العناني: هذه اسباب خلافي مع رئيس الوزراء الاسبق مضر بدران
جفرا نيوز - كتب - جواد العناني
ولدت في أسرة عَمِلَ راعيها والدي في الاعلام والصحافة طول عمره. وقد فاز بجائزة كتابة القصة القصيرة عام (1941)، في السنة الثانية من دراسته بدار المعلمين بالكلية العربية في جبل المكبر بالقدس. وقد فاز بها وعمره عشرون سنة. وعمل بعدها في اذاعة الشرق الأدنى مُقدِماً لبرنامج القرية، ثم عمل في اذاعة المملكة الأردنية الهاشمية في القدس (رام الله) عام 1950 بعد الوحدة محرراً ومذيعاً لنشرة الأخبار. وعمل في وكالة أنباء الشرق الأوسط مترجماً للأخبار من الانجليزية إلى العربية.
وقد كتب آلاف المقالات للصحف الفلسطينية والأردنية والقطرية والخليجية، وعشرات المسلسلات للاذاعات والتلفزة، وعمل بالتلفزيون الأردني مراقباً للنصوص. وقدم برنامجاً عن الاسلام بالانجليزية، ونشر عشرات الكتب. ولذلك ولدنا في بيت كان يزورنا فيه المذيعون ورؤساء تحرير الصحف، والشيوخ، وبعض كبار رجال الأحزاب، والمؤرخون، والمنشدون والمغنون.
ولما كنت طالباً في الصف الحادي عشر بالكلية الاسلامية، كتبت حلقات لمسلسل اذاعي اسمه «من الجاني» مَثَّل فيه المرحوم محمود أبو غريب وغيره من الممثلين المبتدئين.
ولما بدأت العمل في البنك المركزي تعرفت إلى صحفي البنك الدكتور عبدالله المالكي الذي عَرَّفني بدوره على الصحفي محمد المسلماني صاحب جريدة أسبوعية، وكتبت له صفحة كاملة كل أسبوع مقابل ثلاثة دنانير. وكتبت في تلك الفترة عام 1969 مسلسلاً رمضانياً تلفزيونياً للأطفال بعنوان «صوموا تصحوا».
هذه المقدمة كتبتها حتى أعد العدة لأحدثكم عن بعض القصص الطريفة التي حصلت معي. فأنا قد كتبت أعمدة في كل الصحف الأردنية اليومية باللغتين العربية والانجليزية، وكتبت كذلك أعمدة في صحف عدة في الوطن العربي مثل صحيفة الحياة البيروتية، وصحيفة الأهرام الدولية، وصحيفة «البيان» الاماراتية، ومجلة اقتصاد وأعمال اللبنانية. هذا عدا عن العامود الذي اكتبه اسبوعياً منذ عدد من السنوات في صحيفة العربي الجديد القطرية اللندنية.
ولما صرت وزيراً للعمل، كنت اكتب مقالة أسبوعية في صحيفة «الشعب» تحت اسم «أبو أحمد».
وذات يوم نشر الراحل طارق المصاروة مقالاً قاسياً عن وزير العمل. فأجابه أبو أحمد بمقالة عنوانها «اقتصادي نصف كُم». وغضب المرحوم ورد على المقال برسالة وجهها لمحرر صحيفة الشعب موجهة إلى وزير العمل باسمه الصريح. فَرَفَضتْ الصحيفة نشرها لأنه يجب أن يرد على أبو أحمد وليس على جواد العناني. فنَفَسَ عن غضبه بكتابة ثلاثة أو أربعة أعمدة في مقالته اليومية بالرأي، ولم أجبه على الاطلاق. وأقبل علي زميلي الراحل معالي سليمان عرار ورجاني أن أرد على الأخ طارق حتى يُغْلق ذلك الباب. فرددت على الأخ طارق «أبو علي» في مقدمة مقالتي التالية في صحيفة «الشعب». وتوقف أبو علي عن الرد، إلى أن التقينا في حفل غداء، وتحادثنا صاحبين وصديقين، ولم يُشِر أي منا إلى الذي جرى.
أما الراحل د. فهد الفانك، فكان لي معه صولات وجولات. وقد كان يقول لي باستمرار انه لن يعيش أكثر من ستين سنة، لأن هذا الأمر وراثي في أسرته. ولما تجاوزها، واقترب من الثمانين قبيل وفاته. بدأت حدية مواقفه ولغته المباشرة تأخذان منحى أقل هجومية. وذات يوم انتقد مقالات لي كنت أنشرها في صحيفة «الجوردان تايمز» بأنها تناقض بعضها البعض. فعدت إلى مقالاته في صحيفة الرأي، وأخذت منها حوالي عشرين اقتباساً من مقالات مختلفة كتبها وفيها مواقف رأيت أنها متناقضة. ونشرتها في مقالة بالعربية في صحيفة الدستور. فما كان منه إلا أن اتصل معاتباً ومتهماً إياي بأنني أسعى لتدمير سمعته. فقلت له «أنت الذي بدأت، علماً أن ما قلته عني غير صحيح ولا دقيق». فقال لي «ومن قال لك أنني كنت موضوعياً. الصحفي يجب أن يتعصب لرأي أو موقف حتى يكون مقروءاً من الطرفين المؤيد لموقفه والمعارض له». فضحكت كثيراً.
ورغم كثرة المناوشات إلا إننا بقينا على تواصل دائم. وأذكر أن أحداً من أهله دهس شخصاً يعود نسبه إلى أسرة معروفة في مدينة الخليل. وجاءني من أجل التوسط معهم للمصالحة. وأبدى أهل الميت سماحة عالية قائلين إن هذا من قدر الله ولطفه. لم يكن ليفرقنا اختلاف الرأي على الاطلاق، بل كنا نحب ذلك الاختلاف.
ومن الأدب القول إن مضر باشا بدران -شفاه الله- كان مختلفاً معي في الرأي تماماً حول وزارة التموين وَدورها في الاقتصاد الأردني وتحقيق العدالة.
وقد نَشَّط في حكومتيه الأولى (1976-1979) وَ(1980-1984) دور الوزارة، واعتبر ذلك انجازاً مهماً. أما أنا فقد خالفته الرأي في ذلك، واعتبرت الوزارة جزءاً من تدبير رجال الأعمال المستوردين ليستولوا على عطاءات التموين الكبيرة، وأن الوزارة فشلت تماماً في تخفيض الاسعار بقدر ما شوهتها، ولو كانت جزءاً من وزارة الزراعة، واعْتَمدتْ على توفير مخزون من المنتج المحلي والمستورد عند الضرورة، لساهمت في دعم الانتاج الزراعي، وأنعشت كثيراً من المزارعين المظلومين، ولتحولت من وزارة داعمة للاستهلاك إلى وزارة داعمة للانتاج المحلي.
وذات مره، دار نقاش في مجلس الوزراء حول الموقف من الوزارة. واحتدم النقاش بيني وبين وزير التموين آنذاك الراحل ابراهيم أيوب ومعالي مروان القاسم. وقد أثار النقاشَ اقتراحٌ قدمه معالي وزير المالية آنذاك سالم المساعدة بالغاء حصر استيراد اللحوم المجمدة بوزارة التموين، والسماح للتجار باستيرادها من غير رسوم جمركية. وهذا ما أثار النقاش كله. وأخيراً ولهول المفاجأة، أيَّد رئيس الوزراء مقترح وزير المالية ورأيي المؤيد له. وخرجتُ بعدها لأكتب مقالاً نشر في صحيفة الرأي على امتداد صفحة كاملة بينت فيه أن وزارة التموين قد حددت أسعار ما نسبته (85%) من نفقات الأسر الأردنية. فالايجارات محددة بعقد الايجار، ولم يكن حينئذ مسموحاً للمؤجر بتغييرها، وأسعار المياه والكهرباء ورسوم الهاتف محددة من قبل الحكومة، وأسعار المواد الغذائية الأساسية كلها مسعرة من وزارة التموين، والأدوية مسعرة من قبل وزارة الصحة، وقطع غيار السيارات محددة من وزارة الصناعة، وأسعار الخضار والفواكه تُصدر نشرة محددة بأسعارها من وزارة الزراعة، وأجور النقل محددة من وزارة النقل، وأسعار المشتقات النفطية محددة في ذلك الوقت من قبل وزارة الصناعة والتجارة. ولم يبق غيرَ مُسَعَّر سوى الشيبس والعلكة والشوكولاتة والمكسرات. وبعد انشاء المؤسسة الاستهلاكية المدنية وزميلتها العسكرية، وانشاء الأسواق الموازية، بقي معدل التضخم 17-18% سنوياً.
أما أكثرها اثارة فهو ما حدث معي بعدما أعفيت من منصبي رئيساً للديوان الملكي العامر بعد تسلم جلالة الملك عبدالله الثاني المُلك بحوالي شهرين، وعدت عضواً في مجلس الأعيان. وبعد انتهاء الدورة البرلمانية، سافرت إلى الولايات المتحدة لكي أعمل أستاذاً زائراً بجامعة «ويست فرجينيا» بمدينة «مورجان تاون» وبترتيب من صديق جامعي لي. وطَلَبت مني ادارة «مدرسة كينيدي للحكومة» في جامعة هارفارد أن أقدم محاضرة أسبوعية عن اقتصاد الشرق الأوسط كل يوم خميس، ورتبت أموري على هذا الأساس.
وذات يوم دعاني مدير أحد مراكز البحوث في هارفارد لالقاء محاضرة عن الأمن والاقتصاد في الشرق الأوسط، وبعد المحاضرة استضافني في مكتبه واطلعني على تقرير وضعه اثنان من كبار موظفي وزارة الدفاع الاميركية وهما «بول ولفوفيتز» و"ريشارد بيرل» ينتقدان فيه سياسة الأردن بالتشديد على الأردنيين من أصول فلسطينية في سحب جوازاتهم على الحدود إذا كانوا مقيمين في الضفة الغربية، وفي تقليل تمثيلهم في القطاع العام بكل مواقعه واجهزته. واتهموا الأردن بأن هذا التمييز سوف يؤدي إلى الضغط على اسرائيل وتهديد أمنها. وقال لي رئيس المركز إن أقرأ التقرير في مكتبه دون أن اصور صفحاته. فاعتمدت على ذاكرتي القوية للاحتفاظ ببعض المعلومات والأفكار في رأسي.
وخرجت من عنده وسجلتها، ولما عدت إلى عمان كنت قد أعددت تقريراً بها. وقررت عند العودة أن اقدمه شخصياً إلى جلالة الملك عبدالله الثاني. ولما وصلت إلى عمان بعد حوالي اسبوعين من ذلك التاريخ. طلبت مقابلة جلالة الملك. ولكن الموعد لم يحدد، بسبب انشغالات جلالته بأمور أخرى مثل استقالة كل من معالي عدنان أبو عوده من الديوان الملكي بسبب كتاب نشره، علماً أنه حينها كان مستشاراً لجلالته، واستقالة معالي الدكتورة ريما خلف من حكومة عبدالرؤوف الروابدة لأنه لم يوافقها على تغيير أمين عام وزارة التخطيط آنذاك. وبعد فترة انتظار، قررت أن اكتب مقالاً بصحيفة البيان مشيراً إلى نقاط ثلاث هي حق المواطن الأردني بالعودة إلى بلده ولو كان من حماس، وعدم جواز سحب جوازات السفر من قبل ضباط الحدود، ومراعاة التوزيع الجغرافي في توزيع المناصب الوزارية. وقد شكَّلتْ هذه النقاط محور الهجوم علي شخصياً والانقاص من شأني واتهامي بالجحود. ولم أجب على أي منها، فقد كنت واثقاً أن بعضهم من أصدقائي لم يكتبوا ذلك برضاهم.
ومع أنني قررت السفر للعمل في الامارات، فقد اخترت امارة دبي. وللحقيقة أنني ما وجدت من أهل الامارات إلا كل الخير والتقدير. وبعد سنة من الغربة، طُلبْت إلى الديوان الملكي العامر، وقابلني جلالة الملك عبدالله الثاني. وسكتت الاقلام لما علموا بذلك لأنها اشارة ذكية من القائد الأعلى بأنني مازلت جزءاً من الحياة العامة في الأردن.
ولا بد أن أذكر أشخاصاً آخرين في الاعلام ممن زاملوني في حياتي منذ البنك المركزي ووزارة العمل والضمان الاجتماعي وما تلا ذلك من وزارات. ومن هؤلاء السيد عمر عبندة، وسعد الطويحين، وحاتم الكسواني، وسليم المعاني، وعامر الصمادي، ووجيه العتوم، وآخرين أرجو أن يغفروا لي عدم ذكرهم.
ومن الصحافة رجال احترم مهنيتهم العالية وإن كنت لا اتفق معهم في كل ما يطرحونه. ومن هؤلاء معالي السيد محمد داودية، والصحفي الباحث المستقصي محمد خروب، الذي يتناول قضايا الساعة خارج الأردن. وبالطبع كثير من رؤساء التحرير في الصحف مثل محمد التل، والذي زاملته لمدة عامين تقريباً لما كان رئيساً لتحرير الدستور، وعملت أنا رئيساً لمجلس إدارة الشركة. ومنهم حمدان الحاج، وعصام قضماني الذي أصبح متخصصاً في كتابة الأعمدة الاقتصادية، وسلامة درعاوي، وغيرهم.
أما الصحفية لميس اندوني التي عملت لفترة طويلة مراسلة لعدد من الصحف الأميركية البارزة مثل لوس انجلوس تايمز، والكريستيان ساينس مونيتور، وَوول ستريت جورنال، وهي صحفية نافذة ولها مبادئها التي تؤمن بها، وإن كانت قد أغاظت أناساً كثيرين.
وكذلك سليمان الخالدي، والذي مضى عليه ردح طويل من الزمن وهو مراسل لرويترز، ومحقق من الطراز الأول. ولا أنسى طبعاً كارولين فرج التي تفوقت كثيراً في مهمتها، وصارت مدير ل CNN (سي ان ان) في دولة الإمارات.
لقد عشت عمراً مع الصحفيين مثل الأخوة سمير الحياري، ود. خالد الشقران رئيس تحرير الرأي، ولي مع كل واحد منهم قصة ورواية. عالم الصحافة عالم ساحر، ويشكل جزءاً كبيراً من حياتنا..
عيب علينا أن ننسى من أسسوا الصحف الأردنية وبنوها من ابناء الوطن الذين أسسوا صحفاً يومية مثل المرحومين كامل ومحمود الشريف، والمرحوم معالي الأخ جمعة حماد، وسليمان عرار، ومحمود الكايد، وحسن التل، وعبدالحفيظ محمد، وشيخ الصحفيين المرحوم ضيف الله الحمود الذي أصدر مع المرحوم شفيق ارشيدات جريدة المعارضة الميثاق عام 1949.
ولا انسى بالطبع المرحوم صبحي زيد الكيلاني الذي أصدر مجلة اسبوعية اسمها «حول العالم». وقد دأب على كتابة عامود فيها بعنوان «فلنكن صريحين». وقد واظبت على قراءة هذه المجلة.
ويجب أن أتذكر المرحوم ابراهيم سكجها وابنه باسل وأولاد الشريف سيف ونبيل وأسامة واسماعيل. ومنهم من ساهم في استحداث الصحافة الأجنبية مثل رامي خوري أول رئيس تحرير لصحيفة الجوردان تايمز، وجورج حواتمه، ومعالي ايمن الصفدي.
وأخيراً لا بد أن أتعصب لمحمد عليان، مؤسس صحيفة الغد ورئيسة تحريرها المبدعة جمانة غنيمات. ومؤسس صحيفة جوردان نيوز ومحررها خالد دلال.
لكل هؤلاء ومن نسيت ذكره ألف تحية.