من وحي المئوية 43 حول رؤساء الوزارات
جفرا نيوز - د. جواد العناني
حسب الاحصاءات التي جمعتها، وبعضها يظهر على شاشات المحطات التلفزيونية المحلية، فإن عدد الذين تبوأوا منصب رئيس وزراء الأردن قد بلغ ثلاثة وأربعين رئيساً، شكلوا (103) حكومات، هذا عدا التعديلات الوزارية التي لا حصر لها.
وقد كان أكثر المكلفين بتشكيل الوزارة هو توفيق أبو الهدى الذي ألّف الحكومة اثنتي عشرة مره، تلاه كل من سمير الرفاعي، وبهجت التلهوني والذين شكل كل منهما الوزارة ست مرات، ومن بعدهما ابراهيم هاشم ووصفي التل بخمس مرات لكل منهما، وشكلها أربع مرات كل من سعيد المفتي وزيد الرفاعي ومضر بدران، وثلاث مرات كل من حسن خالد أبوالهدى، والشريف حسين بن ناصر، والأمير زيد بن شاكر وعلي أبو الراغب. أما مَنْ شكلها مرتين فهم كل من رشيد طليع، مظهر رسلان، علي رضا الركابي، هزاع المجالي، سعد جمعه، عبدالمنعم الرفاعي، أحمد اللوزي، عبدالسلام المجالي، فايز الطراونة، معروف البخيت، وسمير زيد الرفاعي، وعبدالله النسور وهاني الملقي، أو ثلاثة عشر رئيساً.
أما الذين شكلوها مرة واحدة فقد بلغ عددهم ثمانية عشر وهم عبدالله سراج، فوزي الملقي، سليمان النابلسي، حسين فخري الخالدي، محمد داوود، أحمد طوقان، الشريف عبدالحميد شرف، قاسم الريماوي، أحمد عبيدات، طاهر المصري، عبدالكريم الكباريتي، عبدالرؤوف الروابدة، فيصل الفايز، عدنان بدران، عون الخصاونة، نادر الذهبي، عمر الرزاز، وبشر الخصاونة (حتى الآن).
وقد وجدت أن أطول الحكومات مدة كانت الحكومة الأولى لإبراهيم هاشم والتي عملت من 13/10/1933- 27/9/1938، أو ما يقارب الخمس سنوات، وثانيها حكومة زيد الرفاعي الأخيرة الممتدة من 4/4/1985 وحتى 24/4/1989، أو أكثر بأيام من أربع سنوات، وحكومة مضر بدران الثالثة الممتدة من 28/8/1980 وحتى 10/1/1984، أي ثلاث سنوات وخمسة أشهر تقريباً.
أما أقصر حكومتين في تاريخ الأردن فهما حكومة هزاع المجالي الأولى، والتي بقيت لمدة ستة أيام عام 1955، وحكومة محمد داوود التي بقيت لمدة اختلفت المصادر على مدتها (من ثمانية إلى عشرة أيام في شهر) أيلول(سيبتمبر عام 1970).
وقد تكرر بعض رؤساء الوزراء أكثر من غيرهم في تشكيل الحكومات ولكن بعضها لم يدم طويلاً مثل حكومات توفيق أبو الهدى، وبهجت التلهوني، وبعضهم عمل مدة متواصلة وشكل أكثر من حكومة متتالية مثل علي أبو الراغب والذي استمر أربع سنوات.
ولعل أكثر السنوات التي شهدت عدداً من رؤساء الوزارات كانت عامي 1967 وَ 1970، حيث شهد عام 1967 كلاً من بهجت التلهوني (تكملة حكومته الأولى وحكومته الثانية)، وصفي التل، الشريف حسين بن ناصر، وسعد جمعه. أما عام 1970، فقد تردد عليه رؤساء الوزراء بهجت التلهوني، عبدالمنعم الرفاعي، محمد داوود، أحمد طوقان، ووصفي التل.
ولو أخذنا المدة منذ تشكيل الحكومة الأولى وهي حكومة رشيد طليع بتاريخ 11/4/1921 وحتى تاريخ هذا اليوم، وقسمنا الفترة على عدد الحكومات، لرأينا معدل عمر الحكومات في الأردن يقل عن سنة ويبلغ حوالي (357) يوماً، أو أقل بثمانية أيام عن العام الواحد.
وقد عين رشيد طليع (لبناني من الطائفة الدرزية) أول رئيس للوزراء، وكان مجلس الوزراء يسمى آنئذ » مجلس المشاورين»، وقد شهد عهد الإمارة ثمانية أشخاص استلموا منصب رئيس الوزراء وهم رشيد طليع، مظهر رسلان، علي رضا الركابي، حسن خالد أبو الهدى، الشيخ عبدالله سراج، ابراهيم هاشم، توفيق أبوالهدى وسمير الرفاعي.
وهنالك من يتساءل: هل رئيس الوزراء هو رئيس على الوزراء كلهم بصفتهم الفردية الرسمية لأنه هو الذي ينسب بهم. ولأنه كذلك الشخص الذي إذا استقال انتهى عمر الحكومة معه بقبول الاستقالة؟ أم أنه الوزير الأول بمعنى أنه الأول بين وزراء متساوين؟ وبمعنى آخر هل هو رئيس الوزراء أم رئيس مجلس الوزراء؟ وبغض النظر عن التفسير، إلا أن رئيس الوزراء يمارس دور الرئيس على كل الوزراء، ومن يصطدم معه، أو يناكفه، أو لا يؤدي دوره على الوجه المطلوب، أو يفقد ثقة مجلس النواب، فإن الرئيس ينسب إلى الملك بقبول استقالته أو انهاء عمله كوزير.
وهنالك من يقول أن منصب رئيس الوزراء حكر على بعض المتنفذين من المسؤولين القريبين من الملك، وهذا لا تؤيده الشواهد بشكل خاص. ولو نظرنا إلى من يحملون نفس اسم العائلة ممن أصبح منهم رئيساً للوزراء بشخصين أو أكثر، فهؤلاء هم ست عائلات. أولهم الأشراف ومنهم حسين بن ناصر، وعبدالحميد شرف، وزيد بن شاكر، ومنهم عائلة الرفاعي التي أتى منها أربعة رؤساء وزراء هم سمير الرفاعي (الجد) وأخوه عبدالمنعم الرفاعي وزيد سمير الرفاعي، وسمير زيد الرفاعي، ولا ننسى أن جد سمير زيد الرفاعي لأمه هو بهجت التلهوني وقريبه بالمصاهرة كل من هزاع المجالي وفيصل الفايز.
وهنالك بالطبع أسرة المجالي الذين شكل الحكومة منهم كل من هزاع المجالي وعبدالسلام المجالي، وأسرة الملقى التي تولى هذا المنصب منها كل من فوزي الملقي وولده هاني الملقي. وأخيراً عائلة الخصاونة التي قدمت رئيسين هما عون الخصاونة وبشر الخصاونة.
وهنالك الكثير من رؤساء الوزارات الذين أتوا من عائلات متوسطة أو أسر من عامة الشعب الأردني. وقد كان هؤلاء يختارون حسب الكفاءة التي أظهروها في مراكز سابقة، أو بحسب تجاربهم في الادارة العامة. وحيث أن نسبة التعليم في الثلاثين السنة الأولى من عمر الدولة كانت منخفضة، فقد جاء رجالات الدولة من أصحاب التجارب ومن الذين ناصروا الثورة العربية الكبرى. وحسب القول الدارج، فإن أول رئيس وزراء من العائلات شرق الأردنية كان هزاع المجالي عام 1955، أي بعد 34 سنة من بداية الدولة. ولقد كان الأوائل الذين سبقوه من أصول لبنانية، وسوريه، وحجازية، وفلسطينية وشركسية(سعيد المفتي).
وقد تولى رئاسة الوزراء ثلاثة من الأشراف وهم حسين بن ناصر، وعبدالحميد شرف، وزيد بن شاكر. وقد كان الشريف حسين بن ناصر والأمير زيد بن شاكر يُدْعَون ليكونوا رؤساء وزراء تجسيريين حتى يقرر الملك من يختار، أو حتى تعبر البلاد حالة فتنة أو تحول كبير. أما الشريف عبدالحميد شرف فقد بدأ حياته معارضاً وقومياً خاصة أثناء دراسته كطالب، ولربما كان أصغر وزير شغل هذا المنصب في تاريخ الأردن عندما عين وزيراً للاعلام عام 1965 في حكومة وصفي التل. وقد كان عمره آنذاك 25 عاماً ولكن موته المبكر يوم 3/7/1980 أو بعد أقل من سبعة أشهر على تشكيل الحكومة وضع حداً لفترة رئيس متميز.
هنالك رؤساء وزراء تركوا أثراً واضحاً في ذاكرة الناس، وصاروا نقاطاً مرجعية. وفي رأيي أن أكثر خمسة رؤساء وزراء تركوا أثراً وبقوا في ذاكرة الناس هم حسب اقدميتهم توفيق أبو الهدى، سمير الرفاعي، وصفي التل، سليمان النابلسي، وعبدالحميد شرف، وبالطبع فإن هذا لا يقلل من قيمة الآخرين.
أما توفيق أبوالهدى فهو التزامه الأكيد بالدستور وبهيبة الدولة، وقد كلف اثنتي عشرة مره بتأليف الحكومة إما على التوالي او بشكل متقطع، ولكن كان في كل مناصبه دقيقاً في العمل، ورجل روتين واضح لايظلم، ولا شك أن موقفه بجانب الراحلة الملكة زين الشرف لتثبيت ولاية العهد للملك الحسين بن طلال العظيم بعد تنحي والده الملك طلال بن عبدالله أتت بسبب التزام توفيق أبوالهدى بالدستور. وقد أرسى كثيراً من الأنظمة والأعراف في إدارة الشأن العام.
أما سمير الرفاعي فهو رجل دولة بامتياز هو الآخر. وقد حافظ طيلة أيام حكمه على هيبة الحكومة. وجعل منصب رئيس الوزراء منصباً محترماً لا يُمس، ومع أن شعبيته بين الناس لم تكن مرتفعة، إلا أنه كوَّن فريقاً من الأعوان والمتحمسين له بكل قوة، فأسس بذلك شكلاً واضحاً للموالاة والمعارضة للحكومات في الأردن. ويحسب له أنه أسس لعائلته بحيث أنها تولت شؤون الولاية العامة في الأردن، وبقيت مستمرة حتى الآن ومن المرجح في المستقبل.
أما وصفي التل، فهو من أكثر الرجال التصاقاً بذاكرة الأردنيين. وقد نجح في مخاطبة وجدانهم كما فعل والده مصطفى وهبي التل(عرار) في أشعاره. وقد تحدث عن القيم الفيزيوقراطية وبخاصة الزراعة والعودة للأرض والاعتماد على الذات وانصاف المحتاجين. إن وعيه الاجتماعي يستحق الإشادة. وموقفه من القضية الفلسطينية كان مميزاً دائماً، ولكن أحداث عام 1970 جعلت منه خصماً لمن أرادوا الانقلاب على الشرعية في الأردن، وليس خصماً للفلسطينيين.
أما سليمان النابلسي فيكتب له أنه كان رجلاً وطنياً ومؤسساً لحزب ايديولوجي أردني الصبغة. وقد سميت حكومته عام 1957، والتي أتت بعد العمل البديع الذي قام به جلالة المرحوم الملك الحسين بتعريب الجيش من القيادة الانجليزية برئاسة » جون جلوب»، وسميت بالحكومة الحزبية. ولكن محاولة الانقلاب التي حصلت، وانخراط عدد قليل من وزارائه فيها، قلبت الطاولة ولم تدم حكومته طويلاً. ولكنها بقيت في ذاكرة الحزبيين رمزاً لفترة وجيزة يجب أن يبنى على مفهومها للاصلاح السياسي، ولذلك فإن رمزية هذه الحكومة أهم من انجازاتها.
أما عبدالحميد شرف، فقد أتى بحكومة برامجية تنموية. سعت لانخراط رجالات الأحزاب السابقين فيها، وفتحت الباب أمام المعروفين آنذاك بقدراتهم التكنوقراطية. وقد كان بيانه الداعي إلى الوحدة وانتظام السلوك الانتاجي، وتحسين التعليم، وضبط الاستهلاك وترشيده. ومن علامات حكومته الفارقة أنه ادخل أول امرأه إلى الحكومة المرحومة انعام المفتي. وقد كان لي شرف دخول هذه الحكومة كوزير تكنوقراط.
ولا بد أن أشيد بمضر بدران الذي شهد عهده بناءً قوياً في الأردن، وبخاصة حكومته الأولى وكذلك تحمل النقد اللاذع من قبل المعارضة التي دخلت مجلس النواب عام 1989 ولا بد أن اذكر حكومة زيد الرفاعي الأولى التي واجهت التضخم وتراجع الأحوال بعد ارتفاع اسعار النفط. ولكنها سعت بكل قوتها لوضع سياسة لترميم دخل الفقراء عن طريق انشاء وزارة التموين.
ولا أنسى بالطبع دولة الرئيس عبدالسلام المجالي. الرجل الذي قاد عملية السلام، واستطاع أن يتجاوز مرحلة ما بعد المديونية وهبوط سعر الدينار. وأن يعود في حكومته الثانية ليتخذ قرارات هامة كثيرة، وكان اسلوب ادارته متميزاً، في السماح لوزرائه بممارسة نشاطاتهم بأقصى امكاناتهم.
وأخيراً لا بد أن نتذكر أسماء شخصيات اقتربت من منصب رئيس الوزراء، وبعضهم كان يستحقه بجداره، ولكن لم يحصل عليه. ومن هؤلاء مثلاً المرحوم أحمد الطراونة الذي عمل رئيساً للأعيان وللمجلس الوطني الاستشاري ورئيساً للديوان الملكي العامر. ومنهم كذلك عدنان أبوعوده الذي كان من أكثر الناس قرباً من الراحل الملك الحسين، وتولى منصب رئيس للديوان الملكي ومستشاراً لجلالة الملك ووزيراً للاعلام. وقد كان شجاعاً وأفكاره كانت مثيرة للجدل. واستذكر أيضاً ذوقان الهنداوي في هذا المجال.وهنالك آخرون أمثال المرحوم عاكف الفايز الذي تولى رئاسة مجلس النواب أكثر من مره، وكان زعيماً عشائرياً وطنياً بكل معنى الكلمة.
والقائمة هنا تطول، ولكنني سأكتفي بهذا القدر. الأردن أنجب رجالاً جديرين ونساءً جديرات، وأرجو مع الأيام أن نرى مع تطور الحياة السياسية بروز قيادات قوية فعالة ذات همة وخلق.