العناني: الملك ردم الفجوة بين مكونات الشعب الأردني
جفرا نيوز - د. جواد العناني
انجزت اللجنة الملكية برئاسة دولة سمير الرفاعي عملها الذي كلفت به، وذلك في الوقت الذي حُدِدَ في الرسالة الملكية عند تكليفها (مئة يوم). وهكذا ينفرط عقد اللجنة بانتهاء مهامها، وتبدأ مرحلة جديدة. وعند استقبال جلالته لرئيس اللجنة ورؤساء اللجان والأعضاء الآخرين بحضور الحكومة ممثلة برئيسها والوزراء، القى جلالته رسالة موجزة في كلماتها واضحة في معانيها. واستطيع من القراءتين الاوليين لكلمة جلالته ان أقرأ الرسائل الملكية التي وجهها للشعب الاردني عامة بتجمعاته المدنية من احزاب ونقابات وجمعيات، والتي يمكن وضعها باختصار كما يلي.
المبدأ الاول الذي ركزت عليه الكلمة الملكية هي ضرورة ان ننتقل في الاردن من العمل الفردي الى العمل الجماعي الفاعل، وذلك عن طريق بناء احزاب تتخذ قرارات جمعية، ومجلس نواب ممثل لقرارات الأحزاب وليس للآراء الشخصية للأعضاء. وبالمقابل فان الحكومات يجب ان تعمل كفريق متفاهم متناغم في مواجهة النواب وهم يمارسون مهامهم المنصوص عليها في الدستور.
وهكذا تنتهي من عقدة «الأنا» والفردنة وبعثرة الجهود عمودياً وأفقياً، وننتقل إلى عمل جماعي منسق يخلق طاقة ايجابية فعالة.
أما المبدأ الثاني الذي رسخه جلالة الملك فهو ردم الفجوة بين مكونات الشعب الاردني متخذاً عنواناً للنجاح في ذلك مؤشرين رئيسيين، وهما صعود المرأة الكفؤة لتحتل دورها الصحيح في السلالم الادارية والسياسية، والمقدرة على استيعاب الشباب الذين يمثلون غالبية سكان الاردن. ولذلك فان مؤشرات نقص البطالة بين الشباب والنساء وفسح المجال لمزيد من النساء في العمل العام وحجم الابتكار والافكار الخلاقة، والتنافسية القائمة على الكفاءة، تشكل جميعها مؤشرات حقيقية على نجاحنا في ردم الهوة بين الاناث والذكور، والفجوة بين جيلي الشيب والشباب، وتمتين اواصر العلاقة بين مختلف فئات الشعب.
والمبدأ الثالث الهام هو التأكيد على أن المواطنة الفاعلة هي حقوق وواجبات لكل فرد من افراد المجتمع. أما الاستغراق العبثي في محاولة تعريف المواطنة بقصد الاقصاء، فهو أمر مرفوض تماماً. وعلى كل مواطن ان يعي أن افضلنا هو الذي يؤدي واجباته قبل ان يسأل عن حقوقه. وخلق التوازن بين الحقوق والواجبات ويحافظ على رسوخ الوطن، وتثبيت جذوره وشموخ عطائه وانجازاته.
واذا قام كل منا باداء واجباته والتمسك بحقوقه فاننا سنتمكن معاً من الخروج من مأزق الادارة الرعوية للموارد والتَّعيُّش على حساب الخزينة الى مجتمع يساهم في بناء نفسه ويؤدي واجباته وضرائبه، ويحترم الملكية العامة. ومثل هذا المجتمع لا يمكن له أن يعرى أو يجوع.
أما المبدأ الرابع فهو اصرار الملك ان نتحول الى دعم الحكم المحلي على حساب المركزية لما في هذا الامر من فوائد لا تحصى، مثل ردم الهوة بين الريف والبادية والمحافظات من جهة والمدن الرئيسية مثل عمان من جهة اخرى.
وانطلاقاً من توسيع باب المشاركة، واعتماداً على توزيع مكاسب النمو بالعدل على كل مناطق المملكة وزيادة عدد السكان في المناطق الطاردة لها، وتقريب الناس من الموارد، فإن اللامركزية الصحيحة سوف تأخذنا على مسار فعال من تحسين الادارة وزيادة الفاعلية للاقتصاد واستخدام الموارد استخداماً فعالاً والتوزيع العادل للدخل والثروة.
واما المبدأ الخامس فهو اتباع اسلوب التدرج نحو الهدف. لقد تبنى جلالته مخرجات اللجنة الملكية للاصلاح، اي انه حدد الاهداف التي نسعى نحوها وهي الوصول الى حكومات برلمانية حزبية منتخبة بقوة برامجها وسياساتها ولكن الوصول لذلك يتطلب خطوات مرحلية مدروسة وتراكمية تفضي بعد عشر سنوات (وليس عشرين) الى خلق المواطن القوي الواثق الفاعل، والحزب الفاعل ومجلس النواب الفاعل ومجلس الوزراء الفاعل.
وأما النقطة الأخيرة، فهي اصرار جلالته على ان يسير إقرار القوانين والتعديلات الدستورية المقترحة وفق ما يجب ان تسير عليه الأمور، فالمخرجات التي قدمتها اللجنة الملكية يجب أن تذهب للحكومة لتتعامل معها بكل احترام وحيادية وايجابية، وَمِنْ ثَمَّ ترفعها الحكومة الى مجلس الأمة، ليرى رأيه فيها، وستدافع الحكومة عنها لان هذه القوانين والتعديلات الدستورية صارت ملكها بعد ان أقرها ديوان التشريع التابع لها، ومتى اقرها مجلس الأمة، يصار الى رفعها الى المقام السامي لتتوشح بالتوقيع. فقد أكد رئيس الوزراء بتصريحاته يوم أمس أنه وحكومته ملتزمون بهذا التوجيه الملكي.
نشكر اللجنة الملكية على جهودها المتميزة، ويشكر رئيسها على سعة صبره وحسن قيادته، واعتقد انهم قدموا جميعاً منتجاً متوازنا قابلا للتنفيذ ويخدم مستقبل الاردن ومنعته.
ولكن الشكر الأبلغ يرفع لجلالته الضامن والظهير والنصير، فقد صدق وعده ونفذ ما كتبه في الاوراق النقاشية الملكية. وحسب هذه الأوراق فإن الوقت قد حان لإصلاح العملية التعليمية والتربوية.