صناعة المجوهرات في السعودية بين الفن والمهارة

جفرا نيوز - بريق الألماس ولمعان الذهب، مشهدان أخاذان بالنسبة إلى كثير من النساء في الخليج العربي، فهن من بين الأوائل اللواتي عشقن المعدن الأصفر ورصعه لهن التجار باللؤلؤ والأحجار الكريمة خلال القرون الماضية.
صناعة المجوهرات ازدهرت مع بداية تجارة اللؤلؤ، وعمل الغواصين في هذا المجال في السواحل الشرقية للسعودية، وظهور مهنة "الطواشة" بين تجار اللؤلؤ (وهي مهنة قائمة على شراء اللؤلؤ من الصيادين بعد جمعهم لها).

الحلي والمجوهرات للجميع

يقول عبد اللطيف النمر أحد أقدم صناع الذهب والمجوهرات في شرق السعودية "تحرص النساء بشكل عام على التزين بالمجوهرات والأحجار الكريمة، التي تمنح مظهرهن رونقاً خاصاً، ومنذ العصور الأولى اهتم تجار الذهب في الخليج والسعودية بتشكيلات المصوغات والحلي بعد فترة اكتشاف الذهب، وهي المرحلة التي شكلت بداية حركة سريعة في فن صناعة المجوهرات في دول الخليج العربي. ومع مرور السنوات تطورت تقنيات صناعة الذهب والزخرفة عليه، وتنوعت خطوط إنتاجه وتراوحت أسعاره حتى أصبحت الحلي الثمينة متاحة لعامة الناس بعد أن كانت مقتصرة على الأثرياء.

وتابع النمر" تفضل النساء الخليجيات عموماً والسعوديات خصوصاً التصاميم الفخمة والأطقم الكبيرة الحجم المرصعة بالألماس أو الأحجار الكريمة الطبيعية للمناسبات المهمة، أما المناسبات الصغيرة والاستخدام اليومي فتفضل المرأة القطع اللافتة مثل الخواتم المرصعة بالألماس، بينما تميل الشابات والفتيات للقطع الناعمة العملية التي يمكن ارتداؤها في شكل يومي".

شغف يتحول لتصاميم خلابة

 تسلك المجوهرات مساراً طويلاً لتصنيعها يمتد أشهراً في بعض الأحيان، والأمر فيه كثير من الدقة والحرفية، تحكي العنود الثنيان كيف ارتبطت حكايتها هي وشقيقتها الجازي الثنيان بهوايتهما منذ طفولتهما، وتقول "كنا نهوى الرسم ولدينا شغف للحلي والمجوهرات منذ الصغر، بابتكار مشغولات يدوية بسيطة ثم انتقلنا للتصاميم بمعدن الفضة، وشاركنا بعد ذلك في أحد المعارض المحلية وقدمنا تصاميمنا من الذهب والألماس التي حازت على إعجاب الزائرات، وانطلقنا في تنفيذ تصاميم أخرى مبتكرة".

وكان حلم الشقيقتين منذ نعومة أظفارهما أن تقتحما عالم المجوهرات، إذ اعتادتا رسم الحلي وابتكار تصاميم جديدة منها، وتشيران في حديثهما "إلى أن دخولهما إلى عالم تصميم المجوهرات لم يكن نابعاً من دراسة، بل من شغف وهواية بهذا الفن حتى جاءت مرحلة الاحتراف، وهي تجسيد لتصميمهما وعزيمتهما على تحقيق حلمهما الطفولي"، وبحسب العنود والجازي "فإن آلية عملهما تتضمن خطوات معينة تتمثل في رسم القطعة وتحديد شكلها من جميع الاتجاهات بتقنية ثلاثية الأبعاد، التي تحدد أيضاً وزن الذهب والأحجار الكريمة المستخدمة وحجم الألماس، وبعد اعتماد التصميم تصنعان قالباً للقطعة ثم تنفذانها، أما بالنسبة إلى الوقت المستغرق للتنفيذ فيعتمد على تصميم القطعة وحجمها ومدى دقة وتعقيد تفاصيلها".

ألوان نابضة بالحياة

الإتقان في العمل والحرفية العالية عاملان أساسيان، جعلا من المصممات السعوديات رائدات في مجال صناعة الحلي والمصوغات، وذلك ما وضع هذا القطاع في مراتب متقدمة على مستوى الاقتصاد السعودي. تشارك المصممة لينا الخريجي في معارض أوروبية بتصاميم مبتكرة للمجوهرات وحلي الزينة استلهمتها من أشكال موجودة في الطبيعة وحولتها إلى منحوتات فنية تمتاز بسعة الخيال، تنوعت بين الأنماط النباتية، وتداخل الخطوط المستقيمة تارة والمنحنية تارة أخرى، تمتزج فيها المعادن النفيسة مع الأحجار الكريمة، وتبين لينا في حديثها لـ"اندبندنت عربية" "أن منتجاتها من المجوهرات يغلب عليها النمط اليومي بخيارات متعددة منها البسيط أو بعض التصاميم التي تكون أكثر حدة"، وتعتبر "أنه ينبغي على المصممة أن تركز على خط معين من التصنيع للمجوهرات يتميز بتعدد خياراته التي تعطي المجوهرات طابعاً عصرياً وجديداً".

تصاميم من وحي التراث والتاريخ

ساره أبو داود عمدت إلى إعادة إحياء اللغة العربية بطريقتها الفنية الخاصة، إذ حولت الأحرف إلى مجوهرات مرصعة بالألماس والزمرد فجسدت تصاميم الأسماء للشابات، بحروف عربية وتروي أبو داود لـ"اندبندنت عربية" بداية شغفها في تصميم المنحوتات العربية "استخدمت حروف الهجاء العربية بعد أن لفتتني علاقة الفتيات بأسمائهن وطلبهن المتزايد على ابتكار أشكال جديدة بالخط العربي، والابتعاد عن الخطوط اللاتينية التي تبدو أكثر انتشاراً ووفرة، وهو ما دفعني لتصميم الأحرف والأسماء بطريقتي بطابع هندسي دقيق، وأوظف الحرف العربي في مجال المجوهرات لتتميز وتحافظ على قيمتها".

وصنعت ساره تناغماً بين الحرف العربي والأشكال الهندسية في تصاميمها من خلال إظهارها بطريقة جميلة تحيي الحرف "وهذا ما جعل كثيراً من السيدات الأجانب يطلبن تصاميم أسمائهن بالحروف العربية".

أسواق خاصة بالذهب

العملات النقدية المعدنية تعد أحد أهم المعالم التراثية والتاريخية في السعودية، وباتت تصميماً ذهبياً على يد ساره الداوود بعد أن استوحت في تصاميمها تراث وتاريخ بلادها، معتبرة أن فن تصميم المجوهرات لا بد أن يقوم بدوره في حفظ التاريخ والتراث كباقي صنوف الفنون الأخرى".

وترى المصممة ساره أن "كل قطعة مجوهرات تقدمها في تصاميمها لا بد أن تكون تعكس تاريخاً وحضارة سواء من التاريخ والموروث السعودي أو الخليجي بوجه عام".

وأدى ازدهار هذا المجال إلى نشأة أسواق خاصة بالذهب في أكثر المناطق السعودية، كما أن الصادرات من هذا القطاع تأتي في طليعة الصادرات الصناعية السعودية إلى الخارج، وتتنوع أسواق التصدير بين ما هو للدول العربية والخليجية وما يستهدف أسواق أوروبية.