القامات الوطنية والأحزاب الجديدة
جفرا نيوز - كتب د. مهند مبيضين
بالانتقال من الدولة العثمانية، للحكومة العربية في دمشق، ثم لاحقاً مع تأسيس الإمارة الاردنية عام 1921، كانت القيادات والزعامات من اهل البلاد، هم قيادات محلية ريفية او قبلية ممن توارثوا الزعامة في إطار التشكل الاجتماعي للعلاقة السلطوية بين الريف والمدينة وبين القبلية بوصفها عُصبة او جماعة، وبين السلطة القائمة التي كانت عثمانية واستمر البعض في حنينه لها بوصفها بلد الخلافة وسلطانها، والبعض قطع معها وانتمى للدولة الجديدة.
استمرت تلك الزعامات الاردنية في مسارها التمثيلي في زمن الدولة، وتطرح الوثائق الأردنية عدّة صورة لشكل التمثيل الذي كان موجودًا، حيث كانت تعبر عن مطالب»الأهلين» كما يرد المصطلح، وهذه المطالب تتحدث عن الاستقلال والحريات وبناء المدارس أو مواجهة الأمراض والجوائح وغيرها.
قامت الدولة من الـتأسيس 1921 وحتى الاستقلال بانجاز العديد من التشريعات والقوانين (القانون الاساسي والمعاهدات الخارجية والانتخابات التشريعية...الخ) وهي اجراءات كانت تقصد انجاز بنية مؤسسية للدولة، اسهمت بها النخبة العربية كثيرا، وتمرّس خلال تلك العقود موظفون أردنيون تعلموا الإدارة واكتسبوا الخبرات.
ظلت الزعامت التقليدية من شيوخ ووجهاء في إطار علاقتها بالحكم من خلال التمثيل النيابي ومجلس الاعيان، ولاحقًا من خلال التوزير والوظائف السيادية كتمصرفين ومحافظين، هذه الوظائف كانت تحتاج للعامل الاجتماعي أي الواجهة والزعامة، اكثر منها للمعرفة والعلم واحتراف السياسة، وفي المقابل بنيت سلطة قضائية من قامات محترمة اردنية وعربية، وكذلك الحال في مؤسسة السلطة التنفيذية التي هي ماكينة الصناعة والتأهيل للنخبة، وهذه كانت تعني العاملين في الوزارات من صحة ومعارف واشغال وبرق واتصالات وغيرها.
تشكلت طبقة من الأفندية الأردنية، التي عملت وتعلّمت في إطار وطني محترم، واسهمت في التطوير وبالبناء، وكانت تجربة الوحدة الاردنية الفلسطينية وما لحقها من انجازات تنموية زاخرة في تراكم خبرات الضفتين الإدارية وبناء القدرات. وهنا يذكر الناس معلمون وقادة وتجار واطباء ومحامون اسهموا في التمثيل الوظيفي بصيغتين صيغة الخبرة وصيغة الممثلين عن الجماعات (الجاه والزعامة) التقليدية في المدن مثل القدس والخليل ونابلس كما في اربد وعجلون والكرك والسلط وفي الارياف.
في ذات السياق للمارسة السياسية لرجالات الدولة الأردنية وللتنظيمات الشعبية والمؤسسات الأهلية، وحتى عام 2000 تقريبا، نجد في أدبياتهم السياسية وكلماتهم خلال البرلمان (وربما لدى البعض وحتى اليوم بدرجة اقل) وكذلك في الاحتفالات الرسمية وضوحا لمفهوم الأمة والقومية والوطنية/ الهوية، بمعنى أن قامات ورجالات الدولة لم ينفصلوا عن لحظة الـتأسيس للدولة في نيسان 1921 التي كان خطاب الأمة ومفردات االوحدة والاستقلال فيها كاشفة وغير مموهة، لقد ولدت الكيانية الأردنية الوطنية في ذات اللحظة المقاربة للولادة السورية واللبنانية والعراقية بصيغة الدولة الوطينة المعاصرة، ولمن المهم القول أن الأردنيين وبعد مائة عام هم الإفضل من غيرهم في التمسك بتلك اللحظة والإصرارفي البناء عليها في حين انها عند الآخرين أفُلَت.
لاحقاً للحظة الـتأسيس شيدت مؤسسات مثل مجمع اللغة العربية والجامعة الأردنية والجمعية العلمية الملكية والبنك المركزي وهناك مؤسسة الجيش طبعا، وصولاً لمنتدى الفكر العربي، وكانت العروبة والعروبيين العرب حاضرين فيها، ولا يضير اهل البلاد ذلك بل يشعر الأردني بانه متميز بذلك، ولم يعنِ ذلك ولاءات متضاربة بين الوطني والقومي، بل إن الحكم والدولة هم نتجية حتمية للعلاقة بين العروبة والوطنية الأردنية التي سمحت بتشكل فريد للأردن المعاصر وقاماته الوطنية ونخبة ورجال الحكم فيه.
كل ما سبق حري بنا اعادة تعريفه لمن يريدون اليوم تأسيس أحزاب جديدة على ابواب المئوية الجديدة.