العناني يكتب: من وحي المئوية (40) الجامعات الأردنية الرسمية

جفرا نيوز - د. جواد العناني
سوف يقتصر حديثي اليوم على الجامعات الأردنية الرسميّة، ولن أقوم بعرض تاريخها، بل سأتحدث عن ذكرياتي معها وفيها.

في عام 1962 صدرت الارادة الملكية السامية بانشاء الجامعة الأردنية، وقامت الحكومة الأردنية برئاسة المرحوم وصفي التل بالسير فوراً في تخصيص الأرض بالجبيهة بحدود ألف دونم (أو كيلومتر مربع)، وأقامت ثلاثة مبانٍ لتبدأ الدراسة بكلية الآداب، وبسبعة عشر استاذاً من مختلف الرتب، و67 طالباً منهم سبع عشرة فتاة، وعين المرحوم الدكتور ناصر الدين الأسد أول رئيس لها، ودولة المرحوم سمير الرفاعي أول رئيس مجلس أمناء لها.

ولما تخرجت من الجامعة الأميركية بالقاهرة لأنني تركت الولايات المتحدة بعدما غيرت تخصصي من الهندسة المدنية للاقتصاد بناء على اتفاق مع المرحوم والدي، تقدمت بطلب لكي اصبح معيداً بالجامعة الأردنية أملاً في الحصول على بعثة دراسية. ولكن مقابلتي مع عميد كلية الاقتصاد والتجارة آنذاك لم تسر كما بجب، لأن الدكتور رشيد الدقر لم يعجب بجامعتي وأنا احتججت على ذلك، وذهبت للبنك المركزي حيث عُينت باحثاً اقتصادياً.

ودارت الأيام، وأرسلني البنك المركزي في بعثة ماجستير عام 1969 وعدت مطلع عام 1971. وأُرسلت بعد سنتين ونصف عام 1973 إلى الولايات المتحدة وعدت بالدكتوراة منتصف عام 1975، وصرت رئيساً لدائرة الأبحاث الاقتصادية في البنك آنذاك. حينها كان عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في الجامعة الأردنية المرحوم الدكتور كامل أبو جابر الذي طلبني من البنك المركزي لكي أُدرس مادتين لطلبة الاقتصاد بالجامعة. ولقد كنت أيامها حوالي 32 سنة من عمري ومتزوجاً وعندي بنت اسمها ديمه وزوجتي حامل بابني أحمد. ولقد استطعت التفاعل مع الطلاب، وأن?اصبح لكثير منهم القدوة.

ومثلما تعلمت على الانفتاح مع المدرسين طوال سنوات دراستي، فقد انفتحت بدوري على الطلاب. وقد امضيت ما يقارب خمس سنوات ونصف السنة مدرساً غير متفرغ في الجامعة. ومن طلابي من أصبح أستاذاً جامعياً، أو وزيراً، أو وكيل وزارة، أو رجل اعمال ناجحاً. وأذكر أن احد الطلاب كان اسمه » فارس عوض». وكنت كلما شعرت أن المادة صعبة على الطلبة، أو أن مدة الحصة قد ارهقتهم، اطلب من فارس عوض أن «يفقع موالاً»، فيغني، ويضحك الطلاب، وتتجدد طاقتهم.

وقد كنت افرغ اول عشر دقائق من كل حصة للطلاب لكي يسألوني عن المحاضرة السابقة، أو أي سؤال أو استفسار عن قرار اتخذته الحكومة. وبدوري كنت ادرس الطلاب علم الاقتصاد بثلاث لغات: لغة الكلمات، ولغة الرسم والبيانات، ولغة المعادلات الرياضية. وكم كان يؤلمني أن الطلبة لا يحبون المنحنيات والرسوم البيانية، ولا حتى لغة المعادلات الرياضية. ولكنني كنت أصر عليهم، وكم سعدت عندما أراهم في نهاية الفصل وقد تأقلم غالبيتهم مع اللغات الثلاث.

وعودتهم على أن أبدأ كل محاضرة بسؤال غريب: مثل «ماذا كان تأثير الرحالة الايطالي الشهير «ماركو بولو» على الاقتصاد الاردني؟ ويتعجب الطلبة من السؤال، فأقول لهم إن الرحالة الايطالي القادم من البندقية سافر إلى الصين في القرن الثالث عشر والتقى أحد ملوكها «قبلاي خان»، ومكث في بلاطه سنوات. ولما عاد إلى ايطاليا أخذ معه المعكرونة. وصارت «الباستا»، أو منتجات المعكرونة المختلفة مثل السباغتي، واللينغويني، وراغو، وبينه، وريغاتوني وغيرها ايطالية الهوية، ولكن مادتها الخام هي القمح القاسي المعروف باسم «دوروم» أو » Durum» وا?ذي كان الاردن ينتجه ويبيعه لايطاليا لكي تصنع منه انواع الباستا المختلفة.

ولكن علاقتي بالجامعات لم تتوقف عند هذا الحد، بل أنني القيت محاضرات كثيرة في الجامعات الأردنية. ومنها على سبيل المثال ثاني الجامعات الأردنية التي أسست عام 1976 بصدور ارادة ملكية سامية من الراحل الحسين العظيم. وقد بذل كل من رئيس الوزراء الأستاذ مضر بدران، وأخيه الدكتور عدنان بدران جهوداً حثيثة لانشائها في اربد عاصمة الشمال. وقد قامت فكرة الجامعة على تدريس العلوم الحياتية والاجتماعية والآداب. وخطط أن تكون الدراسات فيها باللغة الانجليزية. وقد قدمت فيها محاضرات أهمها كان عام 1993. ناظرت فيها مع المرحوم عبدالهاد? المجالي كلاً من المرحوم الاستاذ زياد أبوغنيمه من قادة الاخوان المسلمين وجبهة العمل الاسلامي والسيد ليث شبيلات حول السلام مع اسرائيل. وقد انصب نقاش كل من السيدين زياد أبو غنيمة وليث شبيلات على حوار التفاوض والتصالح مع اسرائيل من الناحية الشرعية، ولم يتطرقا ابداً إلى فحوى الموضوع، وهو محتوى معاهدة السلام نفسها. وقد كان معظم الحاضرين من جماعة الاخوان المسلمين، وبعضهم ركز على حادثة مقتل الطلاب في جامعة اليرموك قبل ذلك بعدة سنوات لما كان عبدالهادي المجالي مديراً للأمن العام.

وأذكر محاضرة لي ألقيتها في جامعة مؤته/ الجناح العسكري. وقد أسست هذه الجامعة عام 1981، وحاضرت فيها عام 1987 لما كنت رئيساً للجمعية العلمية الملكية. وقد دعاني لالقاء محاضرة فيها رئيسها آنذاك الدكتور علي محافظه. ودخلت القاعة التي ازدانت بطلابها المرتدين زيهم العسكري، والذين وقفوا وقفة واحدة ليؤدوا التحية. وبالفعل ارتفعت عندي نسبة «الأدرنالين» وشعرت أنني قادر بهذه الطاقة أن اخترق الجبل.

وانتابني نفس الشعور كلما صاحبت سمو الأمير الحسن بن طلال إلى كلية الدفاع أو كلية الحرب. أو كلما دعيت لألقي محاضرة هناك. وقد قمت مؤخراً بالقاء محاضرتين في كلية الدفاع الوطني، وشاركت في تجربة قام بها الطلاب بحضور بعض وزراء الحكومة، حيث مثَّل احدهم دور رئيس الوزراء وتقمصه بشكل رائع، وقام الوزراء من طلبة الكلية بتقمص أدوار الوزراء. وكانت الحصيلة استراتيجية وخطة عمل لتنفيذها. وعند القاء المحاضرات عن اهمية الارتباط بين القطاعين العسكري والمدني، أو عن اسلوب مواجهة المخاطر الخارجية والاستجابة لها بالأسلحة الخشنة وا?ناعمة، ترى المشاركين من الأردنيين والعرب والدول الصديقة قد انجزوا واجبهم، واتوقع لكلية الدفاع الوطني بقيادة آمرها الحالي العميد الركن الدكتور عوض الطراونة مستقبلاً زاهراً لتكون واحدة من ابدع الجامعات المتخصصة في الوطن العربي والاسلامي.

وزرت جامعة آل البيت عندما كان الدكتور محمد عدنان البخيت رئيساً لها وقد تأسست عام 1992. وقد جاءت فكرتها لتكون في المفرق، ولتقدم مفاهيم حديثة ومتطورة لدراسات الدين واللغة العربية والتاريخ وغيرها من العلوم، ولكي تربط المفاهيم الدينية بالعلوم الدنيوية والحياتية. والجامعة مفتوحة لكل الطلاب من العالمين العربي والاسلامي ومن جميع دول العالم. وقد صدرت الارادة الملكية بتأسيسها عام 1992. وشُكلت لجنة للسير في تأسيسها برئاسة سمو الأمير الحسن بن طلال. ولقد دعاني رئيسها الدكتور عدنان البخيت (والذي يعمل الآن رئيساً لمجلس ?منائها) إلى القاء محاضرة فيها، وساهمت في اقناع الحكومة بزيادة مخصصاتها.

ولكن أطرف محاضرة لي كانت في جامعة الحسين بن طلال التي أُسست عام 1999 بارادة ملكية سامية صادرة عن الراحل الملك الحسين والذي قبل للمرة الأولى أن يطلق اسمه على جامعة أردنية. وقد بدأت الجامعة في مركز مؤقت داخل مدينة معان، ثم انتقلت إلى موقعها الحالي في شهر سبتمبر (ايلول) من عام 1999، لما كان المغفور له باذن الله الملك الحسين يتشافى في مايو كلينك بالولايات المتحدة. وقد دعاني رئيسها معالي الدكتور عادل الطويسي لألقي محاضرة فيها كنت قد القيتها قبل ذلك بسنوات في المركز الثقافي الملكي. أما عنوانها فقد كان «الفكر الا?تصادي في شعر أبي العلاء المعري». وقد ركزت على ديوانه اللزوميات (لزوم ما لا يلزم) حيث عبر عن أفكاره الفلسفية شعراً. وقد وجدت في أشعار أبي العلاء فكراً اقتصادياً عميقاً ونظرياً وليس نقداً اجتماعياً كما فعل الشاعر الأردني مصطفى وهبي التل. فأبو العلاء لخص نظرية «المالية العامة» في ثلاث أفكار.

الأولى أن الضريبة لا تجمع إلا لغاية، وثانيها أن الانفاق غير المدروس يؤدي إلى زيادة الاغنياء غنى والفقراء فقراً. وثالثها أن للناس حق الامتناع عن دفعها إن لم توجه الضريبة لأبواب الانفاق التي حصلت من أجل انجازها.

وهذه نظرية لها مؤيدوها ومعارضوها، ولكن فلاسفة أمثال وولدو ايمرسون الأميركي والمعارض لفكرة ضريبة الدخل، وقد صاغ أبو العلاء هذه الأفكار شعراً. وقد لاقت المحاضرة صدى كبيراً لدى الطلاب والأساتذة.

وأما جامعة الطفيلة التقنية، فقد دعاني للمشاركة في ندوة مع طلبة الدكتوراه في الأدب العربي فيها الدكتور عمر الفجاوي. وسوف تصدر مداولات تلك الندوة معي ومع آخرين في كتاب قريباً.

وللعلم فإن جامعة الطفيلة التقنية قد أسست في شهر كانون الثاني (يناير) عام 2005 حين صدرت الارادة الملكية من الملك المعزز عبدالله الثاني ابن الحسين بانشائها. وهي الجامعة الرسمية التاسعة واول جامعة تقنية في المملكة.

أما أحدث الجامعات فهي جامعة الحسين التقنية والتي أسست بإرادة ملكية عام 2016 بمبادرة من صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله. ومن المؤمل أن تكون هذه الجامعة متفوقة رائدة في مجالها.

أما الجامعة المتميزة، والتي حاضرت فيها مرتين فقد كانت جامعة العلوم والتكنولوجيا لما كان الاستاذ الدكتور كامل العجلوني رئيساً لها. وللتذكير، فإن الأخوين مضر وعدنان بدران قد ساهما في انشائها بداية لتكون الموقع الجديد لجامعة اليرموك، ولكن الأمور تغيرت، وتقرر تكريس الموقع الجديد على طريق اربد لبناء جامعة بتخصصات مهنية مثل الهندسة والطب والزراعة وغيرها. وقد حافظت الجامعة على مستواها.

وقد ساهمت في الاعداد لتحويل جامعة الأميرة سمية من كلية جامعية متوسطة إلى كلية جامعية تدرس علم الكمبيوتر، وهندسة الكمبيوتر، والهندسة الالكترونية. وقد انتهت مدة رئاستي للجامعة قبل البدء بتنفيذ الجامعة التي بارك انشاءها سمو رئيس مجلس امناء الجمعية الملكية انئذ الأمير الحسن بن طلال، ولما تولى رئاسة الجمعية من بعدي الدكتور هاني الملقي أحسن العمل بتنفيذها وفي عهده شهدت انطلاقتها في مطلع التسعينات. وهي لا شك جامعة متميزة حافظت على مستواها والثقة بخريجيها لا تقف عند حد.

وصلتي بالجامعات الأردنية لا تقف عند هذا الحد. بل خدمت ست سنوات في مجلس التعليم العالي، وكنت عضواً في مجلس الجامعة الأردنية، وعضواً في مجلس الدراسات العليا في نفس الجامعة. ودرست في كلية الأمير الحسين بن عبدالله للدراسات الدولية بالجامعة الأردنية وأشرفت على خمس رسائل ماجستير فيها. وعينت كذلك عضواً في صندوق استثمار جامعة اليرموك عام 1990 لما كان الدكتور علي محافظة رئيساً للجامعة، واستثمرت لهم في الأراضي بعمان وربحوا من ذلك مبالغ جيدة.

وأما علاقتي بالجامعة الهاشمية فهي وطيدة. ولقد حاضرت فيها أيام كان رئيسها الدكتور كمال الدين بني هاني، ومن اسبوعين حضرت ندوة مهمة جداً للاحتفال بالمئوية، وكانت الندوة عن صورة الأردن والهاشميين خلال المائة عام الأخيرة هي المحور الرئيسي للمؤتمر الذي دام ثلاثة ايام قدم فيها أكثر من خمسين بحثاً من باحثين أردنيين وعرب ودوليين. وقد تأسست الجامعة الهاشمية بمدينة الزرقاء في العام 1995. وهي جامعة متميزة متكاملة، وتضم برامج عديدة.

واخيراً ها أنا صرت رئيساً لمجلس أمناء جامعة البلقاء التطبيقية. وقد سبقني إلى هذا المنصب أربعة رؤساء هم سمو الأمير غازي بن طلال، والدكتور زياد فريز، والدكتور عدنان البخيت، ثم الدكتور هشام الخطيب. وقدم هؤلاء خدمات جليلة لهذه الجامعة.

صدرت الارادة الملكية السامية بتأسيسها بتاريخ 22 أغسطس (آب) من عام 1996، وصدرت الارادة الملكية السامية بالموافقة على قانون رقم (13) لسنة 1997 بتاريخ 25 آذار من ذلك العام. وتتمثل رؤية الجامعة بالعمل على تهيئة فرص التعليم الجامعي (دبلوما وبكالوريوس؛ للاسهام في اعداد الكوادر البشرية في مختلف البرامج).

وقد درست في جامعات عديدة في الأردن وخدمت في مجالس أمناء جامعة عمان الأهليه، وجامعة الشرق الأوسط، وجامعة العقبة للتكنولوجيا، وكلية طلال أبو غزاله الجامعية.

وأرجو في نهاية هذا المقال أن ألفت النظر إلى أنّ ما كتب عن الجامعات على «الويكبيديا» بالعربية والانجليزية ضعيف وبحاجة ماسة إلى المراجعة والتوسيع. وأرى من الضروري أن تقوم الجامعات بهذا الجهد في أقرب فرصة.