو عام كامل ، وبرنامج تاريخ الأردن الذي أتاح لي زيارة كافة المواقع التاريخية والأثرية في المملكة ، وبرنامج مع الضيوف العرب وبرنامج آخر مع المغتربين الاردنيين وغيرها ، وكل برنامج أذعته كانت له بصمات في ذاكرتي ، إضافة الى البرامج الخاصة التي كانت تُسند لي وأذيعها في المناسبات الوطنية ، فضلاً عن تقديم نشرات الأخبار اليومية على الهواء مباشرة.

وهناك في الذاكرة الكثير من المواقف الطريفة والمثيرة والصعبة التي لا أنساها أبداً ، وقد أشرتُ الى عدد منها في كتابي – أوجاع صحفي - وكان أبرزها قراءة بيان نعي جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه في السابع من شهر شباط عام 1999 م حيث كنتُ يومها مناوباً في الاذاعة الموجهة ، حيث اعتذر الزملاء عن اذاعته بسبب هول الصدمة التي كان يعيشها الجميع ، وهنا بادرتُ بعدما تمالكتُ أعصابي بالاستعداد لقراءة النبأ الحزين ، فكانت تلك اللحظة من أشد وأصعب اللحظات التي لا أنساها في حياتي ، حيث أمضيت عدة ساعات على الهواء مباشرة وأنا أرتجل الفقرات الرثائية بنبرة حزينة.