لمصلحة من جدل الهوية في معمعة الإصلاح؟!
جفرا نيوز - كتب - جهاد المنسي
مؤسف رؤية نقاشات وحوارات حول مصطلح الهوية الوطنية الجامعة، ومؤسف هذا الجدل الذي نراه ونقرأه يوميا الذي يعبر عنه بعض الكتاب والمثقفين والساسة، والمؤلم أننا بعد 100 عام من قيام الدولة ما زلنا نتحدث ونتجادل حول تعريف هويتنا الوطنية ونقرأ خلافات في الرؤية حولها، والمؤلم أن هذا يجري في الوقت الذي نشهد فيه تسارعا على مستوى العالم تجاه تعزيز العلم وتعزيز الحريات والمواطنة وحرية الفكر والمعتقد، وإشاعة سيادة القانون، والرقي.
المؤسف أننا نسمع ذاك ونشهده، دون أن يهتم أولئك بسيادة القانون وحق المواطنة وبناء الدولة المدنية الحديثة، ومعالجة مشاكل الفقر والبطالة والتعليم والصحة، والبنى التحتية والموازنة والمديونية، وغيرها من مشاكل ضاغطة تضغط علينا بشكل يومي.
الحقيقة الثانية أن هويتنا الوطنية الجامعة لم تكن ضائعة يوما لكي تعيد الجدل حولها، فالأردن للجميع لا يجوز لأحد احتكاره، ولا يجوز لأي طرف مهما كان التفكير أنه يمتلك الحقيقة وحده، وأنه وحده من يمكنه توزيع الوطنيات على الناس، ولا يجوز لنا أن نتحسس من أي مصطلحات سياسية نسمعها، فلا ضير أن نتحدث عن الهوية الوطنية الجامعة، ولا بأس أن نتحدث عن سيادة القانون والمواطنة، ولا يضير أحدا أن نعزز تلك المفاهيم دون أن نجد بيننا من يضع علامات سؤال حول المصطلح ويضعه موضع الشك والتخوف والريبة.
هذا الجدل الذي شغل الرأي العام مؤخرا حول الهوية الوطنية الجامعة بدأ بعد أن استخدمته اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية إبان طرح مخرجاتها للإصلاح السياسي، وأكدت فيه أن الهوية الوطنية التي تدمج الجميع وينتمي إليها الجميع، أحد الشروط الأساسية لبناء النموذج الديمقراطي الوطني، وهي بحسب اللجنة هوية مركزية جامعة تلفظ الهويات الفرعية وتحتفي بالثقافات الفرعية للمجتمعات المحلية وللمدن والقرى والجماعات، والهوية القوية المتماسكة هي إثراء حقيقي للنموذج الديمقراطي الوطني.
السؤال، ما يضيرنا في ذلك التعريف، ولماذا تكثر الأسئلة المشككة فيه، ولماذا يبتعد أولئك المتوجسون عن ملاحظة أن الهوية الوطنية الجامعة تشمل جميع المواطنين من شتى أصولهم ومنابتهم، وهي لا تقتصر على شريحة معينة بل تشمل الجميع باختلاف أعراقهم ودياناتهم وثقافاتهم، وأن تحميل المصطلح فوق دلالاته الحقيقية هو تفسير في غير مكانه، وأن الثابت أن علينا أن لا نبقى دوما نشكك في النوايا والمخرجات، فذلك مؤشر لأفكار سلبية أبرزها رفض أولئك المشككين لأي تطور إصلاحي حقيقي والبقاء في المكان نفسه الذي وضعونا فيه لفترة طويلة من الوقت.
أولئك يفضلون البحث عن أي قضايا ثانوية لإشغال الرأي العام فيها، وإخراج المصطلحات من مكانها وسياقها الطبيعي والذهاب لسياقات أخرى تعكس هواجس لا علاقة لها بالمصطلح، وشخصيا لا أعرف لماذا يقلق البعض عندما يتم الحديث عن هوية وطنية تشمل الجميع، ولماذا يخرج علينا البعض في أوقات الإصلاح السياسي لوضع العصي في دواليب الإصلاح، ويستحضرون هواجس لا علاقة لها بتخوفاتهم الضيقة، واستغلال أي مصطلحات بشكل شعبوي.
نحن بحاجة للانتقال للمئوية الثانية دون وجود من يشكك ويستحضر هويات فرعية، ودون وجود من يعتقد أن الأردن ما يزال يبحث عن شكله السياسي، ولذا بات علينا الذهاب جميعا والبحث في طريقة معالجة المشاكل التي تواجه المواطنين، والإيمان بأهمية البحث عن تعزيز مبدأ الحرية والديمقراطية والمشاركة السياسية والعيش الكريم، والحصول على جميع الحقوق المتعلقة بالتعليم والخدمات الصحية وفرص العمل، وهذا بحد ذاته شكل من أشكال النضال الوطني الذي يتوجب أن تجتمع حوله أطياف المجتمع كافة.