حصيلة الربيع العربي

جفرا نيوز- بقلم المحامي علاء مصلح الكايد


قال جلالة الملك في مستهلّ خطاب العرش السّامي يوم أمس " لقد أثبتت التجارب من حولنا أن الانتقال ضمن برامج واضحة، هو الطريق الآمن لتحقيق التحديث المطلوب، حفاظا على المكتسبات وحماية للاستقرار، ونحن عازمون على السير في هذا الاتجاه بمسؤولية ودون تردد أو تأخير، لتعزيز مصادر قوة الدولة، مجتمعا ومؤسسات ".

يؤكد هذا التوصيف الحقيقة الظاهرة بأن الشعوب التي إختارت التحول المباشر نحو التغيير الجذري في منطقتنا لم تجني الحد الأدنى ممّا كانت تصبو إليه من ثمار، بل إن النتائج جاءت عكسية فهددت وأهدرت الأمن المجتمعي وثروات الأوطان وأدت إلى تشريح المجتمعات وفصلت الهويات الفرعية عن الأم وضاع من عمر الغالبية الساحقة من تلك الشعوب عشرة أعوام كاملة لم تحُل دونها والتقدم فحسب بل أدّت إلى تأخّر يفوق في حقيقته تلك المدة بكثير، وفتح ذلك الثغرات ليتوغل التطرف بصوره المختلفة ليجعل من المنطقة مسرحاً للدّم، ولعلّ الشقيقة مصر هي الوحيدة التي إستدركت الواقع وتعاملت معه بشيء من السرعة لكن الكلفة كانت عالية كذلك.

لقد أثبت ما سمي بالربيع العربي أن الشعوب كانت جاهزة لتنزل إلى الميادين فقط، ولم تكن مجهزة لتصنع التغيير، أو لتحافظ على المكتسبات على أقل تقدير، ففاقد الشيء لا يعطيه، وكان ما يلزم في تلك المرحلة أن تتهيّأ الظروف لتعرف تلك الشعوب معنى الديمقراطية وقبول الآخر والنظر إلى الأوطان بعين واسعة لا من زاوية ضيقة، وجاءت النتائج سلبية حتى لدى من كان يُعتقد أنها من الشعوب المؤهلة سياسياً، لكن كل تجارب الماضي البعيد والقريب تؤكد أن تلك مسائل مستحيلة في الغالب، إذ أن الواصلين إلى السلطة حينئذ سيعمدون إلى إنتهاج سياسة التفريق خشية من تشكل جبهات صلبة تعيد الكَرّة فتقصيهم كما واجه أسلافهم، ومن النادر أن شهِد العالم ثورة أو إنقلاباً عمل فيه الواصلون الجدد على إعادة ترتيب البيت الداخلي، وكم من بديلٍ كان أكثر بطشاً وأشد ضراوة من سلفه.

إن التدرج هو المسار الآمن الذي يتيح للدول والمجتمعات الإنتقال السّلس نحو التحديث والتطوير ضمن معادلة مدروسة تحفظ المكتسبات جميعها وتبني عليها، فبناء الدولة الهرميّ يحتاج آلية هندسية تعتني بتفاصيله لدى صيانته، والتدرج المبني على تشخيص دقيق للواقع وحسابات مدروسة لكيفية التغيير هي ضمانات التحول الآمن، ولا يكفي ذلك وحده ما لم تشترك أركان الهرم جميعها بالتحرك المدروس هذا، والإيمان بضرورته وحتميته.

لقد أحسن الأردن بقيادته الحكيمة وشعبه الوفي النأي بنفسه عن أتون نار حرقت وما زالت تحرق جبهات عديدة حولنا، لكنه اليوم أمام إختبار من نوع جديد يتطلب السير نحو الأمام ليراكم الإنجاز على ما تحقق بعون الله وتوفيقه.