مشرّدون ومتسولون يحتلون أرصفة وشوارع وسـط المدينة!


*تأجير الطفل المعوق بثلاثة دنانير بالساعة!..

*متسولات يتحولن الى جليسات في بارات عمان

*مختلون عقليا يرعبون السياح الأجانب والزوار

جفرا نيوز - تحقيق محمود كريشان

لاشك انه لا أحد يرضى ان تتحول أرصفة شوارع وسط البلد، مستقرا لظواهر خطيرة وقاتمة، تعكس مشاهد لا تليق بالعاصمة، أمام الزوار والضيوف والعابرين والمجموعات السياحية الأجنبية التي لا تتوانى كاميراتها عن رصد تلك الصور الكريهة، في ظل أداء خجول من كافة الجهات المعنية الرسمية.

المشهد مأساوي بكل ما تعنيه الكلمة، ومن يقدر له ان يزور وسط المدينة، فإنه سيلمس بوضوح الإنتشار المدهش والمؤلم في آن واحد، لمئات المتخلفين عقليا والمشردين والمتسولين والذين إستوطنوا «قاع المدينة» وهم ينتشرون فوق أرصفتها وشوارعها بملابسهم الرثة وشعور رؤوسهم التي إسترسلوا في إطالتها بصورة مرعبة جدا، وما يرافق ذلك من تصرفات مرعب بعضها وخادش للحياء بعضها الآخر..!.

مشاهد من قلب الحدث

 وعبر أيام من التواجد وسط البلد رصدت المشهد الذي يعد من المشاهد السلبية في العاصمة، في ظل غياب كامل أطراف الجهات ذات العلاقة، الامر الذي اسهم - ولا يزال - بانتشار المزيد من المرضى النفسيين والمصابين بإعاقات عقلية، والمتسولين ليكون قلب العاصمة مستقرا لهم جميعا!..

تتواصل المشاهد غير الحضارية.. فهذا شاب ثلاثيني يمشي على امتداد شارع الملك فيصل الاول وقد اطلق العنان لشعر ذقنه بصورة عشوائية وملابس بالية ويقوم بعمل حركات من العاب قتالية «كراتيه وتايكواندو» وهو من «النوع الشرس» حيث تبدر منه حالات هيجان تجعله يعترض المارة ويحاول الاعتداء عليهم دون ان تتدخل اية جهة للسيطرة عليه..!.

ونرى شابا آخر يركض من بداية سوق الذهب بشارع فيصل الى شارع السلط ذهابا وايابا يتخيل انه يقود دراجة هوائية ويمشي بتعرجات ويرتطم بالمارة في لجة انفعاله وخياله الذي جعله يعتقد انه فوق دراجة هوائية!.

ويرقد مريض آخر امام احد المطاعم الكبرى في شارع الملك فيصل الاول، مفترشا الارض وملتحفا بطانية على الدوام حتى في وقت الظهيرة الذي ترتفع خلاله درجات الحرارة الى اعلى مستوياتها.

«شر البلية ما يضحك».. كما يقولون، ذلك إذا ما علمنا أن احد المتخلفين العقليين بلحيته الكثيفة وملابسه الطريفة وفوق ما يعانيه من اعاقات عقلية يقوم بتناول الخمور كلما توافرت له نقود يحصل عليها عن طريق الإستجداء والتسول.

اما في شارع الرضا فقد اعتاد السكان رؤية مريض نفسي يجلس من الصباح الباكر حتى وقت متأخر من الليل امام احد المنازل بهيئة رثة، لم تمنعه حرارة الشمس وقت الظهيرة من ممارسة عادته اليومية، بل انه لا يتحرج من محاولة ايقاف اي سيارة تمر في الشارع.

وتصاب بالفزع وانت ترى ذلك الرجل الذي يلف جسده بملابس سميكة وثقيلة برغم حرارة الجو، وهو يجلس في احد الشوارع على قارعة الطريق تماماً وهو يحك جسده الذي اتسخ ، وحين تشاهده وهو يمد يده في «عبِّه» كي يتناول زجاجة الكحول ويدلقها في جوفه تصاب بالفزع الصارخ.

حالة اخرى لرجل يترنح وسط الجزيرة الوسطية بجانب البريد المركزي أمام المحال التجارية وهو يقوم بتصرفات لا أخلاقية.
الأمر لم يتوقف عند هذه الحدود، بل ان هناك عددا من المختلين عقليا وهم وافدون تسربوا من مخيمات اللجوء الانساني ليستوطنوا شوارع عمان القديمة، ذلك كله وغيره يتم في ظل غياب صارخ لكافة اشكال الرقابة على الاطلاق.
أطفال مشردون

ايضا.. في وسط البلد تجد الاطفال المشردين ينتشرون في اسواقها وازقتها وشوارعها بعد ان تقطعت بهم السبل، ليكونوا عرضة للاستغلال بكافة جوانبه، بل ان بعضهم يمتهن النشل والسلب والتسول في آن واحد.

للتوثيق ايضا.. ما على من يهمه الأمر الا ان يذهب الى شارع فيصل أحد أهم معالم المدينة السياحية والإقتصادية، ليشاهد المشردين ومن ضمنهم نساء افترشن الارصفة، فيما وجد مختل عقليا ضالته في الاقامة بمحاذاة سوق الخضار وتحديدا مقابل موقع سبيل الحوريات الاثري، وهذا بدوره يسهم في ترسيخ الصور السلبية في عمان.

شهود عيان

في غضون ذلك قال الدليل السياحي محمد الفراعنة لـ»الدستور» الذي كان يرافق مجموعة سياحية من المانيا تزور وسط البلد ان ظاهرة غير حضارية تتمثل بالانتشار اللافت للمرضى النفسيين والمتخلفين عقليا على حد سواء، في معظم مناطق وسط البلد، التي تعج بالسياح العرب والأجانب في هذه الفترة بالذات بل وان هذا المشهد العبثي قد اصبح صيدا لكاميرات الاجانب وعدسات المصورين والمحطات الفضائية المتعددة.

هذا الأمر اكده حمادة قرادة مالك صالون حلاقة حيث اشار الى ان هؤلاء المعتلين نفسيا والمعاقين عقليا يتجمعون في قاع المدينة بهيئات رثة تثير الخوف وبعضهم من النوع الشرس الذي لا يتوانى عن اعتراض المارة، والبعض يمارس افعالا خارج سيطرتهم لكنها خادشة للحياء بصورة صارخة واخرون هربوا من ضغوط نفسية أوصلتهم الى حالات نفسية لم يجدوا منها ملاذا سوى التقوقع في مناطق عمان القديمة على الادراج وابواب المحال التجارية وجولات راجلة على ارصفة الشوارع!.
وعلى صلة، فإن تجار وسكان قاع المدينة يقولون إنهم يعايشون واقعا مؤلما في تفشي ظاهرة انتشار المرضى النفسيين في شوارع عمان بصورة خاصة، وهم في وضع إنساني مؤلم وفي حالة صحية خطرة إضافة الى تصرفاتهم التي تلحق الضرر بهم وبالآخرين على حد السواء، ويهيم هؤلاء المرضى الذين يرتدون ملابس رثة على وجوههم وسط زحام السيارات، معرِّضين حياتهم للخطر.

التسول ملف خطير

الى ذلك.. وبعيدا عن التصريحات الإعتيادية لكافة المسؤولين عن ملف التسول الشائك.. حيث بدأت في الآونة الأخيرة ظواهر سلبية «تستوطن» في اكثر من منطقة في العاصمة، أبرزها واكثرها شيوعا التسول، وقد تحول الأمر في ظل غياب رقابة الجهات المعنية، من حاجة الى مهنة وعمل منظم، وسط اعتقاد المواطنين بأن جهة منظمة أصبحت تدير المتسولين الذين اصبحوا يعملون على نظام الورديات.

وامعانا في التوثيق على صحة ما ندعي، فإن رصدت مشاهد تؤكد أن أعمال التسول أصبحت «منظمة»، حيث تقوم سيارة في ساعات الظهيرة بتوزيع وجبات الغداء الجاهزة على المتسولين والمتسولات في أماكن تواجدهم، بخاصة في الدوار الرابع في جبل عمان، وتحديدا أمام مداخل مستشفى الخالدي والعيادات الطبية المنتشرة هناك، والتي يتردد عليها المرضى الميسورون والعرب الذين يزورون الاردن بهدف العلاج.

والاخطر ان ظاهرة التسول غالبا ما تكون مدخلا لانحرافات سلوكية قد توصل صاحبها الى اللصوصية وربما الاجرام. فالمتسولون أشبه بـ»القنابل الموقوتة»، ذلك ان الانحراف ينمو نحو السرقة والجريمة بصمت، وتزداد خطورتها وتصبح جاهزة للانفجار في اي وقت اذا ما توفرت عوامل اخرى تسهل وتسرع عملية الانحراف، من قبيل الإهمال والتهميش وصحبة أرباب السوابق الذين ينقلونهم الى خانة المتسولين المنحرفين ومن ثم خانة المجرمين ومن هنا تبدأ مسيرة الانحراف الصارخ!.
عمل منظم

وتتنوع حالات التسول، لكن الشائع منها، وضع طفل مصاب بإعاقة أمام متسولة تخفي ملامح وجهها وهي تفترش رصيف المشاة وتردد عبارات على مسامع المارة: عشان الله.. لله.. عشى لها اليتيم ..، مع التأكيد على أن العمل منظم، حيث تقوم احدى المتسولات بتحريك افراد مجموعاتها عبر الاتصالات الخلوية، وتجري عملية التنقل بينهم الى مواقع جديدة في قاع المدينة، وكذلك الاتصال للاختفاء في حال الإستشعار بوجود فرق مكافحة التسول..!.

ولا تدهش إن طالعت مسوحات سابقة لدوائر مكافحة التسول، حيث أكدت أن 75 بالمائة من المتسولين وبائعي الإشارات أغنياء عن الاستجداء ويزيد دخلهم عن خط الفقر ويمتلك معظمهم منازل وسيارات ومصادر دخل ثابتة.

في هذا السياق، يقوم ستيني كفيف يواظب على التواجد في شارع فيصل بوسط البلد والتحايل على الناس وهو يبيع العلكة، مستغلا فقدان بصره، رغم أن كشوفات وزارة التنمية الاجتماعية أثبتت امتلاكه ثلاث بنايات في أحد الأحياء الشرقية للعاصمة.
وهذا ما اكده التاجر مجدي الحمصي في شارع الرضا، بأن متسولا كهلا يقوم بتبديل عملات معدنية تصل الى نحو 100 دينار يوميا من محله في ساعات المساء، ذلك عدا العملات الورقية التي بحوزته.
تأجير الاطفال والمرضى
في مشهد يفتقر لكافة القيم الإنسانية تقوم بعض المتسولات اللواتي يتواجدن بانتظام في كافة مناطق وسط البلد بتداول طفل مريض على عربة بمقعدين لاستجداء المارة واستدرار عطفهم على الطفل المصاب بإعاقات مرضية متعددة وظاهرة للعيان.
المفجع في القضية التي رصدتها «الدستور» وتتبعت تفاصيلها أن المتسولات يقمن باستئجار ذاك الطفل من والدته المتسولة هي الاخرى أيضا، حيث تتقاضى هذه الأم المنزوعة من قلبها الرحمة والأمومة والعطف مبلغ ثلاثة دنانير للساعة الواحدة، دون ان يرتعش ضميرهن شفقة على الطفولة المهدورة
.
تسول وسرقة

وجنحت ظاهرة التسول في الاردن في المرحلة الاخيرة نحو مناح خطيرة من الناحية الأمنية من خلال التجوال في الاحياء وطرق أبواب البيوت بدواعي التسول واستجداء عطف الآخرين ليكون ذلك وسيلة لارتكاب سرقات البيوت، لا سيما تلك التي يكون سكانها غير موجودين فيها أو التي يوجد فيها عجزة وكبار سن في ظل غياب لافت للرقابة والتفتيش من قبل فرق مكافحة التسول.

كما يمتهن المتسولون التواجد في محيط أجهزة الصراف الآلي في أكثر من مكان في العاصمة حيث تترصد عيونهم المواطن الذي يأتي لسحب مبلغ من المال وتتبعه المتسولة او المتسول بدواعي الاستجداء والحاجة الى أن يصل الى مكان شبه معزول، عندها يتحول المتسول الى لص بارع في نشل المواطن والفرار من موقع الحادث والتغيب عن التردد على المكان ذاته لأسابيع عديدة.
هنا يتواجدون
أما عن التسول في وسط البلد، فحدث ولا حرج، حيث تكتظ جميع مناطق قاع المدينة بالمتسولين من الجنسين، ويرتبطون ببعضهم بعلاقة أو صلات قربى، حيث يستثمر المتسولون النشاط السياحي المتصاعد في عمان القديمة في ممارسات مستفزة تبدأ منذ ساعات الصباح الباكر وتصل ذروتها في أوقات الظهيرة. ويستمر مشهد انتشار مكثف للمتسولين الذين يطغى عليهم العنصر النسوي حتى ساعة متأخرة من الليل وفق اساليب مبتكرة تحمل في طياتها الخداع.

ويتركز تواجد المتسولين صباحا ومساء في وسط البلد يتمركز امام دخلة حلويات حبيبة ومحيط البنك العربي شارع فيصل وامام مطعمي «جبري» و»القدس» في بداية شارع السلط وعلى مداخل اسواق البشارات ومنكو والصاغة في شارع فيصل وفي دخلة سينما عمان وامام مشاوي شهرزاد ومطعم هاشم.

وإلى جانب ذلك، تنتشر متسولات هذه الأيام مع بدء تدفق الزوار العرب الى الاردن، ينشطن بابتكار طرق جديدة للتحايل واستغفال المحسنين، حيث يصطحبن أطفالا رُضعا ويحرصن على ارتداء الملابس الرثة والبالية والتركيز على التواجد عند الاشارات الضوئية في الشوارع الرئيسة المؤدية الى المناطق الراقية من العاصمة، كما يحرصن على انتقاء السيارات الفارهة، مع التأكيد هنا أن المتسولات يقمن باستئجار الأطفال الرضع او المصابين بإعاقات متعددة مقابل مبلغ محدد يدفع للمؤجر وبالساعة.

المشهد طافح بالسواد، بخاصة عندما يصل الأمر الى الاستجداء المزعج بالضرب على زجاج السيارات ومطاردتها عندما تفتح الإشارة الضوئية، فيما يتظاهر بعض المتسولين بالتعفف من خلال بيع العلكة والسلع الأخرى على الاشارات لخداع ضحاياهم بأنهم يلجأون الى طريقة مشروعة وكريمة لكسب العيش.

الجميع يُخلي مسؤوليته..!

وأمام هذه المشاهد الخطيرة وغيرها.. لا تزال كافة المفاصل الرسمية والحكومية المعنية قاصرة تماما عن اداء دورها الرقابي تجاه هذا الانحراف الخطير، حيث تقف الوزارة وكافة الجهات الرسمية المعنية مكتوفة الايدي امام هذه الظاهرة المتنامية، وتتقاذف المسؤولية، حيث أكد مصدر مسؤول في وزارة الصحة ان الوزارة تولي الأمراض النفسية والاعاقات العقلية اهتماما كبيرا وتقدم لهؤلاء المرضى خدمات الطب النفسي من خلال استقبالهم في المراكز الطبية المتخصصة بعلاج ورعاية مثل تلك الأمراض، مؤكدا أن تواجد وانتشار هؤلاء المرضى في الشوارع ليس مسؤولية الوزارة بل مسؤولية جهات أخرى معنية بمكافحة تلك الظواهر، لأن وزارة الصحة ينحصر دورها في استقبال من يراجعها من المرضى العقليين والنفسيين لتقديم الرعاية والعلاج لهم بصورة فورية.
تجاهل صارخ من قبل كافة الجهات ذات العلاقة وعلى رأسها وزارتا الصحة والتنمية الاجتماعية..! .

صرخة إدانة

نفتح الملف على مصراعيه، ليكون صرخة ادانة لكافة الجهات المعنية وعلى رأسها وزارتا (الصحة) و(التنمية الاجتماعية) والتي يكتفي المسؤولون فيها على اطلاق اعتيادي لتصريحاتهم الاعلامية، ينفون ويؤكدون ويتابعون دون ان يتم اي اجراء حقيقي على ارض الواقع، ليبقى المشهد على ما هو عليه بسوداويته محاطا بالفوضى والاهمال..!!.

Kreshan35@yahoo.com