كريشان يكتب عن المدينة حزينة.. من هي..!


جفرا نيوزكتب: محمود كريشان
في أمسية إعتيادية بالأزقة اللعينة في حانة "بيترو" أو "نفق الحدادة" كما يطلق عليها الندامى كون لها مدخل من الشمال واخر من اليمين، كانت ذاكرة "عقيل" تطوف في استعراض البؤس والحزن الذي يغلف أخبار وسط البلد، وقد حضرت في مخيلته بعض الكلمات من قصيدة شعبية مصرية: سمعت إنك حزينة.. هتكلم بصراحة من غير زينة.. هتفهمي كلامي أصلك رزينة..!
عقيل تسربل بالأحزان، وطق لثمة شماغه لإخفاء دموعه، لأن بكاء الرجال عيب حسب ما تمأسس في تربيته القبلية.. وقال في كلمات هامسة: البارحة حفرنا القبر لأحمد الرحاحلة، كانت جثته هامدة، وملامح وجهه بريئة، وقبله الضابط الأنقى والأجمل إياد الغرايبة الذي طبع قبلاته الوداعية على وجوه أطفاله في عجلون، ليلاقي وجه ربه في عمان التي يحرس أهلها..!
في غضون ذلك.. تعمق الحزن في قلب عقيل وهو يقول كلمات ذات فحيح موجع: ما زلت أشهد في زحمة الفقر الذي يعشش في بيوت المدينة، على إمرأة تستجدي المارة "قلن كاز"، ورضيع يبكي من الألم، وأرواح أخرى أنهكها الوجع، وستيني يقتحم صالون ابوبندلي وعلى خجل يقول: بدي نيرتين يا جماعة.. فيما ارتفع صوت المذياع في نشرة الثانية ظهرا.. أكد خبراء في الشأن الأقتصادي أن الأوضاع بخير..!
أمام ذلك.. طلب عقيل من نادل الحانة ان يضع أية أغنية، وقد قام الجرسون بوضع أغنية فيروز وهي تبشرنا بمحبة عمان من فوق مسرح قصر الثقافة بمدينة الحسين للشباب في سبعينيات القرن الماضي: عمان في القلب.. أنت الجمر والجاه.. عندها تجلى عقيل في نشوة لكن على قلق.. أين حارس المدينة حسن أبوعلي؟.. ولماذا غاب عن كشكه؟.. وين راحوا الرفاق؟.. ومأمور إجراء  عمان صلاح علي مبيضين، لم نعد نشاهده في رحاب قبلة الأردنيين.. أقصد المسجد الحسيني الكبير؟.. وسمير جنكات اختفى عن الدوار الأول وتجاهل ذكرياته؟.. ولماذا تم إغلاق الأوبرج؟.. كيف اختفى "الهلتون" و"حانة الأردن" و"السلمون" من قائمة الملاهي؟.. وأين اختفت ابتسامات أهل المدينة عن وجوههم، وتبدلت بالبؤس والشقاء؟.. 
لعلها لحظات حاسمة عاشها عقيل بكافة حواسه وليلته التي كانت أشبه ما يكون بجلسات تحضير الأرواح أو التنويم المغناطيسي ان جاز التعبير..  
بمنتهى الصراحة والشفافية صرخ عقيل أمام جميع زبائن الحانة ومن ضمنهم "الأعوان": المدينة تعرف عرائي وجوعي وفزعي واضطرابي وجنوني، كدروسا لا تقدم بضم التاء في أكبر الجامعات التي تنادي بالحرية وحقوق الإنسان.. انتبهوا من عقيل فقد طفح الكيل..
Kreshan35@yahoo.com