تمكين المرأة من منظور مقارن

جفرا نيوز -  أ. د. ليث كمال نصراوين*

في الوقت الذي كان النقاش على أشده في الأردن بخصوص تعديل الدستور وإضافة نصوص دستورية تدعو إلى تمكين المرأة وضمان تكافؤ الفرص وحمايتها من التمييز، شهد مجلس الدولة المصري واقعة تاريخية لم تشهدها أروقته منذ نشأته في عام 1946، حيث صدر القرار الرئاسي في شهر تشرين أول من العام الماضي بتعيين مجموعة من القضاة السيدات للعمل فيه لأول مرة. 

وقد جاء قرار التعيين في ضوء الحكم القضائي الذي أصدرته المحكمة الإدارية العليا المصرية في الطعن المقدم من المدعوة أمنية جاد الله، التي خاضت معركة قانونية طويلة استمرت لسنوات، تمكنت في نهايتها من انتزاع حكم قضائي يقضي بأحقية السيدات في مصر في تقديم طلب التعيين للعمل في مجلس الدولة، والذي هو أحد أعمدة السلطة القضائية في مصر، ورائد القضاء الإداري المصري. 

إن الدساتير المصرية المتعاقبة كانت جميعها تدعو إلى المساواة بين الرجل والمرأة، حيث ينص الدستور المصري الحالي لعام 2014 في المادة (11) منه على أن تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل، وأن تكفل للمرأة حقها في تولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة والتعيين في الجهات والهيئات الوطنية دون تمييز ضدها. ومع ذلك، فإن التعيين في مجلس الدولة المصري كان دائما حكرا على الرجال وحدهم دون النساء، وأن طلبات التعيين في هذا المجلس دائما ما تشترط صراحة أن يكون المتقدم ذكرا. 

إن الاجتهادات القضائية المتواترة التي أصدرتها المحاكم المصرية كانت دائما ما تجد مبررا لحرمان المرأة المصرية من التعيين في مجلس الدولة. فمن ضمن الحجج التي ساقها القضاء المصري في هذا السياق القول بأن "مجلس الدولة المصري كجهة قضائية مستقلة منذ إنشائه في عام 1946 اقتصر التعيين به على الرجال وحدهم دون النساء، على نحو بات مستقرا في ضمير الجماعة المصرية بأن أعضاء مجلس الدولة هم من الرجال". 

كما جاء في حكم قضائي آخر القول بأن "الدساتير المصرية حرصت على النص على استقلال السلطة القضائية واستقلال مجلس الدولة، وهذا الاستقلال يعطي له الحق في تقدير قصر التعيين به على الرجال وحدهم وفقا للسلطة التقديرية المقررة للجهات القضائية في هذا الشأن، ووفقا لما تراه مُحققا لصالح العدالة، وقد بات ذلك أمرا مستقرا ثابتا على مدار السنين والأزمان".

كما اعتبر القضاء المصري أن "المساواة في الحقوق العامة لا يفترض بحكم اللزوم والضرورة صلاحية المرأة للاضطلاع بمهام بعض هذه الحقوق ومنها تقلد بعض الوظائف العامة، إذ لعوامل البيئة وأحكام التقاليد وطبيعة الوظيفة ومسؤولياتها شأن كبير في توجيه المشرع أو السلطة الإدارية الوجهة التي تراها محققة للمصلحة العامة وليس فيه إخلال بمبدأ المساواة المقرر دستورياً ولا هو تجاهل لكفاية المرأة".

واليوم يعود القضاء المصري عن اجتهاداته السابقة، ويقر صراحة بحق المرأة المصرية في التعيين في مجلس الدولة، وذلك أسوة بباقي المحاكم المصرية التي تسمح بتعيين قضاة سيدات للعمل فيها. فيكون بذلك قد تخلص من أحد مظاهر التمييز غير المبرر بين الرجل والمرأة في مجال العمل القضائي.

أما في الأردن، فإن الوضع مختلف تماما. فالمرأة الأردنية قد تمكنت من فرض نفسها وبقوة في كافة المواقع القيادية السياسية والقضائية منها، حتى ما قبل تعديل الدستور الأخير في عام 2022. فالقضاء الأردني يزهو بسيداته اللواتي يشاركن القضاة رفع راية الحق والعدالة في كافة المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، ابتداء من محاكم الدرجة الأولى فالاستئناف والتمييز، مرورا بالقضاء الإداري – ما يقابل مجلس الدولة المصري – وانتهاء بالمحكمة الدستورية، التي شهدت تعيين أول سيدة في أروقتها في عام 2020. 

* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية

laith@lawyer.com