لماذا تتجاهل الحكومات التقارير الدولية للبطالة والفقر؟

جفرا نيوز- كتب أحمد عوض 

عديدة هي التقارير التي تصدرها المنظمات الدولية وتحلل الأسباب الحقيقية التي أدت، وما تزال تؤدي، إلى تزايد أعداد المتعطلين عن العمل واتساع رقعة الفقر في المنطقة العربية ومن بينها الأردن.

ورغم تعدد الجهات الدولية، الخبيرة، التي وفرت أرضية علمية غنية لتشخيص المشكلات والفجوات التي تعانيها اقتصادات غالبية دول المنطقة والأردن وانعكاساتها على مستويات الفقر والبطالة، إلا أن حكوماتنا ما تزال تصر على عدم الاعتراف بعلمية النتائج التي يتم التوصل اليها، وتتبنى خطابا بائسا لا يمتّ للتفكير العلمي بأي صلة.

وأحيانا نسمع تفسيرات تتسم بالغرابة وتبتعد عن الواقع لتفاقم هذه المشكلات الكبرى، إذ يفصح بعض كبار المسؤولين الحكوميين، عن أنه لا يوجد لدينا في الأردن بطالة، وأن المشكلة تكمن في أن شبابنا لا يرغبون بالعمل في الوظائف المتاحة، ولديهم رغبة في العمل المكتبي المريح في القطاع العام، "وكفى الله المؤمنين القتال”.

آخر التقارير الدولية المتعلقة بهذا الشأن أصدرته قبل أسبوعين منظمتان أمميتان تتمتعان بخبرة ممتازة في تحليل التحولات الاقتصادية والاجتماعية وتأثيراتها الجوهرية في زيادة أعداد الفقراء والمتعطلين عن العمل، يحمل عنوان "نحو مسار منتج وشامل: استحداث فرص العمل في المنطقة العربية”.

في هذا التقرير، تؤكد منظمة العمل الدولية واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الأسكوا) أن المنطقة العربية تسجل أعلى معدلات بطالة في العالم، وأن القطاع الخاص النظامي غير قادر على توليد فرص عمل كافية.

وفي ضوء خبرتنا بالمستوى المعرفي لبعض المسؤولين المعنيين بملفات الفقر والبطالة؛ إذ إن غالبيتهم وغالبية مستشاريهم لا يمنحون الوقت الكافي للاطلاع على ما ينشر من تقارير جادة حول أسباب هذه الفجوات ودينامياتها وكيفية تطوير سياسات لحلها، وربما لقناعتهم بأنه لا يوجد مشكلة في السياسات القائمة، وإنما المشكلة عند الفقراء والمتعطلين عن العمل أنفسهم، لذا، نعرض أهم الأفكار التي جاء بها التقرير المذكور.

يشير التقرير إلى تعمق الأسباب الجذرية لعجز الاقتصادات العربية وعدم قدرتها على خلق وظائف، التي تعود إلى حالات العجز في النمو الشامل والتحول البنيوي المرتبط بممارسات الحوكمة والعقود الاجتماعية وسياسات الاقتصاد الكلي وخياراته.
ويشير كذلك إلى أن نظم التدريب والمناهج الدراسية لا تتماشى مع احتياجات أسواق العمل، وأن 64 بالمائة من العمالة العربية غير نظامية (لا تتمتع بأي من أشكال الحماية الاجتماعية) وتعمل في ظروف سيئة واستقرار وظيفي محدود.
وتوصل التقرير إلى أن حصص أجور العاملين في القطاع الخاص النظامي منخفضة مقارنة بحصة رأس المال في الإنتاج، ما يعمق عدم المساواة، ويوسع دائرة الفقر.

وطالب التقرير بإصلاح البرامج التعليمية ووضع سياسات فعالة ونشطة لأسواق العمل، والتركيز على تعليم أفضل جودة وتعزيز المهارات وتعميقها، وإضفاء الطابع النظامي للمؤسسات والعمل، من خلال نظم ضريبية تعمل لصالح الفقراء وتطوير برامج حماية اجتماعية شاملة.

وطالب التقرير، الحكومات، أيضا، بضرورة استخدام مجموعة من الحوافز لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة مثل دعم ضمانات الائتمان لتوفير السيولة النقدية بفوائد صفرية، ودعم جهود التطوير والابتكار في القطاع الخاص.
وأكد التقرير ضرورة تطوير قوانين العمل وأنظمتها لضمان بيئة عمل أقوى وأكثر تنافسية، وتحسين آفاق أسواق العمل للنساء من خلال السماح للمرأة بالعمل في مختلف القطاعات الاقتصادية.

هذا جانب بسيط من مضامين التقرير الغني بالمعلومات والتحليلات والتوصيات، يُنصح صناع القرار بدراستها، لعلها تساعد على فهم أعمق لجذور مشكلتنا التنموية وديناميات استمرار تفاقم مشكلات الفقر والبطالة واللامساواة.