مسيرة شهيد

جفرا نيوز - كتب - بقلم الإعلامي العميد المتقاعد هاشم المجالي .
..............
كان حاله كحال إخوانه من العسكر الذي ينامون باكرا في ليلة ما قبل الدوام ثم الذهاب  إلى الوحدة العسكرية.
لقد قام الشهيد محمد الخضيرات بتقبيل رأس والده ووالدته واستسمحهم   ، وغطى رأس بنته وصغاره بعد أن قبلهم قبلة الوطن واستودع الله في زوجتة وأهله   ، ثم قام بتجهيز ملابسه المغسولة المكوية وهو يفكر بأن هذا اليوم هو نصف الشهر ولا زال باقي عن نزول راتبه حوالي عشرة أيام ، وهو أيضا كان يفكر بإلتزاماته المالية تجاه أسرته وفواتير الكهرباء والمياه والمدارس ومصروف البيت ، خرج محمد بيك إلى الشارع لينتظر الباص الذي ينقله إلى المجمع والذي منه سوف يستقل باصا  أخر ليصل إلى وحدته العسكرية ، محمد بيك كان يسمع بإشاعات عن مكرمة ملكية وشيكة الحدوث مفادها منح الإعفاء الجمركي لكل من هم في رتبة ملازم إلى نقيب أسوة بمن هم برتبة رائد فأعلى ، وكان يحدث نفسه قائلا ،  لماذا من هم برتبة رأئد فأعلى يحصلون على أعفاء جمركي وهم  مؤمنين بمنظومة النقل الأداري من منازلهم إلى وحداتهم ، ونحن لا إعفاء لنا ولا منظومة نقل إداري تؤمننا ولكن جلالة القائد لن يخذلنا كعادته فهو اعرف الناس بأحوالنا   .

  عندما وصل النقيب محمد الخضيرات إلى  الوحدة العسكرية قام بتغيير ملابسه الرسمية وارتدى لبس الفوتيك العملي ، ثم قام بحضن بندقيته وجهزها  ثم خرج إلى سريته التي سوف تستلم الواجب على الحدود الأردنية في تلك اللحظات  .
في هذه اللحظات انفصل النقيب محمد الخضيرات عن مشاكله  المالية وشؤون حياته الشخصية والمدنية ، وبدأ يتكلم لإخوانه ورفقائه في السرية عن الوطن وحدوده ، وعن العقيدة القتالية ، صار يتكلم عن أمِن أطفال  وشيوخ ونساء الكرك والطفيله ومعان ، واربد والزرقاء والمفرق ، وعن تلال السلط وجبال وأحراش جرش و عجلون ، وعن سوق الرمثا وخضار الأغوار ، محمد بيك تكلم للجنود  الذي سوف يخرجون معه إلى  الواجب انه كل هؤلاء برقبتهم وناصيتهم ،
 وطلب منهم قراءة الفاتحة والتوكل على الله في حماية الوطن والمواطن .

لم يتطرق النقيب محمد في محاضرته للسرية قبل الخروج للواجب عن أهله وإخوانه أو والديه أو عن مشاكل قريته دير السعنه ولا معانات وصوله إلى وحدته بالنقل العمومي  ،  ولم يتكلم عن البرد في منزله وارتفاع سعر الكاز والديزل   أو عن فواتير الكهرباء والمياه التي ارهقت راتبه وصار يوفر في تدفئتهم من خلال تقليل ساعات تشغيل صوبات الغاز والكاز  من أجل شراء الغذاء لهم ودفع فواتير الكهرباء والمياه  والاستعانة بالدعم  الذي يحصل عليه من والده ، كان راتبه لا يكفيه  لنصف الشهر  ، ولم يتحدث لهم عن  معانته لعدم قدرته على شراء سيارة  ولا حتى عن  قطف أشجار زيتونهم أو حلب ابقارهم ، وإنما تكلم عن حماية وطن بكل مكوناته من بَشر وحجر وشجر .

لقد خرج الجميع للوظيفة على الحدود وهم يغنون: 
 الله الوطن الملك ،
 قأئد ووطن ومواطن ،
 شجر وبشر وحجر
واتخسى يا كوبال منت ولفيلي،  ولفي شاري الموت لابس عسكري .
بعد خروجهم للواجب وكان بمقدمتهم  محمد بيك الذي استمع لملاحظة من الشهيد الوكيل محمد المشاقبة بأن هناك مؤشرات على وجود مهربين للمخدرات تلوح بأفق الحدود ، طلب النقيب محمد من الفصيلة التي تغطي المنطقة التحرك للمكان والاشتباك معهم وقال لهم : الحقوني وهو في مقدمتهم ، فصار الاشتباك  وتم ضبط وقتل بعضا من المتسللين الذي أطلقوا طلقات الغدر والخيانة والطمع والجشع ، فاصابت بعض من هذه الطلقات  جسم النقيب محمد الخضيرات والشهيد الوكيل  محمد المشاقبة الذان اختارهما الله ليكونا في عليًن مع الأنبياء والشهداء والأولياء الصالحين وأصابت بعض الطلقات زملائهم بالواجب فجرحتهم ونزفت منهم دماء زكية روَت تراب الوطن ، وارواحا خرجت لتحوم في سماء الوطن    .

اتعرفون أن هؤلاء قد وضعوا أجسادهم أمام الوطن في مواجهة الأعداء  حتى لا تخترق طلقات الغدر والخيانة أجواء الوطن و ترابه وهوائه وحجره ، هؤلاء كان بإمكانهم أن يتحصنوا أو ينسحبوا أو يعودون إلى مواقعهم ، هؤلاء الأشاوس والنشامى كانوا يعرفون أن أعداء الوطن قتلة ومجرمون ،  وأنهم لن يترددون بقتلهم إن تمكنوا ، ولكنهم واجهوهم بكل قوة ،وصمدوا وتقدموا وبادروهم بالهجوم ، هؤلاء هم جنود الأردن النشامى ،  هؤلاء هم كراسي البلد وقراميها  .

لقد تابعت يوم أمس  زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة للوحدة العسكرية التي كان منها الشهيد النقيب محمد الخضيرات والشهيد الوكيل محمد المشاقبة ، وتابعت توجيهاته بتغيير قواعد الاشتباك على الحدود ، وهنا أود أن اقف قليلا مع هذا التوجه ، و أتسائل لماذا  نضع جنودنا في مرمى نيران الأعداء على الحدود ونحن قادرون على ما نمتلك من أسلحة أن نضرب العمق الجغرافي لهم بالطائرات و بالصواريخ والأسلحة الثقيلة التي تستطيع حرقهم في منازلهم  وقبل أن يصلوا إلى حدودنا بعدة كيلوات من الأمتار. 

الشهداء في رعاية الله وذوي الشهداء في رعاية الوطن فهل سنرعى شؤون أسرهم  ؟ وهل سيبقى الشهداء في رتبهم ومميزاتهم ؟ حتى تبقى الأم الأردنية تزغرد للشهيد ولا تفكر بأن الوطن أهمل وليدها  بعد أن تم لفه بالعلم ودفنه بالتراب  .

اللهم ارحمهم وتقبلهم في عليائك مع الأنبياء و الشهداء والصديقين  ، اللهم آمين اللهم آمين اللهم آمين يا رب العالمين  

حمى الله الوطن والقائد والمؤسسة العسكرية والأمنية  وتقبل الله شهدائنا الأبرار في جنات النعيم .