تحذير من أزمة مالية عالمية بسبب العملات المشفرة

جفرا نيوز - حذَّر الاقتصادي الأميركي الشهير الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد، بول كروغمان، من احتمال تعرض النظام المالي العالمي لأزمة جديدة بسبب العملات المشفرة. وكتب في مقال له بصحيفة "نيويورك تايمز"، أن هناك "أوجه شبه كثيرة مع فقاعة قروض الرهن العقاري" التي أدت إلى الأزمة المالية العالمية في 2007-2008. وأضاف، "نشهد صدى مقلقاً لانهيار سوق الرهن العقارية قبل 15 سنة".
وكانت فقاعة سوق الرهن العقاري في الولايات المتحدة بداية القرن الحالي تضخمت مع تقديم البنوك قروضاً عقارية لمقترضين بشروط عالية المخاطر، في وقت كانت فيه أسعار الفائدة الأميركية منخفضة، بينما أسعار العقارات تشهد ارتفاعاً كبيراً. وباعت البنوك الاستثمارية وغيرها من الشركات المالية تلك القروض عبر شهادات ضمان معقدة، ما أدى إلى تضخم فقاعة بسبب تلك الأوراق المالية المرتبطة بسوق الرهن العقاري. وانفجرت الفقاعة مؤدية إلى انهيار مع بدء رفع سعر الفائدة الأميركية وانخفاض أسعار العقار وتخلف كثير من المقترضين عن سداد المستحقات عليهم.

مخاطر عالية

واعتبر كروغمان أن "المستثمرين الآن في العملات المشفرة يشترون مشتقات مالية خاضعة للمضاربة، دون أن يستوعبوا تماماً المخاطر التي تنطوي عليها، بالضبط كما حدث مع توريق قروض الرهن العقاري مطلع القرن". ويُعرف عن كروغمان أنه من معارضي العملات المشفرة ويعتبرها أصول مضاربات عالية المخاطر تهدد النظام المالي بسبب تقلباتها الحادة.
وكتب كروغمان في مقاله، "لم يستوعب كثير من المقترضين ما هم مُقدمون عليه... والعملات المشفرة، التي لا تستند إلى أي أساسات وذات تقلبات كبيرة في الأسعار، هي على درجة من المخاطر من أعلى ما يمكن أن يكون عليه أي أصل استثماري"، لكنه أوضح أن العملات المشفرة قد لا تمثل خطراً هائلاً على النظام لأن "الأرقام ليست كبيرة بما يكفي لحدوث ذلك الآن". وبحسب بيانات شركة "كوين غيكو" فإن قيمة سوق العملات المشفرة تبلغ نحو 1.7 تريليون دولار.
يُذكر أن أكبر العملات المشفرة، "بيتكوين"، فقدت نصف قيمتها تقريباً في الأسابيع الأخيرة (هبط سعرها بنسبة 46 في المئة). وخسر سوق العملات المشفرة كله حوالي نصف قيمته، بعدما وصل إلى أعلى مستوى له في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي 2021، إذ تراجع من نحو 3 تريليون دولار حينها إلى نحو 1.5 تريليون دولار، في 24 يناير (كانون الثاني) الحالي.

تحوط من التضخم

وعلى الرغم من أن تحذيرات بول كروغمان متوقَّعة باعتباره من المعسكر غير المؤيد للعملات المشفرة، فإن موجات البيع الهائلة لـ"بيتكوين" وغيرها من المشفرات في الآونة الأخيرة جعل تلك الأصول الرقمية ضمن مشتقات الاستثمار عالية المخاطر التي يتخلص منها المستثمرون بكثافة في أوقات التضخم وتشديد السياسة النقدية لخفض الأسعار.
وقال أستاذ المالية والاقتصاد في جامعة بنسلفانيا إيتاي غولدشتاين في مقابلة مع موقع "كوارتز"، إنه "لطالما اعتقد الناس أن أسعار العملات المشفرة لن تتحرك طبقاً لتقلبات السوق المالية التقليدية، لكن التوجهات الأخيرة توضح بجلاء أنها مرتبطة بقوة بتحركات السوق".
ورأى غولدشتاين، أن "السبب في انهيار أسعار (بيتكوين) والمشفرات في الآونة الأخيرة هو تصرف المستثمرين على أساس أن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) سيبدأ برفع سعر الفائدة في اجتماعه المقبل، وقد يواصل رفع الفائدة خلال العام الحالي". وأضاف أن "عمليات البيع الهائلة لبيتكوين والعملات المشفرة الآن هي جزء من عمليات بيع واسعة النطاق للأصول الاستثمارية عالية المخاطر، والتي يمكن إرجاعها إلى رسائل الاحتياطي بشأن البدء برفع سعر الفائدة لمواجهة ارتفاع معدلات التضخم، إذ استفادت تلك الأصول الاستثمارية من فترة انخفاض نسبة الفائدة بشدة، وعليها الآن مواجهة الجانب الآخر من السياسة النقدية".
ويعتبر قسم كبير من الاقتصاديين أن التطورات الأخيرة قد تدحض توقعات المؤيدين للعملات المشفرة بأنها تصلح كتحوط في مواجهة التضخم وملاذ آمن للثروة في فترات تشديد السياسات النقدية. وكان هؤلاء يرددون أن العملات المشفرة يمكن أن تحل محل ملاذات آمنة تقليدية مثل الذهب.

ويلجأ المستثمرون في أوقات اضطراب الأسواق، وتغير السياسات النقدية من قبل البنوك المركزية، إلى وضع أموالهم في ملاذات آمنة. ويمثل الذهب أكثر الملاذات الآمنة تقليدياً، للتحوط في مواجهة مثل تلك التقلبات. فللذهب وجود مادي، أي أن قيمته تستند إلى أساسيات حقيقية. كما أنه يُعد من المعادن النادرة، على الرغم من عمليات استخراجه وتكريره إلا أن الكميات المتوفرة منه لا تزيد بسرعة تؤثر على قيمته، فيظل الطلب عليه في أغلب الأحيان أكبر من العرض.
وأوضح إيشوار فينوغوبال، أستاذ المالية في جامعة سنترال فلوريدا، إن "القول إن العملات المشفرة هي "الذهب الرقمي" قول مضلل تماماً". وأضاف أن "كثيراً من المستثمرين الحاليين يعتبرون العملات المشفرة استثماراً عالي المخاطر، ويسحبون أموالهم منها حين تبدأ الأسعار بالتراجع بشكل عام".