عدنان أبو عودة.. سياسي آمن بفكر الحسين

جفرا نيوز - المعمّرون وأصحاب العمق السياسي ربمّا تثير تصريحاتهم بين الحين والآخر تداولاً لتفصيلة من تفاصيل العمل السياسي يجتمع حولها القراء والنّخب بين مؤيدٍ ومعارض؛ ومن أبرز هؤلاء رئيس الديوان الملكي الأسبق الكاتب والوزير الراحل عدنان أبو عودة، وبموته حتماً سيخسر الوسط الإعلامي والمنتديات والصالونات السياسيّة رجلاً ينتظر منه الحضور دائماً أن يقول شيئاً مثيراً، أو أن ينبّه على ما هو أكثر من البروتوكول إلى المكاشفة والصراحة تجاه المتغيرات والمسميات والأطر والآفاق.

مباشرة «أبو السّعيد»، وإلقاؤه كلمته دون أن يمضي؛ إذ يتحمل النقاش وربما فتح النقاش معاضل وسوء فهم في تساؤلاته وردوده، على الصعيد المحلي أو العربي أو علاقات الدول ورؤيته للقضية الفلسطينية وتغيرات المواقف الدولية، وكان في كلّ ذلك يصدر عن أنّ الأردن دولة مكتملة المقومات التاريخية والجغرافية والنظام السياسي، والإدارة والأمن والخدمات، لشعب له بنية ثقافية خاصة وتطلعات معيّنة، وقد كانت أفكاره تستند إلى مراس التجربة والمعاينة والرأي البعيد عن الغنائيّة باتجاه الواقع وما هو حاصل، خصوصاً وهو يتحدث عن نشأة الأردن، والنظرة الجيواستراتيجية البريطانية للأردن كموقع قبل التفكير به كدولة، مستذكراً اليوم الأول الذي عينه فيه جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه وقال له «إنّ موقع الأردن نعمة ونقمة، وواجبنا أن نجعله نعمةً لشعبنا».. فقد كان الحسين كما يروي أبو عودة يعي ذلك ويحسن توظيفه في إقليم عانى وما يزال يعاني من الاضطرابات وعدم الاستقرار.

كان أبو عودة يرى أنّ طول الحدود الأردنية مع فلسطين حقيقة شكلت معظم السياسات الأردنية الإقليمية والدولية إلى يومنا هذا، ابتداءً من حرب 1948 ونتائجها ومعها اللاجئون إلى وحدة الضفتين إلى حرب حزيران ونتائجها إلى العمل الفدائي المتحول من الثورة إلى ميليشيات لتغيير النظام إلى الانتفاضة الفلسطينية وهي الثورة الفلسطينية الواحدة وما نتج عنها من فكّ العلاقة القانونية والإدارية مع الضفة الغربية إلى مؤتمر مدريد للسلام والوفد الأردني الفلسطيني المشترك إلى أوسلو وإلى وادي عربة وإلى فشل إقامة الدولة الفلسطينية حتى الآن، وانعكاس ذلك على مستقبل الأردن وإلى التوسع الإسرائيلي، وتعثر عملية السلام بما يعكسه ذلك من مخاطر على الأردن.

يتحدث أبو عودة عن مواضيع ربما تبدو للبعض حساسة، لكنّه ينظر إليها على أنّها أمرٌ طبيعي، فبالردود والنقاش يثرى الموضوع، وقد كان معجباً بشخصيّة الملك حسين جداً، في حديثه عن نهضة الأردن والعشائر الأردنيّة وولائها للدولة والنظام وتنوّع السكان في الأردن، ففي رؤيته للعشائر والمواطنة كان يرى بأنّ العشيرة هي بنية اجتماعية كالعائلة، أما العشائرية فهي وجهة نظر نحو الحياة والآخر تنتج سلوكاً معيناً نحو المؤسسات والناس، وهكذا فهو يتناول بصراحة قوية ومؤلمة أحياناً مواضيع تطوير الدولة في الإدارة والاقتصاد والبرلمان ومحاربة الفساد.. وفي شؤون عديدة.

مما يؤكده أبو عودة، كمواطن أردني من أصول فلسطينيّة، أنّ وحدة الضفتين ما كانت لتتم عام 1950 من الجانب الفلسطيني لو لم يكن حاكم الأردن ملكاً هاشمياً، وهذا دليل على ما يستمده النظام من قوة من الشعب، وهنالك جانب آخر وهو ما يمنحه الملك الهاشمي للنظام نفسه، كما يتحدث بحرارة عن الوحدة الوطنية، في ظروف حساسة وهو يصف مواجهةً بين الجيش والفدائيين الذين تحولوا إلى ميليشيات ضد النظام عام 1970، وكيف أن جلالة الملك الحسين حرص على الحفاظ على الوحدة الوطنية في تعيينه هو- عدنان أبو عودة- وزير إعلام وناطقاً رسمياً، إذ يرى أبو عودة أن كونه فلسطينياً كان السبب في تعيينه، لنفي ما ادعاه البعض من مظلمة الفلسطينيين، وبالطبع كان أبو عودة يسير في أمور ذات علاقة، منها تأسيس الاتحاد الوطني، وتعيين الحسين لمصطفى دودين من الخليل أميناً له، وعدنان أبو عودة من نابلس أيضاً، وجمعة حماد من بئر السبع كذلك، والثلاثة من أصول فلسطينيّة، وكان ذلك برأي عدنان أبو عودة يعبّر تعبيراً قوياً عن اتساع في الرؤية السياسية وحرص كبير على الوحدة الوطنية.

استذكار الأحاديث التي تجلب معها المواقف والتحديات والآفاق كثيرة، وربما نشير إلى عمل أبو عودة مع جلالة الملك حسين مدة ثلاثة وعشرين عاماً، وجد خلالها أنّ التاريخ كان يتحكم في مواقفه وبخاصة عند المنعطفات، إذ يذكر وبالحرف الواحد » كنت صاحب فكرة فكّ العلاقة القانونية والإدارية مع الضفة الغربية وتعلمون أنني من كتب خطاب جلالته الذي أعلن ذلك القرار، كلفني جلالته بكتابة الخطاب وكتبته دون توجيه وحملت المسودة وذهبت إلى قصر الندوة وسلمته إياها.. قرأها وبعد شكري طلب مني أن أضيف «أن تبقى دائرة الأوقاف في القدس تابعة للأردن»، فهذا مثال على أثر التاريخ عليه، وعلى هذا النسب الذي يشمل قيادة جده الشريف حسين لحركة النهضة العربية عبّر عنه جلالته بالتشديد على عروبة الأردن والتضامن العربي.

الرأي - إبراهيم السواعير