برامج عابرة للحكومات
جفرا نيوز - المحامي علاء مصلح الكايد
بين العامين ٢٠٠٩-٢٠١٠، شرعت الحكومة أنذاك في إعادة هيكلة القطاع العام ضمن مسارات متتابعة كان أولها تقليل الفجوات بين رواتب موظفي الدولة عبر إزالة التشوهات بين تلك التي يحصل عليها موظفو القطاع العام الخاضعين لنظام الخدمة المدنية وأقرانهم في المؤسسات المستقلة، كما عملت على إعداد مسودة نظام موحد للمؤسسات المستقلة على غرار الخدمة المدنية.
وكان لذلك المشروع المتدرج الذي لم يتسنى له وأن يكتمل بسبب رحيل الحكومة أهداف على مراحل ثلاث، فورية وقصيرة وطويلة المدى، تنتهي بترشيق الهيكل الحكومي ومعالجة أوجه تنازع الاختصاص أو ازدواجيته وتقييم موضوعيٍّ للأداء يعزز مبدأ الثواب والعقاب سعياً نحو إنعكاس ذلك إيجاباً على مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين وتطويرها دوريا.
لكن، وبعدم إكتمال المشروع الذي كان يفترض فيه وأن يكون عابراً للحكومات؛ واصل الجسم الحكومي تمدده بعد ذلك وتفاقمت معضلة البيروقراطية بوجهها السلبي، ووصل الحال إلى عجزٍ تراكميّ في ملف تأمين الوظائف حتى قبل جائحة كورونا بأعوام، إذ يقتصر التعيين في الغالب على قطاعي التعليم والصحة منذ سنوات، وبموازاة ذلك لم تفلح الحكومات في إيجاد سوق عمل بديل يستوعب أفواج الخريجين، كما لم تنجح أي إستراتيجية تشجع على الإتجاه للتعليم والتدريب المهني، وبقيت المشكلات التي تواجه المهن الحرّة والمشاريع الصغيرة موجودة لا بل تفاقمت على نحو عميق من حيث الكُلف والإجراءات والتسهيلات.
وأمام هذه الكُرة الثلجية التي ما زالت تكبر وتتعاظم، لا نرى أي جهد كافٍ يسعى لمعالجتها رغم فداحة الضرر والأثر على الخزينة العامة وعلى نسبة البطالة ومستوى المعيشة.
لا شك بأن الأمر أكبر من أن يُحلّ عبر مقالة ولا بدراسات صمّاء، لكنه يحتاج ثلاثة قواعد حقيقية متكاملة لن يتغير الحال إلّا بتوفرها جميعا وهي:
١- إستراتيجية مدروسة دقيقة معلنة توضّح المراحل والأهداف المتدرجة، تتضمن البدائل المنطقية التي تصون تماسك المجتمع والمراكز المالية للأفراد المتأثرين بالإستراتيجية.
٢- حكومة تأخذ على عاتقها السير بالمشروع مع إحتمال كُلفة قراراته الصعبة والجريئة، تراعي المصلحتين العامة للدولة والخاصة للموظفين، تطبّق مبدأ الثواب والعقاب بموضوعية وحزم، دون إلتفات للشعبويات ولا ترضخ لضغوطات قوى الشد العكسي.
٣- إنعاش ملف الإستثمار عبر إصلاح إختلالاته الإدارية والقانونية وكذلك السير نحو المشاريع الكبرى التي توقّف العمل بها منذ أعوام طويلة، ومنح التسهيلات الضرورية للمشاريع الصغيرة والريادية.
تلك النقاط الثلاث أساسٌ لأي جهد يرتجى منه تحقيق الإصلاح الإداريّ المنشود ليكون القطاع العام رشيقاً فاعلاً، فلا يمكن تحقيق ذلك وتخفيف العبء المالي الناتج عن التوظيف وفاتورة التقاعد دون فتح آفاق وظيفية جديدة بعيداً عن القطاع الرسمي، ويستدعي هذا بطبيعة الحال التدرج في التطبيق بصورة عابرة للحكومات.
لم يعد لدينا ترف الوقت لنرحّل أية أزمات أو نسكّن الواقع، ولا بد لهذا العمل أن يحظى بالأهمية الكاملة نظراً لإنعكاساته المالية والإجتماعية والإقتصادية.
إن الإصلاحين الإداريّ والاقتصادي اللّذان أمر جلالة الملك بالسير فيهما إلى جانب تحديث المنظومة السياسية هي قواعد النهضة الثلاث التي لا تقوم بغياب أيٍّ منها، ولا يمكن تجاوز المرحلة الحرجة دون إجتراح الحلول وتطبيقها بحزم.
والله من وراء القصد