طالبان وداعش خراسان لا يتسع غمد لسيفين !
جفرا نيوز - مهدي مبارك عبد الله
إلى جانب التباينات الفقهية المتعددة والتناقضات الأيديولوجية الشاملة بينهما تعكف حركة طالبان بكل قوة للتصدي لمخططات ونشاطات داعش خراسان الرامية إلى السيطرة على مناطق حدودية مع باكستان والعمل على إجهاض مشاريعه التوسعية للتموضع فى ربوع أفغانستان انطلاقا من موطنه في مدينة جلال اباد وعلى الرغم من هذه الاختلافات يرتبط تنظيم ولاية خراسان بحركة طالبان عبر شبكة حقاني حيث يحظى التنظيم بعلاقات قوية مع هذه الشبكة، والتى تعد بدورها حليفا مقربا لحركة طالبان في المقابل تنفى طالبان أي علاقة لها بتنظيم الدولة
في كل يوم جديد الأعباء تزداد وتتفاقم على كاهل حركة طالبان التي لا تزال مدرجة على لوائح التنظيمات الإرهابية في دول شتى مما سينال من قدرتها على الوفاء بتعهدها عدم السماح للجماعات الجهادية التكفيرية باتخاذ أراضي أفغانستان منصة ومنطلق لتهديد أية دولة اخرى علاوة على الغموض المريب الذى يكتنف علاقة حركة طالبان الشائكة بتنظيم القاعدة وقد حذرت الأمم المتحدة مرارا من التعاون ( القاعدي ـ الطالباني ) من حيث إجراء تدريبات او تنفيذ عمليات مشتركة فضلا عن المخاوف المتواصلة من حدوث مواجهات شرسة بين الحركة المرتبكة وتنظيم ولاية خراسان المتطرف بعدما شنت مرخرا كتيبة بدرى 313 التي تضم خيرة مقاتلي طالبان تدريبا وتسليحا حملة ضارية لدحر داعش بولاية ننجرهار
منذ ظهور داعش خراسان بمديريات الشرق الأفغاني أواخر عام 2014 كأحد أخطر تشكيلات الإرهاب العالمي وأبرز مصادر التهديد الوجودي للحركة والذي يتهمها بالبراجماتية المفرطة وإعلاء الاعتبارات القومية فوق الانتماء الديني ويصف قياداتها التى كانت تتفاوض مع الأمريكيين ومناهضي المشروع الجهادى بالكفار والمرتدين وفى فبراير عام2020 انتقد التنظيم اتفاق الدوحة الذى أبرمته الحركة مع واشنطن منددا بتفريطها بثوابتها ولهذا انخراط تنظيم خراسان فى قتال القوات الأمريكية والأفغانية والطالبانية وبسط سيطرته على مديرية خوكى بمحافظة كونار الحدودية مع باكستان وهو يتطلع نحو مناظق آسيا الوسطى
وخلافا لطائفة من الجماعات والتنظيمات الاسلامية التي تتخذ من أفغانستان ملاذا آمنا لها أعرض داعش خراسان عن مباركة استيلاء طالبان على العاصمة كابول ودعا الى تقويض ثقة الشعب الأفغاني بقدرة طالبان كسلطة حاكمة على الاضطلاع بوظيفتها الأمنية وجهوزية الحركة لتأمين البلاد خاصة بعد التفجيرات الانتحارية بمحيط مطار كابول التى أودت بحياة 13 جنديا أمريكيا وقرابة مائتين من الأفغان وما تلاها من هجمات صاروخية تبناها التنظيم
في الحقيقة رغم انتزاع طالبان السيطرة على البلاد فى غضون أسابيع قلائل بغير مواجهات مسلحة وتفاخرها بما غنمته من أسلحة أمريكية تقدر بمليارات الدولارات الا انه يستعصى ملء الفراغ الأمني والعسكري الناجم عن الانسحاب الفوضوي للقوات الأمريكية والأطلسية وهو ما خول داعش خراسان الى اقتناص موطئ قدم هناك ليتخذ منه قاعدة لمباشرة أنشطته الإرهابية في الداخل الأفغاني ومحيطيه الإقليمي والدولي
العديد من الاختصاصيون القوا باللائمة على واشنطن في سوء التقدير الاستراتيجي اضافة الى إخفاق الحكومات السابقة فى منع تغول وتفشي داعش خراسان ليغدو واحدا من أخطر التنظيمات الإرهابية على مستوى العالم بحسب مؤشر الإرهاب العالمي التابع لمعهد الاقتصاد والسلام معتبرين أن حروب أمريكا وحلفائها ضد الإرهاب طيلة عشرين عاما لم تؤت أكلها فبدلا من استئصال شأفته توحش تهديده الجهادى وتشعب وتتطور
عام 2018 رصد مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن ارتفاع عدد التنظيمات الإرهابية النشطة إلى 67 مسجلا أعلى حصيلة منذ العام 1980 وقد تنامى أعداد مقاتليها إلى ما بين 100 و230 ألفا بنسبة زيادة قدرها 270 % مقارنة بتقديرات عام 2001 وبدوره اتسع المدى الجغرافي للخطر الإرهابي ليشمل الشرق الأوسط وغرب أفريقيا ومعظم بقاع العالم العربي وجنوب شرقي آسيا
واقع طالبان اليوم يختلف كليا عن تجربتها الأولى في الحكم خلال الفترة من عام 1996 حتى 2001 حيث تواجه الحركة شبح الانهيار الاقتصادي وتعقيدات التنوع الاثني والمذهبي ومأساة هروب الأدمغة والكفاءات الوطنية وإشكالية الانتقال من عقلية التنظيم الحركي إلى نهج السلطة الحاكمة فضلا عن المعضلات الأمنية وقدرتها على استرضاء أربعين مليون أفغاني يعيشون فى 34 ولاية
التصدي لأمراء الحرب وبعض منشقي شبكة حقاني وبقايا فلول مقاتلي احمد مسعود ومجابهة مخاطر الجماعات المتطرفة على شاكلة القاعدة وداعش خراسان وطالبان باكستان وما يعانيه مقاتلو الحركة من ارهاق وانهاك بعد سنوات من المعارك الضارية ضد القوات الحكومية والأطلسية ناهيك عن الانقسامات التي تتربص بالحركة حيث يتنازعها تياران متنافسان حول نهج إدارة البلاد. إذ تميل القيادات العليا إلى إظهار وجه أكثر اعتدالا للحركة بهدف نيل الاعتراف والدعم الدوليين فيما تأبى المستويات الوسيطة والدنيا إلا التمسك بالأفكار والسياسات المتشددة
وفي الوقت الذي استبعدت إدارة جو بايدن أى تواطؤ لـلحركة مع داعش خراسان فى عمليات مطار كابول الإرهابية غير أن علامات استفهام عديدة بقيت تحاصر طالبان بجريرة تحريرها سجناء كثر أثناء سيطرتها الدرامية على العاصمة فبينما أبدى المتحدث باسم الحركة قلقه من هروب سجناء دواعش أدانت وزارة الدفاع الأمريكية إطلاق طالبان للآلاف من سجن باغرام قبيل تفجيرات المطار وهو ما قوى قدرة التنظيم عقب إطلاق سراح مقاتليه الموقوفين والذين عادوا اليه مقاتلين
رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارك ميل اكد جهوزية بلاده للتنسيق مع طالبان بغية حرمان الإرهابيين من اتخاذ أفغانستان قاعدة لمعاودة تهديد المصالح الأمريكية ومن المفارقات الغريبة ان الأمريكيون استخدموا قنبلة جى بى يوــ43 المسماة أم القنابل كونها أضخم قنبلة غير نووية لتدمير أنفاق ومخابئ تابعة لداعش خراسان بمقاطعة آشين فى إقليم نانجارهار عام 2017
فيما هرع الجيش الأفغاني في المشاركة بعدة عمليات مشتركة نفذها مع القوات الأمريكية إلى إعلان هزيمة التنظيم إلا أن الأخير سرعان ما فاجأ العالم بمعاودة نهوضه مستعرضا قدراته الإرهابية الفتاكة فى عمليات موجعة ومدوية زلزلت مطار كابول وهو ما أجبر القوات الأمريكية على رد سريع عبر غارتين بمُسيرتين لتدمير آليات كانت تستقلها قيادات داعشية استنقاذا لما تبقى من صدقية وهيبت امريكا وتأكيدا لاستمرارية الحرب ضد الإرهاب برغم إخفاق العمليات التي نفذتها بالتعاون مع حكومة أشرف غنى في قطع دابر التنظيم المتطرف
لم تراعي واشنطن عند تسليم أفغانستان لطالبان بانها ربما تكون غير مؤهلة لكبح جماح التنظيمات الإرهابية المتشددة الأمر الذى شجع داعش على تنفيذ 216 هجوما بين مطلع كانون الثاني و11 آب 2021 مقارنة بـ 34 هجوم فقط خلال الفترة نفسها من العام الماضي
في الحقيقة لا يتورع خبراء ومختصون عن التشكيك الكلي بفعالية استراتيجية واشنطن الجديدة لـ ( محاربة الإرهاب عن بعد ) والتي يؤكد المسئولون العسكريون الأمريكيون بموجبها قدرة بلادهم على هزيمة الإرهاب في أفغانستان من الجو دونما ضرورة لتموضع عسكري ممتد خصوصا بعدما فوض الرئيس بايدن البنتاجون باستخدام المسيرات لضرب الأهداف التابعة للتنظيمات الإرهابية هناك فى المستقبل
في المقابل لم يمنع إعلان الرئيس بايدن فى أحدث خطبه له أفول حقبة التدخل العسكري الأمريكي الخارجي بذريعة بناء الدول وتأهيل الجيوش من تغيير واقع تلك البلدان ولا تزال وزارة الخارجية الأمريكية تمعن في رفضها تخفيف العقوبات المفروضة على حركة طالبان وترفض مواصلة تقديم المساعدات الإنسانية لشعب أفغانستان او السماح باستئناف التحويلات المالية الشخصية الخارجية الى بلادهم التى تقدر بـ790 مليون دولار وتمثل 4% من الناتج المحلى الإجمالي الأفغاني سنويا
على عكس حركة طالبان التي لا يزال تركيزها على أفغانستان أبدى تنظيم الدولة الإسلامية مرارا وتكرارا رغبته في مهاجمة الأمم المتحدة والقوى الغربية وقد شن ست هجمات كبيرة في العاصمة الأفغانية 14 منها عام 2016 ثم 18 في عام 2017 و24 في عام 2018 ولا زال تنظيم داعش خراسان يشكل خطرا حادا ومتزايدا
صدر مؤخرا تقرير عن احد مراكز الدراسات الاستراتيجية أوضح أن لدى تنظيم الدولة في خراسان قوة قتالية قوامها 800 مقاتل اعتبارا تشرين أول 2018 الى ذروة بلغت 3000 إلى 4000 خلال عام 2016 وبقيت جماعة داعش خراسان تعتقد بأن طالبان في الحكم الإسلامي ضعيفة للغاية ولهذا جندت المنشقين عن طالبان وخاصة أولئك الذين لم يكونوا راضين عن عدم نجاح قيادتهم في ساحة المعركة في ذلك الوقت يضم آلاف المقاتلين الأجانب في كلا الجانبين من آسيا الوسطى ومنطقة شمال القوقاز الروسية وباكستان معظم هؤلاء يرتبط بتنظيم القاعدة لكنَّ كثيرين منهم متحالفون مع تنظيم داعش خراسان ويتمركز التنظيم فى إقليم نانغاهار شرقى أفغانستان قرب طرق تهريب المخدرات والبشر إلى باكستان
وقد تجلى العداء بين الجماعتين بعد ادعاء داعش خراسان بان طالبان أعدمت زعيمها السابق أبو عمر خراساني بإجراءات موجزة بعد إطلاق سراحه من سجن أفغاني مع الآلاف من مقاتلي طالبان وداعش والقاعدة وبعدما أقسمت قيادة طالبان في كابل ايضا على عدم منح الجماعة أي موطئ قدم في البلاد وقد كانت بعض أسوأ الاشتباكات بين طالبان وداعش خراسان حول السيطرة على تجارة المخدرات لتمويل تمردهم
ضمن توالي الهجمات الدموية لتنظيم داعش خراسان في افغانستان وتصاعدت وتيرتها بعد الانسحاب الأمريكي من البلاد وصعود حركة طالبان أعلن التنظيم في 19 أيلول 2021 الجاري مسؤوليته عن 3 تفجيرات هزت مدينة جلال آباد في شرق أفغانستان واستهدفت عربات عسكرية لحركة طالبان بعد الانسحاب الأمريكي تكشف التهديدات دينامية معقدة بين طالبان من ناحية وعدوها اللدود تنظيم داعش خراسان فيما يقول المحللون إنَّه ينذر بصراع دموي
يعد تنظيم ولاية خراسان الأكثر تطرفا وعنفا من بين جميع التنظيمات والفصائل الجهادية فى أفغانستان كما وتعتبر رابع أنشط التنظيمات الارهابية فى العالم وهو واحداً من الأفرع العديدة التي أسسها تنظيم الدولة الإسلامية بعد اجتياحه شمال العراق قادماً من سوريا في عام 2014 حيث إنشاء خلافة بحجم دولة بريطانيا قبل ان يهزم ويسحق بحملة عسكرية من قبل دول التحالف بقيادة الولايات المتحدة
لكنه بقي هناك أكثر من 10 آلاف مقاتل تابعين لداعش في العراق وسوريا اضافة الى فرع داعش في منطقة الساحل الإفريقي وشبه جزيرة سيناء وبما يشكله من خطر خاصة ان معظم عناصره من المتشددين من أتباع المدرستين ( الجهادية السلفية وجماعة إشاعة التوحيد ) وهنالك للتنظيم عدة خلايا نائمة في باكستان وقد كانت ولاية خراسان من أحد الأسباب التي دفعت امريكا إلى التفاوض مع طالبان والعالم اليوم وفى مقدمته أمريكا يراهن على حركة طالبان في التصدي لخطر تنظيم داعش خراسان ومحاربته ميدانيا ووقف تقدمه مقابل حصولها على دعم استخباراتى أمريكي وغربي قوى من اجل هذه المهمة الصعبة فهل تنجح ؟
mahdimubarak@gmail.com
إلى جانب التباينات الفقهية المتعددة والتناقضات الأيديولوجية الشاملة بينهما تعكف حركة طالبان بكل قوة للتصدي لمخططات ونشاطات داعش خراسان الرامية إلى السيطرة على مناطق حدودية مع باكستان والعمل على إجهاض مشاريعه التوسعية للتموضع فى ربوع أفغانستان انطلاقا من موطنه في مدينة جلال اباد وعلى الرغم من هذه الاختلافات يرتبط تنظيم ولاية خراسان بحركة طالبان عبر شبكة حقاني حيث يحظى التنظيم بعلاقات قوية مع هذه الشبكة، والتى تعد بدورها حليفا مقربا لحركة طالبان في المقابل تنفى طالبان أي علاقة لها بتنظيم الدولة
في كل يوم جديد الأعباء تزداد وتتفاقم على كاهل حركة طالبان التي لا تزال مدرجة على لوائح التنظيمات الإرهابية في دول شتى مما سينال من قدرتها على الوفاء بتعهدها عدم السماح للجماعات الجهادية التكفيرية باتخاذ أراضي أفغانستان منصة ومنطلق لتهديد أية دولة اخرى علاوة على الغموض المريب الذى يكتنف علاقة حركة طالبان الشائكة بتنظيم القاعدة وقد حذرت الأمم المتحدة مرارا من التعاون ( القاعدي ـ الطالباني ) من حيث إجراء تدريبات او تنفيذ عمليات مشتركة فضلا عن المخاوف المتواصلة من حدوث مواجهات شرسة بين الحركة المرتبكة وتنظيم ولاية خراسان المتطرف بعدما شنت مرخرا كتيبة بدرى 313 التي تضم خيرة مقاتلي طالبان تدريبا وتسليحا حملة ضارية لدحر داعش بولاية ننجرهار
منذ ظهور داعش خراسان بمديريات الشرق الأفغاني أواخر عام 2014 كأحد أخطر تشكيلات الإرهاب العالمي وأبرز مصادر التهديد الوجودي للحركة والذي يتهمها بالبراجماتية المفرطة وإعلاء الاعتبارات القومية فوق الانتماء الديني ويصف قياداتها التى كانت تتفاوض مع الأمريكيين ومناهضي المشروع الجهادى بالكفار والمرتدين وفى فبراير عام2020 انتقد التنظيم اتفاق الدوحة الذى أبرمته الحركة مع واشنطن منددا بتفريطها بثوابتها ولهذا انخراط تنظيم خراسان فى قتال القوات الأمريكية والأفغانية والطالبانية وبسط سيطرته على مديرية خوكى بمحافظة كونار الحدودية مع باكستان وهو يتطلع نحو مناظق آسيا الوسطى
وخلافا لطائفة من الجماعات والتنظيمات الاسلامية التي تتخذ من أفغانستان ملاذا آمنا لها أعرض داعش خراسان عن مباركة استيلاء طالبان على العاصمة كابول ودعا الى تقويض ثقة الشعب الأفغاني بقدرة طالبان كسلطة حاكمة على الاضطلاع بوظيفتها الأمنية وجهوزية الحركة لتأمين البلاد خاصة بعد التفجيرات الانتحارية بمحيط مطار كابول التى أودت بحياة 13 جنديا أمريكيا وقرابة مائتين من الأفغان وما تلاها من هجمات صاروخية تبناها التنظيم
في الحقيقة رغم انتزاع طالبان السيطرة على البلاد فى غضون أسابيع قلائل بغير مواجهات مسلحة وتفاخرها بما غنمته من أسلحة أمريكية تقدر بمليارات الدولارات الا انه يستعصى ملء الفراغ الأمني والعسكري الناجم عن الانسحاب الفوضوي للقوات الأمريكية والأطلسية وهو ما خول داعش خراسان الى اقتناص موطئ قدم هناك ليتخذ منه قاعدة لمباشرة أنشطته الإرهابية في الداخل الأفغاني ومحيطيه الإقليمي والدولي
العديد من الاختصاصيون القوا باللائمة على واشنطن في سوء التقدير الاستراتيجي اضافة الى إخفاق الحكومات السابقة فى منع تغول وتفشي داعش خراسان ليغدو واحدا من أخطر التنظيمات الإرهابية على مستوى العالم بحسب مؤشر الإرهاب العالمي التابع لمعهد الاقتصاد والسلام معتبرين أن حروب أمريكا وحلفائها ضد الإرهاب طيلة عشرين عاما لم تؤت أكلها فبدلا من استئصال شأفته توحش تهديده الجهادى وتشعب وتتطور
عام 2018 رصد مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن ارتفاع عدد التنظيمات الإرهابية النشطة إلى 67 مسجلا أعلى حصيلة منذ العام 1980 وقد تنامى أعداد مقاتليها إلى ما بين 100 و230 ألفا بنسبة زيادة قدرها 270 % مقارنة بتقديرات عام 2001 وبدوره اتسع المدى الجغرافي للخطر الإرهابي ليشمل الشرق الأوسط وغرب أفريقيا ومعظم بقاع العالم العربي وجنوب شرقي آسيا
واقع طالبان اليوم يختلف كليا عن تجربتها الأولى في الحكم خلال الفترة من عام 1996 حتى 2001 حيث تواجه الحركة شبح الانهيار الاقتصادي وتعقيدات التنوع الاثني والمذهبي ومأساة هروب الأدمغة والكفاءات الوطنية وإشكالية الانتقال من عقلية التنظيم الحركي إلى نهج السلطة الحاكمة فضلا عن المعضلات الأمنية وقدرتها على استرضاء أربعين مليون أفغاني يعيشون فى 34 ولاية
التصدي لأمراء الحرب وبعض منشقي شبكة حقاني وبقايا فلول مقاتلي احمد مسعود ومجابهة مخاطر الجماعات المتطرفة على شاكلة القاعدة وداعش خراسان وطالبان باكستان وما يعانيه مقاتلو الحركة من ارهاق وانهاك بعد سنوات من المعارك الضارية ضد القوات الحكومية والأطلسية ناهيك عن الانقسامات التي تتربص بالحركة حيث يتنازعها تياران متنافسان حول نهج إدارة البلاد. إذ تميل القيادات العليا إلى إظهار وجه أكثر اعتدالا للحركة بهدف نيل الاعتراف والدعم الدوليين فيما تأبى المستويات الوسيطة والدنيا إلا التمسك بالأفكار والسياسات المتشددة
وفي الوقت الذي استبعدت إدارة جو بايدن أى تواطؤ لـلحركة مع داعش خراسان فى عمليات مطار كابول الإرهابية غير أن علامات استفهام عديدة بقيت تحاصر طالبان بجريرة تحريرها سجناء كثر أثناء سيطرتها الدرامية على العاصمة فبينما أبدى المتحدث باسم الحركة قلقه من هروب سجناء دواعش أدانت وزارة الدفاع الأمريكية إطلاق طالبان للآلاف من سجن باغرام قبيل تفجيرات المطار وهو ما قوى قدرة التنظيم عقب إطلاق سراح مقاتليه الموقوفين والذين عادوا اليه مقاتلين
رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارك ميل اكد جهوزية بلاده للتنسيق مع طالبان بغية حرمان الإرهابيين من اتخاذ أفغانستان قاعدة لمعاودة تهديد المصالح الأمريكية ومن المفارقات الغريبة ان الأمريكيون استخدموا قنبلة جى بى يوــ43 المسماة أم القنابل كونها أضخم قنبلة غير نووية لتدمير أنفاق ومخابئ تابعة لداعش خراسان بمقاطعة آشين فى إقليم نانجارهار عام 2017
فيما هرع الجيش الأفغاني في المشاركة بعدة عمليات مشتركة نفذها مع القوات الأمريكية إلى إعلان هزيمة التنظيم إلا أن الأخير سرعان ما فاجأ العالم بمعاودة نهوضه مستعرضا قدراته الإرهابية الفتاكة فى عمليات موجعة ومدوية زلزلت مطار كابول وهو ما أجبر القوات الأمريكية على رد سريع عبر غارتين بمُسيرتين لتدمير آليات كانت تستقلها قيادات داعشية استنقاذا لما تبقى من صدقية وهيبت امريكا وتأكيدا لاستمرارية الحرب ضد الإرهاب برغم إخفاق العمليات التي نفذتها بالتعاون مع حكومة أشرف غنى في قطع دابر التنظيم المتطرف
لم تراعي واشنطن عند تسليم أفغانستان لطالبان بانها ربما تكون غير مؤهلة لكبح جماح التنظيمات الإرهابية المتشددة الأمر الذى شجع داعش على تنفيذ 216 هجوما بين مطلع كانون الثاني و11 آب 2021 مقارنة بـ 34 هجوم فقط خلال الفترة نفسها من العام الماضي
في الحقيقة لا يتورع خبراء ومختصون عن التشكيك الكلي بفعالية استراتيجية واشنطن الجديدة لـ ( محاربة الإرهاب عن بعد ) والتي يؤكد المسئولون العسكريون الأمريكيون بموجبها قدرة بلادهم على هزيمة الإرهاب في أفغانستان من الجو دونما ضرورة لتموضع عسكري ممتد خصوصا بعدما فوض الرئيس بايدن البنتاجون باستخدام المسيرات لضرب الأهداف التابعة للتنظيمات الإرهابية هناك فى المستقبل
في المقابل لم يمنع إعلان الرئيس بايدن فى أحدث خطبه له أفول حقبة التدخل العسكري الأمريكي الخارجي بذريعة بناء الدول وتأهيل الجيوش من تغيير واقع تلك البلدان ولا تزال وزارة الخارجية الأمريكية تمعن في رفضها تخفيف العقوبات المفروضة على حركة طالبان وترفض مواصلة تقديم المساعدات الإنسانية لشعب أفغانستان او السماح باستئناف التحويلات المالية الشخصية الخارجية الى بلادهم التى تقدر بـ790 مليون دولار وتمثل 4% من الناتج المحلى الإجمالي الأفغاني سنويا
على عكس حركة طالبان التي لا يزال تركيزها على أفغانستان أبدى تنظيم الدولة الإسلامية مرارا وتكرارا رغبته في مهاجمة الأمم المتحدة والقوى الغربية وقد شن ست هجمات كبيرة في العاصمة الأفغانية 14 منها عام 2016 ثم 18 في عام 2017 و24 في عام 2018 ولا زال تنظيم داعش خراسان يشكل خطرا حادا ومتزايدا
صدر مؤخرا تقرير عن احد مراكز الدراسات الاستراتيجية أوضح أن لدى تنظيم الدولة في خراسان قوة قتالية قوامها 800 مقاتل اعتبارا تشرين أول 2018 الى ذروة بلغت 3000 إلى 4000 خلال عام 2016 وبقيت جماعة داعش خراسان تعتقد بأن طالبان في الحكم الإسلامي ضعيفة للغاية ولهذا جندت المنشقين عن طالبان وخاصة أولئك الذين لم يكونوا راضين عن عدم نجاح قيادتهم في ساحة المعركة في ذلك الوقت يضم آلاف المقاتلين الأجانب في كلا الجانبين من آسيا الوسطى ومنطقة شمال القوقاز الروسية وباكستان معظم هؤلاء يرتبط بتنظيم القاعدة لكنَّ كثيرين منهم متحالفون مع تنظيم داعش خراسان ويتمركز التنظيم فى إقليم نانغاهار شرقى أفغانستان قرب طرق تهريب المخدرات والبشر إلى باكستان
وقد تجلى العداء بين الجماعتين بعد ادعاء داعش خراسان بان طالبان أعدمت زعيمها السابق أبو عمر خراساني بإجراءات موجزة بعد إطلاق سراحه من سجن أفغاني مع الآلاف من مقاتلي طالبان وداعش والقاعدة وبعدما أقسمت قيادة طالبان في كابل ايضا على عدم منح الجماعة أي موطئ قدم في البلاد وقد كانت بعض أسوأ الاشتباكات بين طالبان وداعش خراسان حول السيطرة على تجارة المخدرات لتمويل تمردهم
ضمن توالي الهجمات الدموية لتنظيم داعش خراسان في افغانستان وتصاعدت وتيرتها بعد الانسحاب الأمريكي من البلاد وصعود حركة طالبان أعلن التنظيم في 19 أيلول 2021 الجاري مسؤوليته عن 3 تفجيرات هزت مدينة جلال آباد في شرق أفغانستان واستهدفت عربات عسكرية لحركة طالبان بعد الانسحاب الأمريكي تكشف التهديدات دينامية معقدة بين طالبان من ناحية وعدوها اللدود تنظيم داعش خراسان فيما يقول المحللون إنَّه ينذر بصراع دموي
يعد تنظيم ولاية خراسان الأكثر تطرفا وعنفا من بين جميع التنظيمات والفصائل الجهادية فى أفغانستان كما وتعتبر رابع أنشط التنظيمات الارهابية فى العالم وهو واحداً من الأفرع العديدة التي أسسها تنظيم الدولة الإسلامية بعد اجتياحه شمال العراق قادماً من سوريا في عام 2014 حيث إنشاء خلافة بحجم دولة بريطانيا قبل ان يهزم ويسحق بحملة عسكرية من قبل دول التحالف بقيادة الولايات المتحدة
لكنه بقي هناك أكثر من 10 آلاف مقاتل تابعين لداعش في العراق وسوريا اضافة الى فرع داعش في منطقة الساحل الإفريقي وشبه جزيرة سيناء وبما يشكله من خطر خاصة ان معظم عناصره من المتشددين من أتباع المدرستين ( الجهادية السلفية وجماعة إشاعة التوحيد ) وهنالك للتنظيم عدة خلايا نائمة في باكستان وقد كانت ولاية خراسان من أحد الأسباب التي دفعت امريكا إلى التفاوض مع طالبان والعالم اليوم وفى مقدمته أمريكا يراهن على حركة طالبان في التصدي لخطر تنظيم داعش خراسان ومحاربته ميدانيا ووقف تقدمه مقابل حصولها على دعم استخباراتى أمريكي وغربي قوى من اجل هذه المهمة الصعبة فهل تنجح ؟
mahdimubarak@gmail.com