لنترك الأحكام القطعية إلى ما بعد التجربة الحزبية الجديدة
جفرا نيوز - *إحسان التميمي
في نشأة الأحزاب الجديدة في الأردن، هناك غضبة -ربما هي غير بريئة -من النخب التقليدية التي تم تعيينها أو انتخابها فيما مضى كجزء من السيستم العام للدولة، مرده خشيتها لأي منافسة طبيعية للاحتكار، وهنا هي لا تتردد في القدح والتعبئة السلبية دون أن تكلف نفسها تأجيل هذه المنازلة وإصدار الأحكام القطعية إلى ما بعد التجربة.
معروف أن الأحزاب السياسية تشكل حجر الزاوية في المجتمع الديمقراطي وتؤدي وظيفة لا مثيل لها إذ تجمع وتمثل المصالح الاجتماعية وتوفر هياكل مشاركة المجتمعات المدنية، لكن على غير العادة، فجأة تحرك الكل نحو موقف قوي مناهض لنشأة حزب سياسي جديد، مع أنني لا اذكر للمعارضين أي معارضة مسبقة منظمة لنحو 53 حزبا مرخصا في الأردن مع أنها لم تسهم في تطور الحياة السياسية ولا الاجتماعية ولا الاقتصادية بل لم نسمع لها صوتا ولا صدى في أي خطب مر على البلد.
ومع ذلك، فإن السؤال الرئيسي يبقى في خطورة مرور الادعاءات دون تصحيح، يترك للعواطف وحدها تشكيل الدور الرئيس في كيفية تفاعل المواطنين مع التجربة الجديدة، سيما مع حديث عن أشراف أجهزة سيادية على تأسيس الحزب.
وطالما أننا بصدد الدخول في مرحلة سياسية جديدة قد تشهد تغيرا جذريا في البلد، فليس هناك مشكلة من وجود حزبان برلمانيان أوليان أو ثلاثة أو أربعة في المراحل الأولى من عملية التحديث التي تعقب اقرار قانوني الأحزاب والانتخاب. بل أن الأدبيات العلمية حول النظم الانتخابية أظهرت ارتباطا وثيقا بين نوع القوانين الانتخابية وطبيعة الأنظمة الحزبية والتي قد تقود في النهاية لتحولات هيكلية في التسلسل الهرمي الاجتماعي، أي المناصب الرئيسية التي يشغلها أشخاص جدد على أساس المبادئ.
عالميا لا يوجد تكاثر خالص ولا نقي في الأحزاب وهذه حقيقة ثابتة، لكن التجربة الأردنية الجديدة ستنقل ميزان الانتصار الانتخابي بشكل متزايد إلى أيدي من هم أفضل تعليما وأكثر اطلاعا وأكثر سياسية.
كما قال الملك عبد الله فإن "عملية تحديث أو تغيير يرافقها بعض القلق من المجهول، وهذا أمر طبيعي، ونحن ملتزمون بضمان هذا الحق للجميع" ولكن ما يميز الهجوم الحاد أردنيا على التجربة الجديدة هو معيار الشخصنة دون مراعاة التوازن بين القوى الأخلاقية المتنافسة فالشخص المستهدف اليوم هو رئيس وزراء المملكة الأردنية الهاشمية الأسبق حاصل على وسامين من الدرجة الأولى، وعديد من الذوات الذين نعرف على الأقل كثيرا منهم ممن قدموا أكثر مما أخذوا، كما تم اختياره لترؤس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية ولم نسمع أي اعتراض حينها أو حين طرح نتائج وتوصيات اللجنة فما الذي تغير اليوم،
إنها باكورة تجربة جديدو وهناك اتفاق كبير على محتواها الموضوعي، مطلوب من الجميع المشاركة والنقد لكن النقد المبني على المواضيع لا الاشخاص، ومطلوب من الأحزاب السياسية، أولاً وقبل كل شيء أن تكون المنتجات المعروضة على "المستهلك الانتخابي" حقيقية ومهمة من حيث تفضيلات المواطنين.
*إعلامي وباحث