مواطن من الدرجة الثانية

جفرا نيوز  - خاص -  المحامي علاء مصلح الكايد

تابعت العديد من التساؤلات والتعليقات عبر مواقع التواصل تطرقت لمصطلح " الهوية الوطنية الجامعة "، مع كثير من التحليلات التي جانبت الحقيقة والصواب بما أعتدنا عليه من فزاعات موسمية ترافق كل خطوة نحو الأمام بكل أسف.

وقد تمحورت معظم المخاوف والشكوك حول التوطين لكن هذه المرة بصيغة أوسع، إذ حملت الأسئلة والإجابات إجتهادات بأن الهدف أوسع من توطين الأشقاء الفلسطينيّين من غير حملة الأرقام الوطنية، بل إمتدت لتشمل في دائرتها توطين الأشقاء من اللاجئين السوريّين، وأن في ذلك إستهداف للعشائر ومحاولة لطمس الهوية الوطنية الأصيلة.

ومن حيث المبدأ، نقرّ بوجود حالة طبيعية أشبه بالمناعة الشعبية تجاه كل ما هو جديد ليس على مستوى المملكة بل العالم أجمع، لكن الفارق هو مخالفة الكثير من تلك المخاوف للحقائق التاريخية الثابتة والمواقف التي دفع الأردن وما زال يدفع ثمن مواقفه الصلبة تجاهها! كما أن الوضع على الأرض مغاير تماماً لما يشاع من حيث مكانة العشائر الأردنية إلى جانب غيرها من المكونات الأصيلة.

فهذه الهواجس هي ذاتها التي عطلت فكرة الأقاليم سابقاً كما عطلت العديد من المبادرات التي كانت ستعود على الوطن أجمع بالنفع، وهي تخالف الواقع مجدداً عبر التشكيك في نوايا القرار السياسي العام الذي يحارب أية أجندات إقصائية أو دخيلة، والشواهد على ذلك كثيرة جداً ويوميّة.

لقد بسط جلالة الملك رؤيته للهوية الوطنية الجامعة عبر الأوراق النقاشية الملكية، وقبل ذلك بأعوام حيث جاء بخطاب جلالته في العام ( ٢٠١٢ ) بمناسبة مرور ٥٠ عام على تأسيس الجامعة الأردنيّة حيث قال " عندما نسأل من هو الأردني؟ الجواب: الأردني هو الذي يعتز بهويته الأردنية وبانتمائه الحقيقي لهذا الوطن. والأردني هو الذي يقدم مصلحة الأردن على كل المصالح والاعتبارات. والأردني هو الذي عندما يمر الوطن بظروف صعبة أو استثنائية، يسمو بكرامته وانتمائه على كل مصلحة شخصية أو حزبية أو جهوية، ويقف إلى جانب الوطن في مواجهة كل التحديات. والأردني هو الذي يقوى بالوطن ولا يستقوي عليه، ولا ينتهز الفرص للتحريض عليه. والأردني لا يقبل بأي أجندة إلا إذا كانت مرتبطة بتراب الأردن وتضحيات الأردنيين وطموحاتهم. الأردني هو الذي يقيس ثروته الحقيقية بمقدار ما يقدم من عطاء وتضحية وإنجاز وليس بمقدار ما يملك من مال أو جاه. الأردني هو الذي ينظر للمستقبل وعملية التحديث بعزم وإصرار، ويستمد القوة والثقة بالمستقبل من إيمانه بالله عز وجل ومن اعتزازه بتاريخه وتراثه وقيمه الأصيلة. الأردني هو الذي لا يقبل بالفشل بل يتحدى المستحيل وينتصر عليه".

ووفقاً للتوصيف الملكي أعلاه، فإن قيم المواطنة الجامعة هي تلك التي تشكل غلافاً يجمع كل الأطراف وينظم ويصون علاقتها بالدولة عموماً وببعضهم البعض، وهي ذاتها التي تهدف إلى مظلة صحية شاملة تغطي جميع المنتفعين، وتعليم إلزاميّ بمستوى متقدم، ومساواة أساسها الكفاءة لا الأفضلية لدى تولي الوظائف العامة من أدناها حتى أعلاها، وخضوعٌ مجرّد للقانون بلا محاباة أو تمييز، ولا أظنّ أن أيّ فرد على أرض المملكة أو خارجها من أبناءها يعارض هذا التوجه.

بل العكس هو الصحيح، فقد أظهرت وسائل التواصل حقيقة راسخة وهي إنصهار الأردنيين عند أي حدث عام أو حتى حادثة فردية، فعند تعرض أي منهم لضرر أو عرضه مظلمة خاصة نجد تعاطفاً جارفاً من كافة المنابت والأصول، يدافع عن حقوق غيره أكثر من دفاعه عمّا له، وهذا دليل صدقٍ على أن هويتنا الوطنية الحقيقية جامعة لا إقصائية في الغالب الأعمّ، لكنّ هناك من يقتات على مواقف التهييج المناهضة للتجديد والتي ربما تغيّر من مكتسبات شخصية ضيّقة تقوم على إستعطاف فئة من الجماهير عبر الإيحاء لها بالإقصاء والإستهداف.

إن الهوية الوطنية الجامعة هي الرابط الخاص الذي يميز المواطن الأردني ويشبّك الخيوط داخل المجتمع، وخلاف ذلك خسارة للجميع، فصاحب الأفضلية في مضمار ما يُقصى في مضمار آخر يكون لغيره الأفضلية فيه، والمواطنة الجامعة هي ما يغني المواطن من البحث عن وسيط يمكّنه من الحصول على حقّ من حقوقه، وهي التي تحول كذلك دون الحيلولة بين مواطن وحقّه لوجود حماية لآخر يقف في وجهه.

هي ليست مسألة معنوية فحسب، بل هي عمود توازن وأساس مشروعية العيش لكل من يحمل الرقم الوطني والولاء والإنتماء، وقد نجح الأردن في توطيد الروابط بين أبناءه وبناته بخلاف دول شقيقة كانت فيها الحظوة لمنتسب حزبيّ على غيره في المغانم وحمايته من المغارم، وأقصت فئات إجتماعية شتّى حتى بات الأصل أو الإسم هو المعيار لدى التفضيل أو الإستثناء، وطال ذلك أبسط حقوق العيش.

نحن أقرب من غيرنا لتعظيم القيم التي تجمعنا وإذابة أية فوارق لا يقبلها أيّ منّا، ولا يكون هذا إلّا بالبناء على القيم الأصيلة التي جمعتنا وما زالت.

ففي الأردنّ، لا يُقبل أن يكون هناك مواطن من الدرجة الأولى وآخر من الدرجة الثانية، بل نحن كتلة واحدة تكمّل بعضها بعضاً، والوطن يحتاجنا جميعاً لمواصلة البناء والإنتاج.

والله من وراء القصد