عبد الله.. معاناة شاب بإعاقة عقلية متوسطة أدمن التدخين في سن الخامسة


جفرا نيوز - شيمآ ابو لباد 

‎كان مكتوبًا على الشاب عبد الله أن يتّخذ من سيجارته طيلة الخمسة عشر عامًا في حياتهِ صديقةً له نتيجة لعدّة ظروف وتحديات مرضيّة أليمة مرّ بها وأدّت إلى فقدانه جزءاً كبيراً من سيطرتهِ على دماغه وهو ما يُسمّى ب "الإعاقة العقلية المتوسطة".

‎يبلغ الشاب عبد الله الآن عشرين عامًا ورغم أنه لا يزال في مُقتبل العمر إلّا أنّ تلك العشرين عامًا الماضية كانت بالنسبة له ولوالديهِ تحدّيًا كبيرًا ومن أكثر الأعوام مرارة في حياتهم وذلك بسبب معاناتهم معه في سبيل تخليصه من آفة التدخين.

التدخين في سنّ مُبكّرة

‎ بِأسىً إنسانيّ مُغلّفٍ بالإيمان بقضاء الله سبحانه وتعالى تسرد والدة عبد الله السيدة آمنة الحسن قصّة فَلَذَة كَبدها قائلةً:

 في الخامسة من عمره من عمرهِ؛ كان عبد الله يقوم بإشعال الورق بعد أنْ يلفّه على شكل سيجارة تقليدًا للكبارِ الموجودين في محيطه البيئي في تدخينهم، إضافة لقيام الكثير من المدخنين حوله بتشجيعه على التدخين، فقد كان من السهل التأثير على تفكيره في هذا الأمر بسبب مرضه وقلّة استيعابه لعواقب الأمور وسوء فهمه لها وعدم إدراكه لمضار التدخين، حيث لم يكن مدركًا لخطورة الموضوع وتعقيده.

وتضيف والدة عبد الله: بسبب تكرار محاولاتهِ في التدخين زاد قلق والديه على وضعه الصحيّ والنفسيّ، بسبب عجزهم عن منعه من التدخين، علاوةً على قيامه بإيذاء نفسه وعدم إدراكه للضّرر الناتج عن التدخين بسبب معاناته من الاضطرابات العقلية وعدم تركيزه وفهمه للأضرار الناجمة عن التدخين.


‎ويذكر انه من الخصائص العقلية للأشخاص ذوي الإعاقة العقلية المتوسطة أنهم يواجهون صعوبات في العمليات العقلية مثل الإدراك والتفكير والقدرة على الفهم والمحاكمة وعدم تحمل المسؤوليّة ويتميّزون بسرعة التأثر من تصرفات الآخرين 
    نشر بتاريخ15 /2/2018 المصدر: موقع الميدان الإلكتروني 


عادات تقود الى الإدمان والتدخين
 
مع مرور الوقت تطوّر هذا الأمر مع عبد الله حتى صار يقلّد الكبار والبالغين ممّن هم حوله بتدخين أعقاب السّجائر التي كان يجدها في المنافض أو يقوم بتناولها من أي مكان يجدها فيه حتّى لو كانت متّسخة ملوّثة وهذا ما زاد الأمر تعقيدًا.

‎مرّت الأيام حتى أصبح هذا الطفل يتناول السجائر من علبة والده بدون علمه حتى أن والدته عندما كانت تكشفه تحاول أن تمنعه أو تضطرّ لعقابه بالقوّة من أجل ردعه لكنّها لم ترَ أي نتيجة تُذكَر، مما أدّى إلى أن أصبح هذا الطفل يتعلّق نفسيًّا بذلك السُّم من دون دراية أو تقدير لعاقبة الأمور

وقال الشاب عبد الله أنه في ذلك الوقت وعندما كان يدخن أعقاب سجائر الناس لم يكن يدرك أنها تحمل الأوساخ والاضرار الصحية الكبيرة لأنه كان طفل ولا يدرك ذلك، وأضاف عبد الله الى أن الكثير من الكبار كانوا يشجعونه على التدخين من خلال تصويره مقاطع فيديو ونشرها مما جعله يعتقد أن ذلك تصرف مهم وملفت للنظر لذا كان ذلك من أكثر الأسباب التي جرَت عبد الله لطريق ذلك السم الأسود


نتائج نفسية سببها التدخين

وتصف السيّدة الحسن حالة ابنها بالقول: عندما بلغَ الثامنة من العمر وبعد أن أيقَنَت أنه لم يعد بإمكانهم السّيطرة عليه أو ردعه في هذا العُمر بسبب خوفهما من لجوئه إلى أساليب أُخرى أكثر ضررًا وعواقبًا لشراء علبة السجائر؛ وهذا بعد اكتشافها أنه يقوم بشراء السجائر من مصروفه الشخصي واستمرّ على هذا المِنوال حتّى بلغ العاشرة من عمره حيث لاحظ الوالدين بعد هذا العام أنّ الأساليب الكثيرة التي استخدمها الوالدين معه منها الطبيب النفسي والضغط عليه حتى يبتعد عن هذا السم باءت بالفشل وباتت غير مُجدية ومن دون أدنى نتيجة، إضافةً إلى أنّ هذا الطفل كان بحاجة إلى معاملة خاصّة فهو في حقيقة الأمر يبلغ عمرًا عقليًّا أقل من عمره الجسديّ ومن هُنا بدأت عُقدة المشكلة، أو بالأحرى هنا كان عُمق المأساة!

‎واستمرّت معاناة الأهل وأصبح التحدي أكبر بعد بلوغه سن الثانية عشرة حيث أصبح الآن من غير  الممكن أن يتخلّى عن التدخين فقد بلغ مرحلة متقدمة من التعلُّق به، وحين كان الوالدان يمنعانه من ذلك كان يحصل عراك في البيت قد يؤدي الى أذى كبير في نفسه ويؤثّر على نفسيته ممّا أدّى إلى وضعه في ضغط نفسي أكبر، فما كان منهما مع كامل الأسف إلّا أن يستسلما للأمر الواقع؛  وما كان للأب إلا أن يبدأ بشراء السجائر لولده خوفًا على ابنه من اللجوء إلى طريقة أخرى لشراء الدخان فيصبحوا في مأزقٍ أكبر ومشاكل أخرى لم يحسبوا لها حسابًا.

‎ورغم أنّ الأمر كان بالنسبة للأهل مريرًا ومؤذيًا، إلّا أنّ ذلك الخيار كان بالنسبة لهم الخيار الأسلم والأقل ضررًا، على الأقل في هذه الفترة، لكن الأهل لم يكونوا مدركين لحجم الضرر كما كانوا يتخيّلون أو على أملٍ بأنّه عندما يكبر سوف يصبح أكثر وعيًا وإدراكًا لمصلحته الشخصيّة وسوف يبتعد عن التدخين، وكان ذلك أملهم الصادق.

‎ها هو عبد الله اليوم على أعتاب العشرين،ورغم محاولات الأهل الكثيرة من أجل إيقافه عن هذا الدرب بطرق عديدة مثل الإغراءات الماديّة وشراء كل شيء يتمناه وتوفير كل متطلباته من باب إيجاد البدائل الممكنة، إلا أن كل هذا باء بالفشل حيث أنه بعمر التاسعة عشرة قام بترك التدخين لمدة ثمانية أشهر ثم عاد له من جديد، والسبب أنه كان يدخن الأرجيلة بدلًا من السجائر وبعد هذه الفترة وجد أن السجائر تفي له بالغرض أكثر من الأرجيلة

أثار سلبيّة للتدخين على الصحة 

‎وبعد ذلك ومع مرور السنين امتدادًا من عمر الخامسة حتى عمر العشرين، بات أثر التدخين واضحًا على صحة ذلك الشاب بشكل مؤسف، فظهر ذلك عليه بصورٍ مختلفة من صداعٍ دائم وفقدان أسنانه وتغيّر بارز في ملامح وجهه وكأنه يبلغ عمرًا أكبر من عمره بالإضافة الى التعب والإرهاق الذي يرافقه عند القيام بأدنى مجهود له وهكذا هو حال الكثير من شبابنا اليوم. 

وبحسب دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية تذكر أن تعاطي التبغ سبب قوي للإدمان ومضر بالصحة الإضافة إلى أمراض الأسنان المختلفة 

ومن الجدير بالذكر انّ السجائر تحتوي جزيئات صغيرة كاشطة جداً للأسنان، وعندما يتم خلطها مع اللعاب، يتم إنشاء عجينة ترتدي الأسنان مع مرور الوقت وتؤدي الى زيادة البكتيريا، والالتهاب، هذه المشاكل يمكن أن تؤدي إلى فقدان الأسنان وأيضا تجعل من الصعب استبدال أجزاء الأسنان المفقودة

وكشفت الدراسة التي نُشرت في دورية (The Journal of Physiology) العلمية لأول مرة، أن تأثير دخان التبغ على العضلات أكبر بكثير مما كان يُعتقد في السابق.

وأنّ التدخين يؤثر على الأوعية الدموية والشرايين الدقيقة الموجودة في العضلات، ويقلِّل عددها وسعتها، ما يسبّب تصلُّب الشرايين، ونقص كمية الأكسجين الواصل للعضلات، ويؤدي إلى الإصابة بمتلازمة التعب بشكل سريع جدًّا. "المصدر: موقع (SCIENTIFIC AMERICAN للعلم ) -منشورة بتاريخ7/يونيو/2018"

وتبقى الأسئلة المريرة تبحث عن إجاباتِها المُطمئِنة:

 إلى متى سيبقى عبد الله وغيره من الشباب سُجناء عادة قاتلة؟!

 إلى متى سيستنزف التدخين أرواحهم بهذه الصورة المؤسفة؟!

 وإلى متى سيستمر هذا المسلسل يروي قصص شباب يضيعون في هذه المتاهة اللامتناهية؟ أولئك الذين أمنيتهم التوقف عن التدخين الذي بات ينهش أجسادهم كالنار في الهشيم، ذاك الذي أحرق زهرة شبابهم في أولى محطات هذا العمر؟
 إلى متى سيبقى التوقف عن التدخين حلم أو شيء من الخيال؟ وإلى متى ستندثر الصحة كأنّها سراب؟ وإلى متى سيبقى موضوع التوقف عن التدخين كذبة ظنناها حقيقة.. غير انّها الوهم الأشدّ رُعباً من بين الأوهام؟!


الصورة الخاصة بالتقرير نقلت من الـ(BBC)