نجاح اللامركزية مناصفة بين مصدر الأموال وأهل مكَّة

جفرا نيوز - مجيد عصفور
فكرة اللامركزية تقوم على مبدأ أن أهل مكَّة أدرى بشعابها، وهو بلا شك مبدأ فيه من الحكمة ما يعطيه الوجاهة، إن يسر الله لمن يقوم على تنفيذه قدراً من الحِكمة والأمانة.

في بلاد الدنيا المدن والأقاليم تمول مشاريعها من مواردها الذاتية ما يعني أن اللامركزية عندهم مطبقة بالكامل، إذ يتم تنفيذ الخطط الخاصة بكل مدينة أو ولاية أو إقليم دون الرجوع للحكومة المركزية بشيء، فالموارد تلبي كل احتياجات التطوير والتحديث ويرسل الفائض لخزينة الحكومة المركزية.

في بلدنا اللجوء إلى تجربة اللامركزية يحتاج حتى يتم الحكم عليها إلى فترة من الزمن يتم في ضوئها اتخاذ قرار الاستمرار أو الإلغاء وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه.

أسباب كثيرة تجعلنا ننظر إلى هذه التجربة بتفاؤل قليل وحذر كثير، ولعل أهم هذه الأسباب افتقار معظم المدن والمحافظات للموارد المالية التي تمكنها من تنفيذ تطلعات مواطنيها دون الرجوع إلى الحكومة المركزية وطلب التمويل منها، وغني عن التأكيد أن نسبة عالية من المدن والبلدات لا يصل خراجها من الضرائب إلى ما يدفعه مول كبير في العاصمة وبسبب هذه الشحة في الموارد الذاتية لا مفر من اتباع سياسة التأجيل والتقسيط والاختصار وربما غض النظر عن تنفيذ بعض المشروعات التي يراها مواطنو هذه المناطق ضرورية وتراها الحكومة غير ذلك ما يبقيها حلماً يصعب تحقيقه.

ومن الأسباب الهامة التي تبقي اللامركزية في خانة التجربة القابلة للنجاح أو الفشل، مسألة الأهواء الشخصية لأعضاء مجالس اللامركزية الذين يجب أن يتخلوا عن نزعة الشعبوية وتوظيف الصلاحيات لخدمة مناطق دون أخرى، وإرضاء أشخاص دون غيرهم، والالتفات إلى الاحتياجات الحقيقية للمناطق والمواطنين بغض النظر عن القرب والبُعد من أعضاء هذه المجالس.

أخيراً حسن الادارة والتدبير في استخدام المال المتوافر باتباع مبدأ الأهم فالمهم فالأقل أهمية، وهذا الأمر يعتمد على انتخاب وتعيين المؤهلين وذوي الخبرات ومن يُشهد لهم بالنظافة والحصافة، في كل منطقة لتولي المواقع، بعيداً عن المُحاباة التي تحكمها وتتحكم بها روابط الدم التي لا تهتم الا بتحقيق الوجاهة والبقاء في صدارة المشهد حتى وان تم تصعيد من لا يصلح الذي تعوزه الكفاءة والمقدرة على احداث أي تغيير أو تقدم للأمام خطوة واحدة مهما كانت صغيرة.

النتيجة إذن أننا أمام تجربة مضت السنوات الأربع الأولى من إطلاقها دون تحقيق اي نجاح ملحوظ، ودون إجراء دراسة لمعرفة اسباب عدم النجاح، إلا إذا اعتبرنا أن ابداء بعض الملاحظات والانتقادات وشمَّاعة الظروف القاهرة كافية للتقييم وتلافي أسباب الاخفاق، وبما اننا مصرون على استمرار نهج اللامركزية، فلا بد والحالة من بقاء المتابعة الحكومية لعمل مجالس اللامركزية قائمة على شكل رقابة دورية وتقديم النصح والمعرفة اللازمة لضمان سير المشروعات بخطى صحيحة، قبل التوغل بالسير في الاتجاهات الخاطئة مما يُصعِّب الإصلاح ويرفع كلفته ويؤخر الإنجاز.

إن السعي نحو التطور ومواكبة العصر، أمر مشروع وواجب يقع على الجميع، وبخاصة الذين يتولون مواقع الخدمة العامة، لكن الانجذاب نحو بريق الشعارات والأفكار حتى وإن كانت لا تناسبنا يعطي نتائج عكسية، ويكلف الوطن جهداً ومالاً دون فائدة تذكر أو توازي الكلفة، في مرحلة لا نملك فيها ترف هدر قرش واحد فقد أضعنا الكثير من المال بسبب العناد أحياناً والجهل والمفاخرة الفارغة أحياناً أخرى.

علينا أن نتعلَّم من دروسنا ودروس غيرنا وألا نعيد نفس الأساليب ونتوقع نتائج مختلفة، لأننا بذلك نخدع أنفسنا ونخذل وطننا ومواطنينا.