نحن لسنا بخير
جفرا نيوز - كتب - جهاد المنسي
نحن لسنا بخير، فقد تغير طعم الشاي، ولون الورد، واختفت روائح الياسمين، وتغيرت رائحة الشيح، والريحان والزعتر، فقد قضمنا الإسمنت، وسرق منا ذكريات الطفولة ومدارج الصبا، وشقاوة الشباب، كما سرق منا ألعابنا البسيطة.
نحن لسنا بخير، فقد قل صبرنا، ولم نعد نتحمل بعضنا بعضا، فكثرت جرائم القتل، ولم يعد جارك القريب خيرا من أخيك البعيد، ولم يعد يعرف صغارنا مناقب الجار الذي كاد الرسول الكريم أن يورثه، نحن لسنا بخير، كيف لنا أن نكون بخير وقد بات بَعضُنَا ينهش بَعضنَا، وبتنا أكثر تقوقعا بحثا عن هويات فرعية ومناطقية وعرقية وقبلية وجهوية، وبات بَعضُنَا يَرَوْن أنفسهم أكبر.
نحن لسنا بخير، وكيف لنا أن نكون، وقد هجرنا الزراعة ونسيناها، وتركنا الصناعة، وبتنا نعتمد على المنتج الصيني والتايواني والكوري والياباني لتسيير اعمالنا، ونحن لسنا بخير وعدد الناجحين منا في التجارة أقل بكثير من أي دولة ممكنة.
نحن لسنا بخير، طالما نبتعد عن ثقافة الدولة وننغمس في ثقافات اخرى، ولسنا بخير حين نتغاضى عن مثالب دول ونهلل ونطبل ونزمر لها وننسى دولتنا، نحن لسنا بخير حين يتناسى البعض ان عمان عاصمتنا وهي للجميع وعلينا حمايتها بهدبات العين، وأنها عندما أرخت جدائلها لم ترخها إلا للمجد، وأن المجد وحده من يحق له تقبيل عماننا بين العينين.
نحن لسنا بخير، وكيف لنا أن نكون، وقد بتنا ننساق خلف فبركات وأكاذيب، ونردد ما يستهوي أسماعنا دون تدقيق أو تمحيص، ولسنا بخير ونحن نخلط بين الشخصي والعام، وبين الحرية، وحرية التعبير من جهة، وبين الشتم والذم والقَدْح، فلا الحرية تستقيم مع الشتم ولا التعبير يستوي مع الذم.
نعم نحن لسنا بخير فقد تغير علينا غورنا وبحرنا ومطارنا وميناؤنا، ولسنا بخير لأن طعم الماء في الفم بات علقما وحنظلا، وكيف له أن يكون غير ذلك وهو يأتي ممن يهين مقدساتنا ويعتدي عليها، ونشتريه ممن سرق مياهنا.
نحن لسنا بخير، ولن نكون بخير طالما غازنا يأتي من صهاينة قتلوا أجدادنا وآباءنا واغتصبوا أرضنا ووجهوا فوهة البنادق نحو جيشنا، ونحن لسنا بخير طالما بتنا نسكت عندما نسمع عن متعاط أو تاجر مخدرات في الحي، وكيف يكون ذاك وقد كنّا سابقا نرفض أن يكون أولئك بين ظهرانينا، وكنا نتعامل معهم كوباء، ولسنا بخير طالما يوجد أبواق يمثلون دولا استضافتهم وعملوا فيها ومن منصاتها يهاجمون الأردن وطنا وشعبا، وهم لا يستطيعون النظر خلفهم لرؤية ما لا يريدون رؤيته ويتغاضون عنه.
نحن لسنا بخير عندما يصبح التعامل مع المحتل والتطبيع وجهة نظر، وفكرة قابلة للحوار، وقتذاك لن نكون بخير أبدا وقد لا نكون بخير مطلقا طالما ظهر بيننا من يناقشنا في التطبيع ولا يعرف قيمة الأسرى ولا يقرأ عن معاناتهم، ولا يعرف قيمة الشعب الأردني ولم يقرأ عن تلاحمه.
نحن لسنا بخير عندما نستثمر مكنوننا التاريخي ورواياته الشعبية وأحيانا نزور بعض صفحات التاريخ في البحث عن بطولات وهمية لأشخاص ماتوا وانتهوا، ونحن لسنا بخير ونحن نرى كرة قدم تفعل بِنَا أفاعيلها.
نحن لسنا بخير ونحن ما زلنا نسكت عن الواسطة والمحسوبية ونقبل أن يأخذ بَعضُنَا حق البعض الآخر، ولسنا بخير طالما يوجد هناك من يقبل أخذ مكان لا يستحقه، وطالما بقيت قوائم الاستثناءات في قبول الحامعات أعلى من التنافس، ولسنا بخير عندما نفرق بين أبناء الشعب الواحد في القبول الجامعي، وعندما نتجاوز عن سيادة القانون.