حلّ مجلس القضاء بتونس.. حق للرئيس أم ترسيخ لديكتاتورية؟
جفرا نيوز - تشهد تونس جولة جديدة من تصعيد حاد مع تحرك رئيس البلاد قيس سعيد، لحل المجلس الأعلى للقضاء، ما أثار ردود أفعال متباينة غلب عليها الرفض، باعتباره "تعديًا على صلاحيات المؤسسة القضائية وترسيخًا لدكتاتورية شاملة"، وفق معارضين.
والمجلس هو هيئة دستورية مستقلة من مهامها ضمان استقلالية القضاء ومحاسبة القضاة ومنحهم الترقيات المهنية، وتنص المواد بين 112 و117 من الدستور على مهامه وصلاحياته ومكوناته، وأُجريت أول انتخابات له في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2016.
وصباح الإثنين، أغلقت قوات الأمن مقر المجلس في تونس العاصمة، ومنعت الموظفين من الدخول إليه، بحسب رئيس المجلس، يوسف بوزاخر.
وجاءت هذه الخطوة عقب إعلان سعيد، من مقر وزارة الداخلية مساء السبت، اعتزامه إصدار مرسوم رئاسي مؤقت للمجلس، قائلا: "فليعتبر هذا المجلس نفسه في عداد الماضي من هذه اللحظة".
حديث سعيد جاء أيضا عشية احتجاجات لـ"حراك 25 يوليو"، الداعم له، في العاصمة الأحد طالبت بحل المجلس، بزعم أنه "هيئة من هيئات التواطؤ مع الإرهاب والفساد والانقلاب على الثورة"، وفق أحد نشطاء الحراك.
ومنددًا بإغلاق مقر المجلس، قال رئيسه بوزاخر، الإثنين، إن "هذه مرحلة جديدة من الاعتداء على المجلس وافتكاك مؤسسات الدولة والاستيلاء على السلطة القضائية، وسيتم اتخاذ الإجراءات المناسبة (لم يحددها) بعد أن تتضح دواعي هذا الإجراء".
وأعلنت هيئات وجمعيات قضائية وشخصيات وأحزاب سياسية عديدة رفضها حلّ المجلس الأعلى للقضاء، متهمين سعيد بمحاولة إخضاع السلطة القضائية لاستكمال جمع كل السلطات بيده.
ومنذ 25 يوليو/ تموز 2021، تشهد تونس أزمة سياسية حادة، حين بدأ سعيد فرض إجراءات استثنائية منها: تجميد اختصاصات البرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقالة الحكومة وتعيين أخرى جديدة.
وترفض غالبية القوى السياسية والمدنية هذه الإجراءات، وتعتبرها "انقلابا على الدستور"، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها "تصحيحا لمسار ثورة 2011"، التي أطاحت بحكم الرئيس آنذاك زين العابدين بن علي.
وقال سعيد، الذي بدأ في 2019 فترة رئاسية تستمر 5 سنوات، إن إجراءاته الاستثنائية هي "تدابير في إطار الدستور لحماية الدولة من خطر داهم"، مشددا على عدم المساس بالحقوق والحريات.
** المجلس يرفض حله
وفي رفضه لتحرك سعيد، قال رئيس المجلس الأعلى للقضاء، للأناضول الأحد، إن المجلس سيواصل "القيام بمهامه ولا مشروعية قانونية ولا دستورية ولا حتى واقعية لحل المجلس في هذا الوقت بالذات".
وأضاف "بوزاخر" أن "رئيس الجمهورية تحدّث (عن المجلس) من مقر وزارة الداخلية (السبت) مع ما لذلك من دلالات، وطلب من المجلس اعتبار نفسه من عداد الماضي".
وتابع: "نحن نعتبر أنفسنا في عداد الحاضر وفي عداد المستقبل إلى حين انتخاب المجلس الأعلى للقضاء طبقا لأحكام الدستور وأحكام القانون المنظم للمجلس (يتم انتخابه من قبل البرلمان المعطل بقرار من سعيد)".
وأردف أن "المراسيم التي تُتخذ من رئاسة الجمهورية في هذه الفترة تهدف إلى إعادة السير العادي لدواليب (مؤسسات) الدولة في علاقة بما تم التصريح به من خطر داهم يوم 25 يوليو (2021)، ولم يرد القضاء ولا المجلس الأعلى للقضاء من بين الأخطار المعلن عنها آنذاك".
وقال إن سعيد "حرّض الجموع على التظاهر لحل المجلس، وهذا نعتبره لا يليق لأننا لسنا مؤسسة منتخبة من الشعب مباشرة حتى يجيش الشعب ضدنا لغرض الحل أو غيره".
وفي أكثر من مناسبة، انتقد سعيد ما قال إنه طول مدة التقاضي في بعض القضايا، واتهم مجلس القضاء بأن الترقيات فيه تتم "بناء على الولاءات".
ورفض "بوزاخر" اتهامات سعيد للقضاء بالفساد قائلا إن "الاتهامات بالفساد لا ينبغي أن تُلقى جزافا، بل تُقدم في شأنها ملفات ومؤيدات".
كما أعرب المجلس، في بيان الأحد، عن رفضه اتهامه بـ"التقصير"، داعيا إلى "الكف عن مغالطة الرأي العام بأن المجلس هو المكلف بالفصل في القضايا".
** ترسيخ لدكتاتورية شاملة
ووفق رياض الشعيبي، مستشار رئيس حركة "النهضة"، في تصريح للأناضول، فإن "توجه رئيس الجمهورية بخطابه من وزارة الداخلية له دلالات سلبية وخطيرة على الديمقراطية".
واعتبر أن "هذا القرار (حلّ المجلس) خطوة متقدمة لترسيخ دكتاتورية شاملة في البلاد بعد وضع رئاسة الجمهورية يدها على كل السلطة التنفيذية وتجميد السلطة التشريعية".
وأردف: "اليوم يتمدد الانقلاب ويشمل أيضا السلطة القضائية وتصبح واقعيا من مشمولات رئيس الجمهورية، وأعتقد أن هذا نموذجا عن دكتاتورية قروسطية (تحكم بأساليب القرون الوسطى)".
وزاد بأنه "لا معنى أن نحل المجلس الأعلى للقضاء ونستبدله بلجنة وظيفية متكونة من بعض القضاة، فلا ضمانة لاستقلاليتهم وحيادهم وضمان تسيير المرفق القضائي والإشراف على مرفق العدالة".
وبشأن المشهد السياسي الحالي المنقسم بشأن إجراءات سعيد، رأى الشعيبي أن "كل الخلافات السياسية تصبح ثانوية في مواجهة الانقلاب والحكم الفردي الذي يريد إرساءه رئيس الجمهورية".
واعتبر أن "المعركة الأساسية هي استئناف المسار الديمقراطي وعندما يستطيع استعادة الديمقراطية بإمكان أي فريق سياسي أن يعبر عن موقفه المختلف عن الآخرين بخلاف الأطراف التي هي في خلاف مع حركة النهضة (صاحبة أكبر كتلة برلمانية بـ53 نائبا من 217)".
واستطرد: "كل الذين أخطأوا في خياراتهم في تاريخ تونس يتحملون مسؤوليتهم الأخلاقية والسياسية والتاريخية ويتحملون مسؤولية خيارهم، والشعب التونسي هو من سيقرر في شأنهم".
** جبهة جديدة
وقال القاضي السابق بالمحكمة الإدارية، أحمد صواب، إن "القضاة لن يصمتوا" على تحرك سعيد لحل المجلس الأعلى للقضاء.
وأضاف صواب للأناضول أن القضاة مدعومين من زملائهم القدامى و"بعض المحامين وحزام سياسي وحزام مدني تقدمي، ودور الاتحاد العام للشغل (أكبر نقابة عمالية) سيكون حاسما".
ورأى أنه "بهذا الالتفاف ستُفتح جبهة جديدة ضد سعيد، الذي اتخذ أخطر قرار سيضر تونس في علاقاتها الدولية، وهو وأد لاستقلال القضاء واغتيال لدولة القانون".
وبحسب سمير الشفي، الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل، في تصريح صحفي، فإن "الاتحاد يساند كل مساعي إصلاح القضاء.. لا وجود لاختلاف حول مسألة إصلاح القضاء، وإنما حول طريقة إصلاحه".
** "قرار جريء"
أما عبيد البريكي، رئيس "حركة تونس إلى الأمام" (يسار- بلا نواب)، فوصف اعتزام سعيد حل مجلس القضاء بـ"القرار الجريء والمستجيب لطبيعة المرحلة الحالية".
وأضاف البريكي، في تصريح صحفي، أن "قرار 25 يوليو (الإجراءات الاستثنائية) وما تبعه من حلّ المجلس، تعتبر من القرارات المفصلية في تاريخ تونس، ويمكن لرئيس الجمهورية إصدار مرسوم ينظم السلطة القضائية".
من جهته، اعتبر شهاب دغيم، محلل سياسي، أن "حل المجلس الأعلى للقضاء كان هاجسا عند رئيس الجمهورية وفي كل مرة كان يتعرض للمسألة في خطبه المتلفزة وزياراته الفجائية الصباحية والليلية أو في لقائه بالحقوقيين أو الوزراء".
وتابع دغيم للأناضول أن "سعيد يفكك مؤسسات الدولة الواحدة تلو الأخرى والتي يمكن أن تعيق حركته السياسية ومشروعه: الشعب يريد".
وأردف: "الفصل بين السلطات مبدأ عام يوجد حتى في الديكتاتوريات واليوم انتفى بحل المجلس.. والتداعيات السياسية لتجميع السلطات بهذه الطريقة المفرطة خطير على مستقبل الديمقراطية والحريات".
وزاد بأن "الذين يلومون النهضة في مسألة تطويع وتدجين القضاء والمؤسسات يقومون بنفس الشيء وبطريقة أشنع".
واستطرد: "نريد قضاء محترما مستقلا بعيدا عن تجاذبات السلطة السياسية والحزبية مهما كانت، سواء سعيد نفسه أو النهضة أو أيا كان".