أكثر من نصيحة
جفرا نيوز- كتب جهاد المنسي
لسنا بأفضل حال، فما نزال نعاني من تراجع واضح في كل الامور دون استثناء، فقد تغير علينا كل شئ حتى رائحة البرتقال تغيرت، وكذا طعم الجوافة ورائحتها، ومن يعتقد ان الناس سعيدة فهو واهم، ومن يعتقد ان الفرد لم يعد يشعر بالغربة في وطنه فهو واهم، فقد تغير شكل الشارع، ولون العمارات وتغير من فيها، فقد تغيرت الاخلاق والقيم والمعتقدات، حتى طبيعة الحراك السياسي تغير، والمفاهيم الاجتماعية تغيرت، والنظرة للبلد تغيرت.
نعم أيها السادة لسنا بأفضل حال، وتراجعنا للخلف ليس خطوة او اثنتين بل خطوات، حتى رجال السياسة في بلدي تغيرت أحوالهم، سابقا كنّا نسمع منهم افكارا ورؤى قد نتفق معها او نختلف، اليوم يؤثر سوادهم الصمت وكأنهم لا يعرفون شيئا ولم يجلسوا في سدة الحكم سنوات، وبعضهم الآخر بات يصفق فقط دون ان يكون له رأي أو موقف!، والبعض بات جهويا او عشائريا اكثر من اي وقت مضى، وبات ينظر للأمور من ميزان منطقته فقط دون التفكير بمصلحة البلد بشكل عام.
نعم أيها السادة لقد تغير علينا كل شيء ولم تعد الامور تسير كما كانت سابقا وتراجعنا كثيرا في مستويات الحرية والديمقراطية والنمو وحقوق الانسان وحرية الفرد والجماعة، وباتت التدخلات سيدة الموقف، والصمت الوسيلة الوحيدة للبقاء.
نعم تغيرنا، وبالأثر ارتفع منسوب العشائرية والمناطقية والجهوية والإقليمية اكثر من اي وقت مضى، وكأننا خلال سنوات ماضية لم نكن نتحدث عن دولة يسود فيها القانون والمواطنة والحريات والديمقراطية، وتمكين المرأة، فقد تراجعت رؤيتنا أن الأردن للجميع دون تفريق بين هذا وذاك، وان الواسطة والمحسوبية مرضان يتوجب اجتثاثهما والقضاء عليهما، وباتت النخوة بالعشيرة او المنطقة سيدة الموقف وغابت فكرة الاحتماء بالدولة والقانون.
نعم، تغيرنا وتراجعنا خطوات، فَلَو عدنا سنوات قليلة للخلف عندما كان رجالات الدولة لهم حضور وهالة، عندما كانت هناك احزاب لا يمارس عليها الضغط والترهيب، احزاب تقول كلمتها بقوة، ويلتقيها رئيس الوزراء ويحاورها، ترى كم عاما مضى ولم يلتق رئيس الوزراء أيا من الاحزاب؟ ولماذا هذا الصد؟ وكيف يلتقي غياب الحكومة كسلطة تنفيذية صاحبة ولاية عامة او هكذا يفترض ان تكون عن لقاء الاحزاب والاستماع لهم مع القول بتمكين الاحزاب والنهوض بها؟! ولأننا نتحدث في هذا الوقت عن تحديث المنظومة السياسية، ترى هل اقتنعت كل مفاصل الدولة بدور الاحزاب في الحياة العامة؟ ام اننا نريد تشكيل أحزاب على مقاسنا وحسب رؤية البعض او وفق ما يريده هذا الطرف أو ذاك؟!، ترى هل نريد فعلا احزاب معارضة ام نريد احزابا على الورق لا طعم ولا لون ولا برنامج؟!، ترى هل يريد البعض تغييب الاحزاب العقائدية والبرامجية والايديولوجية وإحلال بدل عنها احزاب لا طعم لها ولا لون ولا برامج ولا أهداف؟! هل تفكر بعض مفاصل الدولة بإنهاء وجود احزاب المعارضة التقليدية سواء يسارية او قومية او إسلامية وإحلال بديل عنهم احزاب ليبرالية تمثلها شخصيات كانت لها تجارب في احزاب يسارية او قومية او إسلامية، شخصيات خرجت من الوعاء التنظيمي الذي كانت فيه لوعاء آخر اكثر ليونة بنظرهم وأكثر قربا والتصاقا من مفاصل الدولة ومفاتيحها.
قالوا، من لا يرى من الغربال أعمى، وأعتقد أن الأحزاب التقليدية وغيرها عليها الرؤية بوضوح لما يجري حولها، والاسراع لمعالجة أمورها قبل أن تجد نفسها خارج دائرة الفعل وخارج تسجيل الاحزاب، ولا ضير البتة في التفكير برؤية جمعية تضم احزاب اليسار مثلا حتى لا يأتي اليوم الذي نستذكر فيه كذكرى انه كانت توجد احزاب فكرية ماركسية وقومية وغيرها.