"وعد بلفور: الذاكرة الحيّة"
جفرا نيوز - من مناقب التاريخ الفلسطيني،المشافهة،فهو حكاية تنتقل بالتواتر من جيل إلى جيل،بالتفاصيل الحيّة،وكأنه فيلم سينمائي،حتى أصبحت هذه موهبة فلسطينية متوارثة،لا تُغفل شيئاً ،فالفلسطيني تسجّل ذاكرته التفاصيل التي عايشها،من اشتباكه المُسلّح مع مجموعة يهودية،إلى دخوله في مشادّة مع عسكري إنجليزي.
وفيما يخص وعد بلفور،فإن الشهادات الحيّة التي يرويها الفلسطينيون ويتناقلون حكايتها،تكرّس القناعة وراء أي ظلال للشك،أن الدعم العسكري الإنجليزي للعصابات الصهيونية على الأرض هو الذي أرسى الأساس وثبّت الوجود الصهيوني على الأرض،باستقدام بواخر المهاجرين واستقبالها وتسهيل دخولها من الموانيء الفلسطينية:يافا وحيفا وغيرها.
هذه شهادة أقدمها من خلال مسموعاتي الشخصية على ألسنة فلسطينيين أقربهم والدتي رحمها الله.
فأنا الذي عشت قضيتي من خلال التاريخ المكتوب بكل تفاصيله،وتفاعلت معه بأفكاري وعواطفي وتقييماتي ومحاكماتي الذهنية،لم أجد وسيلة لمقاربة هذا التاريخ مقاربة حيّة لا بل مراجعة بعض تفاصيله إلا من خلال الحكاية الشفوية.
بالطبع ليس هناك تباين كبير بين التاريخين المحكي والمكتوب،إلا من خلال تفاصيل المعايشة الحية التي تحييها المشافهة وتغفلها الكتابة.
مثلاً تحكي أمّي رحمها الله عن العسكر الإنجليز،أنهم يتميّزون باللؤم والدناءة تجاهنا نحن العرب،وقد استنتجت ذلك ببساطة من خلال تعاملهم مع الأطفال الفلسطينيين في الشارع،من خلال الشتائم والإهانات التي يوجهونها إليهم وحين تتعامل مع طفل بهذه الطريقة فأنت حتماً شخص دنيء ومجرّد من الرادع القيمي و الأخلاقي!
حكاية صغيرة أضاءت انطباعها هذا وأقامت عليه البرهان،تحكي : أن طفلاً فلسطينياً أحسن الظن وطلب قرشاً او بنساً من جندي إنجليزي كان عابر طريق،فابتسم الجندي وأخرج بالفعل قرشا.ً معدنيّاً من جيبه ثُمّ مال إلى جانب الطريق ووضع القرش على وجه صخرة ودقّه دقّاً شديداً حتى تشوّه وتخدّد،ثم اخذه وناوله للطفل،الذي كان على درجة من الإدراك فتناوله وهو يقول سآخذه وأريه إلى والدتي لترى كم أنت نذل،وكلمة نذل هذه أقصى ما يمكن أن تهين به إنساناً في المجتمع الفلسطيني!
وعد بلفور لم يكن إلا كتابا من وزير الخارجية البريطانية بلفور إلى روتشيلد اليهودي وهو لا يرقى إلى وعد بالمفهوم الرسمي،ولكنه وضع عنواناً واضحاً لتوجهات السياسة البريطانية المضمرة والتي ترجمت إلى واقع على الأرض،ويحكي كثير من المجاهدين ان الإنكليز كانوا يسارعون إلى نجدة العصابات الصهيونية التي يحاصرها الثوار اويغلبونها في اشتباك.
فكيف كان الرد اليهودي؟
بدات العصابات اليهودية بشن الهجومات على مواقع إنجليزية كان على رأسها تفجير فندق الملك داوود في القدس والذي أوقع سبعة عشر إنجليزياً ضحايا،وصنف هذا العمل كعمل إرهابي بامتياز وظل مناحم بيغن مسجلاً كإرهابي لدى المحاكم البريطانية،لدرجة أن السلطات البريطانية هربته تهريباً في أحد زياراته إلى لندن حتى لا يُتخذ بحقه الإجراء الرسمي ويقبض عليه ويقدم للمحاكمة.
ولكنها في حينه اكتفت بحظر تردد الإنجليز على المطاعم والحانات اليهودية المقامة على أرض فلسطين،إجراء رخو سرعان ما تراجعت عنه خشية من الإتهام باللاسامية خسب تبريرها الرسمي.
الخلاصة أن النية كانت مبيتة لدعم إقامة وجود سياسي يهودي في فلسطين،وأن هذا الدعم ترجم سياسياً بما يسمى وعد بلفور وعسكرياً على الأرض،وأخيراً بالإنسحاب تاركين وراءهم كل الأسلحة والإمكانيات بين أيدي العصابات الصهيونية،وعلى خلفية استهدافهم من قبل هذه العصابات وكأنها مكافأة لليهود على استهدافهم للجنود والوجود الإنجليزيين.
مما ينبيك أن هذا الدعم السخي وغير المشروط لم يرتكز فقط إلى قرار سياسي،وإنما إلى ضغائن تاريخية صليبية ضد العرب والمسلمين لدرجة غفران جرائم اليهود ومسامحتهم بالدم البريطاني في سبيل إنفاذ هذا الوجود وجعله واقعاً قائماً.
وعلى الله قصد السبيل.
نزار حسين راشد
وفيما يخص وعد بلفور،فإن الشهادات الحيّة التي يرويها الفلسطينيون ويتناقلون حكايتها،تكرّس القناعة وراء أي ظلال للشك،أن الدعم العسكري الإنجليزي للعصابات الصهيونية على الأرض هو الذي أرسى الأساس وثبّت الوجود الصهيوني على الأرض،باستقدام بواخر المهاجرين واستقبالها وتسهيل دخولها من الموانيء الفلسطينية:يافا وحيفا وغيرها.
هذه شهادة أقدمها من خلال مسموعاتي الشخصية على ألسنة فلسطينيين أقربهم والدتي رحمها الله.
فأنا الذي عشت قضيتي من خلال التاريخ المكتوب بكل تفاصيله،وتفاعلت معه بأفكاري وعواطفي وتقييماتي ومحاكماتي الذهنية،لم أجد وسيلة لمقاربة هذا التاريخ مقاربة حيّة لا بل مراجعة بعض تفاصيله إلا من خلال الحكاية الشفوية.
بالطبع ليس هناك تباين كبير بين التاريخين المحكي والمكتوب،إلا من خلال تفاصيل المعايشة الحية التي تحييها المشافهة وتغفلها الكتابة.
مثلاً تحكي أمّي رحمها الله عن العسكر الإنجليز،أنهم يتميّزون باللؤم والدناءة تجاهنا نحن العرب،وقد استنتجت ذلك ببساطة من خلال تعاملهم مع الأطفال الفلسطينيين في الشارع،من خلال الشتائم والإهانات التي يوجهونها إليهم وحين تتعامل مع طفل بهذه الطريقة فأنت حتماً شخص دنيء ومجرّد من الرادع القيمي و الأخلاقي!
حكاية صغيرة أضاءت انطباعها هذا وأقامت عليه البرهان،تحكي : أن طفلاً فلسطينياً أحسن الظن وطلب قرشاً او بنساً من جندي إنجليزي كان عابر طريق،فابتسم الجندي وأخرج بالفعل قرشا.ً معدنيّاً من جيبه ثُمّ مال إلى جانب الطريق ووضع القرش على وجه صخرة ودقّه دقّاً شديداً حتى تشوّه وتخدّد،ثم اخذه وناوله للطفل،الذي كان على درجة من الإدراك فتناوله وهو يقول سآخذه وأريه إلى والدتي لترى كم أنت نذل،وكلمة نذل هذه أقصى ما يمكن أن تهين به إنساناً في المجتمع الفلسطيني!
وعد بلفور لم يكن إلا كتابا من وزير الخارجية البريطانية بلفور إلى روتشيلد اليهودي وهو لا يرقى إلى وعد بالمفهوم الرسمي،ولكنه وضع عنواناً واضحاً لتوجهات السياسة البريطانية المضمرة والتي ترجمت إلى واقع على الأرض،ويحكي كثير من المجاهدين ان الإنكليز كانوا يسارعون إلى نجدة العصابات الصهيونية التي يحاصرها الثوار اويغلبونها في اشتباك.
فكيف كان الرد اليهودي؟
بدات العصابات اليهودية بشن الهجومات على مواقع إنجليزية كان على رأسها تفجير فندق الملك داوود في القدس والذي أوقع سبعة عشر إنجليزياً ضحايا،وصنف هذا العمل كعمل إرهابي بامتياز وظل مناحم بيغن مسجلاً كإرهابي لدى المحاكم البريطانية،لدرجة أن السلطات البريطانية هربته تهريباً في أحد زياراته إلى لندن حتى لا يُتخذ بحقه الإجراء الرسمي ويقبض عليه ويقدم للمحاكمة.
ولكنها في حينه اكتفت بحظر تردد الإنجليز على المطاعم والحانات اليهودية المقامة على أرض فلسطين،إجراء رخو سرعان ما تراجعت عنه خشية من الإتهام باللاسامية خسب تبريرها الرسمي.
الخلاصة أن النية كانت مبيتة لدعم إقامة وجود سياسي يهودي في فلسطين،وأن هذا الدعم ترجم سياسياً بما يسمى وعد بلفور وعسكرياً على الأرض،وأخيراً بالإنسحاب تاركين وراءهم كل الأسلحة والإمكانيات بين أيدي العصابات الصهيونية،وعلى خلفية استهدافهم من قبل هذه العصابات وكأنها مكافأة لليهود على استهدافهم للجنود والوجود الإنجليزيين.
مما ينبيك أن هذا الدعم السخي وغير المشروط لم يرتكز فقط إلى قرار سياسي،وإنما إلى ضغائن تاريخية صليبية ضد العرب والمسلمين لدرجة غفران جرائم اليهود ومسامحتهم بالدم البريطاني في سبيل إنفاذ هذا الوجود وجعله واقعاً قائماً.
وعلى الله قصد السبيل.
نزار حسين راشد