تحديث القطاع العام

جفرا نيوز - كتب- فواز البلبيسي - كبير مستشارين المدير التنفيذي -مجموعة البنك الدولي 

 تابعنا مؤخراً في وسائل الاعلام اعلان الحكومة تشكيل لجنة لتحديث القطاع العام . و الواقع ان الدولة الأردنية بمختلف مكوناتها أخذت هذا الموضوع على محمل الجد منذ فاجعة مستشفى السلط الحكومي، و الذي اعتبر دليلا دامغا على تراجع الأداء الحكومي و الترهل في بعض المؤسسات و غياب الرقابة و المحاسبة.

التحرك الحكومي بإصلاح القطاع العام جريء و يحسب لهذه الحكومة، فالغريب في الأمر أنه رغم الضغط الشعبي و المطلب الجماهيري بإصلاح القطاع العام إلا أن هذا الملف حساس و قد يعرض الحكومة للنقد كونه يتطلب قرارات صعبة و غير شعبية خاصة للفئات المتضررة أو من يريد إصلاحاً على قياسه وبما يحقق مصالحه ، خاصة اذا صدقت الفرضية التي تعتبر أن الكثير من النشطاء والمعلقين عبر وسائل التواصل الاجتماعي و الصحف الإلكترونية الذين باتوا مؤثرين في الرأي العام هم من موظفي القطاع العام ،الذين يقضون ساعات بمتابعة وسائل التواصل الاجتماعي والتعليق على مجريات الحياه السياسية و الاقتصادية والاجتماعية بدل العمل ، فاذا ما تعرضت هذه الفئة للمحاسبة والرقابة ، فإنها ستصب جام غضبها على الحكومة و تحاول تقويض جهود الإصلاح ، على الأقل عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

الا ان التحرك الحكومي الان مبرر ومفهوم بالرغم من كلفته السياسية ، فقد أصبحت العيوب كبيره ومرئيه للقاصي والداني وعبئها كبير سواء على الموازنة او على الاقتصاد ككل ،اضافه طبعا الى عبئها على المواطن نفسه متلقي الخدمة و عبئها على الحكومة ، فالإخفاقات الإدارية و الخدمية لها ثمن سياسي و تؤدي لتأكل الثقة بين المواطن و الحكومة .

و بتشخيص مبسط للجهاز الحكومي تظهر لنا مظاهر الضعف الرئيسية و التي لا بد من التعامل معها : اولاً ثقافة الوظيفة العامة الراسخة و أثرها في البطالة ، فقد ثبت دولياً أن الدول التي يشتغل الشريحة الأكبر من قوتها العاملة في القطاع العام لديها النسب الأعلى من البطالة و تراجع في ريادة الأعمال و بالتالي تراجع معدل الدخل . ثانياً ، الكلفة المرتفعة للرواتب و التقاعد في القطاع العام التي تسببت بخنق الاقتصاد و محو الحيز المالي مما حد من القدرة على الاستثمار و القدرة على مواجهة الأزمات.

 ثالثاً ، تراجع الأداء الحكومي و عدم قدرته على مواكبة الطلب المتزايد على الخدمات و البنية التحتية أو الممارسات الأفضل عالمياً ، حيث بات الترهل في الجهاز الحكومي عائقاً امام الاستثمار و التنمية الاقتصادية و الاجتماعية إضافة الى إحراز تقدم في المجالات الصحية و الثقافية و التعليمية.

اما عن التدابير و التدخلات المطلوبة لإصلاح القطاع العام ، فهي عديدة و لكن قد يكون من أهمها التالي : أولاً ، مأسسة و اعتماد مبدأ الثواب و العقاب و تفعيل مواد نظام الخدمة المدنية و التشريعات الأخرى ذات العلاقة بشكل شامل لمعاقبة التقصير و الإهمال و المخالفات الإدارية و الفنية . ثانياً إدخال مفهوم التقييم الشامل للأداء أو ما يسمى تقييم 360 درجة و الذي يتيح لجميع المتعاملين مع الموظف سواء رئيسه أو مرؤوسه أو زملاؤه أو متلقي الخدمة من تقييم أدائه و ربط كافة المكافأت و الحوافز والترفيعات بنتائج تقييم الأداء بدلاً عن نظام المكافأت و العلاوات التلقائي المعمول به. ثالثاً ، تحديد المسمى الوظيفي و المهام لكل موظف عام و مسؤول و تحديد مؤشرات لتقييم الأداء لكل مسمى وظيفي و ذلك لوضوح عملية التقييم و المراجعة بعيداً عن العوامل الشخصية . 

رابعاً ، تدريب القيادات و الكوادر بشكل دوري و مكثف و ربط الترفيعات و تقدم المسار الوظيفي باجتياز الدورات و امتحانات الكفاءة الدورية. خامساً ، تعيين ذوي الكفاءة و المجتهدين فقط عن طريق تعديل نظام الخدمة المدنية لاستبدال نظام الدور التلقائي المعمول به في ديوان الخدمة المدنية بألية منصفة لإعطاء أولوية التعيين للأوائل و المتفوقين و أصحاب المهارات و من خلال لجان متخصصة محايدة بعيداً عن الواسطة و المحسوبية . سادساً ، ترسيخ أخلاقيات العمل و الالتزام و الفخر بالإنجاز من خلال التدريب و التوجيه و الحوافز و مكافحة ثقافة التسيب و التحايل على اللوائح والتعليمات و الأوامر الوظيفية . سابعاً ، أتمتة الإجراءات و الخدمات الحكومية و أنظمة الدفع مما يحد من الفساد الإداري و المالي و يزيد الكفاءة و يخفض الكلف . ثامناً ، التأسيس لهيئة أو جهة رقابية مستقلة تنظر في الأداء الإداري لأجهزة و مؤسسات الحكومة ، فديوان المحاسبة في الأردن معني بالأموال العامة و الإيرادات و النفقات الحكومية فقط دون النظر في الأداء والإجراءات الإدارية ، مما يستلزم وجود جهة رقابية عليا للكشف عن المخالفات الإدارية و الفنية لموظفي الحكومة و ضبط عيوب النظم الإدارية في الدولة و تحري أسباب القصور في العمل .

أخيراً لا أدري إذا كان الأداء المتردي محصوراً بالقطاع العام ، أم أنه انعكاس لحالة عامة أصابت المجتمع ، فلا القطاع الخاص و لا الجامعات أو حتى المؤسسات الأهلية و النوادي و غيرها باتت محصنة من هذه النزعة ، فالأداء المتوسط و غياب التميز أو ما يسمى بالانجليزية (Mediocre) أصبح سمة منتشرة ، و بعد أن كان الأردن في طليعة دول المنطقة في بنيته التحتية وخدماته و مؤسساته أو حتى مستوى مخرجاته التعليمية و الثقافية و الرياضية ، تقدم عنا الكثيرون الان و تراجع ترتيبنا بين أقراننا. فلا بد أذن من وقفة جادة و مراجعة صريحة لهذا الاتجاه في مجتمعنا و الوقوف عند عوامله و أسبابه .