رئيسا وزراء لدولة واحدة: ليبيا نحو مزيد من الغرق في الفوضى
جفرا نيوز - تبرز تساؤلات عن الوجهة التي تسير إليها ليبيا بعد أن وجدت نفسها، الخميس، مع رئيسين للوزراء عقب تصويت مثير للجدل في مجلس النواب أدى إلى خلط أوراق السلطة ويبدو أنه فتح الباب مجددا لإطالة أمد الانتقال السياسي.
وفي ما يبدو أنه انقلاب مؤسسي من تيار (شرق ليبيا) على تيار (غرب البلاد)، عيّن مجلس النواب في طبرق وزير الداخلية السابق الشخصية النافذة فتحي باشاغا، ليحل مكان عبد الحميد الدبيبة رئيسا للحكومة.
وعبّر الدبيبة في مناسبات عدة عن عدم التنازل عن السلطة إلا لحكومة خرجت من صندوق الانتخابات. في هذا المأزق المؤسسي، يرى الخصمان السياسيان أنهما يمتلكان شرعية منصب رئيس الوزراء.
ويتكرر مشهد سلطتين تنفيذيتين في الدولة الغنية بالنفط، بعدما قادها بين عامي 2014 و2016 رئيسا وزراء متنافسان، في الغرب والشرق، في خضمّ حرب أهلية آنذاك.
وقال السفير البريطاني السابق في ليبيا بيتر ميليت في مقابلة مع فرانس برس، إن "دافع العديد من النواب هو الحفاظ على مناصبهم وامتيازاتهم، بدلا من السماح بعملية تؤدي بسلاسة إلى الانتخابات".
ومع ذلك، كان الأمل في التهدئة حقيقيا. في نهاية 2020 بعد وقت قصير من فشل خليفة حفتر - الرجل القوي من الشرق - في غزو غرب البلاد عسكريا، عقب 15 شهرا من المعارك الضارية، وُقع على اتفاق لوقف إطلاق النار، تلاه بداية عملية سلام برعاية الأمم المتحدة.
صوت الشعب
وفي إطار هذه العملية، عُين الدبيبة قبل عام، على رأس حكومة انتقالية جديدة، مهمتها توحيد المؤسسات وقيادة البلاد إلى انتخابات رئاسية وتشريعية، كان مقررا إجراؤها في 24 كانون الأول/ديسمبر الماضي.
وبرزت عقبات عدة، منها قانون الانتخابات المتنازع عليه، والمرشحون المثيرون للجدل، والتوترات على الأرض.
وأدى ذلك إلى خروج العملية الانتقالية التي كان من المفترض أن تضع حدا للأزمة التي استمرت منذ سقوط معمر القذافي في عام 2011، عن مسارها بسرعة.
ثم أُرجئت الانتخابات إلى أجل غير مسمى لكن مع ترك فراغ كبير. فالعملية التي ترعاها الأمم المتحدة لم تتوقع سيناريو التأجيل.
وبالنسبة لمجلس النواب الذي يتخذ من الشرق مقرا له، انتهت ولاية عبد الحميد الدبيبة مع تأجيل الانتخابات، فيما يؤكد الدبيبة أن مهمة حكومته تنتهي فقط بتشكيل حكومة منتخبة جديدة.
"ثمة حديث عن انقسام بين الشرق والغرب، لكن الانقسام الكبير الآن هو بين الشعب الليبي الذي يريد الانتخابات والنخبة السياسية التي لا تريد ذلك (...)، صوت الناس لا يسمع"، يؤكد بيتر ميليت.
وتزداد خيبة الأمل في أن الاقتراع، الذي أُجّل إلى أجل غير مسمى، أثار حماسة معينة بين العديد من الليبيين، مع نحو 2.5 مليون ناخب مسجل من أصل حوالي سبعة ملايين نسمة، بعد سحب بطاقاتهم الانتخابية قبيل اقتراع 24 كانون الأول/ديسمبر.
حق التصويت
"يبدو أن قرار حرمان الليبيين من حق التصويت، وإرجاء الانتخابات إلى أبعد من ذلك، يؤدي إلى تفاقم خطر عدم الاستقرار في طرابلس"، يواصل السفير البريطاني السابق في ليبيا.
ويصر مليت، على أن البلاد تواجه الآن "حالة غموض كبيرة لا تخدم الشعب الليبي"، مشددا على وجوب مطالبة الأمم المتحدة "بإجراءات شفافة ومقبولة قانونا".
وأشارت الأمم المتحدة الخميس، من خلال المتحدث باسمها ستيفان دوجاريك، إلى استمرارها في دعم رئيس الحكومة المعيّن من ملتقى جنيف قبل عام.
ويتمتع فتحي باشاغا، وهو صاحب وزن ثقيل في السياسة المحلية، بدعم البرلمان وخليفة حفتر، الرجل القوي في الشرق.
وهو الأمر الذي فسّره الإعلان السريع لقيادة قوات حفتر، عقب ساعات قليلة من اختيار باشاغا، بتأييده رئيسا للحكومة.
وكلاهما يحظيان بدعم جماعات مسلحة لا تزال مؤثرة للغاية في غرب وأجزاء من وسط البلاد، ولكنها عادة ما تعرف بتغير ولاءاتها بسرعة.
وقالت أماندا كادليك، العضو السابق في فريق الخبراء الليبي، لوكالة فرانس برس "ما قد يكون خطيرا هو العنف في طرابلس، لأن باشاغا والدبيبة تربطهما علاقات عميقة في غرب ليبيا".
وتضيف: "المليشيات ستقف إلى جانب من ترى أن لديه السلطة. وإذا لم يكن قادرا على تخصيص مناصب لهم ودفع رواتبهم وتزويدهم بالسلاح، فلن يكون هناك سبب لدعمهم له".
قبل ساعات من تصويت مجلس النواب، تعرّض موكب الدبية إلى إطلاق رصاص في طرابلس دون وقوع خسائر بشرية. ويتساءل مراقبون عمّا إذا كانت تلك طلقة تحذيرية.