غوشة: سنصل الى الحكومة البرلمانية..والإصلاح الاقتصادي مرتبط بالسياسي

جفرا نيوز - ثمّة تلازم في منظومة الإصلاح المثالية بين الإرادة السياسية العليا للتطبيق وبين أضلع الإصلاح الثلاثة من سياسي واقتصادي وإداري، حتى تكتمل الصورة بشكل يؤتي أًكله وينعكس بشكل ملموس على أرض الواقع ويلمسه الجميع ببرامج وخطط تجعل من هذه المنظومة أعمالا ندخل بها المئوية الثانية بمسارات صحيحة برغم أشواك التحديات التي تواجهنا من هنا وهناك.

ولم يعد مقبولا البقاء في دائرة البحث والدراسات والقراءات، في الشأن الإصلاحي، سيما مع وجود ارادة سياسية عليا من قائد الإصلاح جلالة الملك عبد الله الثاني بضرورة احداث ثورة بيضاء لتحقيق الإصلاح الحقيقي، إذ لم يعد هذا النهج ترفا، إنما حاجة تفرضها متطلبات المرحلة، وتحتّم مغادرة مكان الانتظار أو محطات التأخّر التي طال بقاء خطوات الإصلاح بها، وفي ظل وجود بيئة حقيقية لمغادرة مرحلة الانتقال لإصلاح حقيقي يجب أن تحدث خطوات حقيقية بهذا الشأن.

في الأردن، الدرب ممهد لتحقيق الإصلاح المثالي الذي أشارت إليه أعرق مدارس الإصلاح في العالم، نظرا لتوفّر الإرادة السياسية العليا بحرص ملكي على تطبيقه، اضافة إلى سعي الكثيرين لتحقيق منظومة متكاملة من الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري مبنية على الأوراق النقاشية السبع لجلالة الملك، والتي تعدّ خارطة طريق متكاملة لتحقيق الإصلاح بجديّة أصبحت اليوم «واجبة».

وفي هذا السياق العام للجهود والحراكات المتتالية لتحقيق الإصلاح الذي طالما وجّه به جلالة الملك، تؤكد الوزير الأسبق ياسرة غوشة أن جلالة الملك وضع الإصلاح على أجندة أولوياته، من خلال الأوراق النقاشية لجلالته وعدد كبير من التوجيهات والمبادرات التي كان أحدثها تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، مبينة أن جلالته يعدّ قائدا للإصلاح.

وفي حديث خاص أكدت غوشة التي تعدّ إحدى خبيرات الإصلاح الإداري أن الإصلاح حتى يصل لنتائج ملموسة وحقيقية، يجب أن يشمل الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري، فلن يكون هناك إصلاح ما لم تكتمل هذه المعادلة باصلاح شامل، تبدأ خطواته باصلاح سياسي.

غوشة التي كان حوارنا معها في منزلها، واتسم بكل شفافية، وسرد لعشرات التجارب الناجحة في الإصلاحات وقصص منها ما هو من يومنا هذا، ومنها ما دوّنته أنامل التاريخ في وطن تأسس على كل ما هو ايجابي ومن شأنه تحقيق انجازات كبيرة، لتؤكد في هذا السياق ضرورة البناء على منجزات الماضي، وأن لا تكون بدايات الملفات والخطط من اليوم فالأمس مليء بالمنجزات الهامة واستكمالها دون عودة خطى الإنجاز للخلف، وابقاء أفكارنا حبيسة الانتظار والبحث من جديد، وأن لا نبدأ من نقطة الصفر في التطوير والإصلاح.

وانطلاقا من مبدئها في إدارة تفاصيل كثيرة، ترى غوشة أن «المهم هو العزم على تحقيق الهدف»، معتبرة أن الحكومات البرلمانية قادمة، وانضمام الشباب للأحزاب سيتم إذا ما تمت مخاطبتهم بأفكار تشبه تفكيرهم، وحضور المرأة في مجلس النواب هام وحق، ويمكن تحقيقه تدريحيا ليصبح جزءا من المشهد السياسي المحلي، وغيرها من الملفات التي طرحتها بحقائق تجعلها ممكنة ومتاحة، على أن يتم العمل بعزم.
حديث «الدستور» الخاص مع المحامية ياسرة غوشة، شكل قراءة دقيقة لمسار ملف الإصلاح جاء ضمن سلسلة من اللقاءات تجريها «الدستور» في اطار العصف الذهني مع خبراء وسياسيين بشأن الإصلاح الذي نحتاج ويوجّه به جلالة الملك عبد الله الثاني تنشرها تباعا، ورقيا والكترونيا، ومن خلال فيديو ينشر عبر مواقع الصحيفة الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بها.

وتاليا نص الحوار الذي أجرته «الدستور» مع وزير تطوير القطاع العام الأسبق ياسرة غوشة:
الاصلاح

*ما هو الاصلاح الذي نريد، وهل ترون ان هناك أولوية للاصلاح السياسي عن غيره من أضلع هرم الاصلاح الاقتصادي والاداري؟ ام ان يتم السير بهم جميعا في آن واحد؟

- غوشة: الاصلاح يجب أن يكون متوازيا وعلى كل المجالات وهو ما نادى به جلالة الملك عبدالله الثاني منذ توليه سلطاته الدستورية، فأولى كل الاصلاحات جل اهتمامه وربطها ببعض. فلا بد من وجود إصلاح سياسي وإداري واقتصادي وقضائي كلها تسير بنفس الاتجاه, وإلا لن يكون هناك إصلاح وتغير حقيقي.

فالاصلاح حاجة للمجتمع، لكن قد يؤدي الاصلاح الى تغيير وهنا يجب أن تتشارك فيه كل القطاعات حتى يقبلوا به ويعملوا على تنفيذه.
الأوراق النقاشية

* كيف يمكن الاستفادة من الأوراق النقاشية في موضوع الإصلاح وجعلها أساسا في هذه الثورة البيضاء التي وجّه بها جلالة الملك؟.

- غوشة: جلالة الملك قائد بمعنى الكلمة وقائد للاصلاح، لهذا عبر جلالة الملك بأوراقة النقاشية عن رؤية شاملة للاصلاح فبدأ بضرورة الانتقال الى تشكيل الحكومات البرلمانية، وأن الهدف الأساس من الإصلاح هو تعزيز المشاركة الشعبية في صنع القرار، من خلال تعميق نهج الحكومات البرلمانية، بحيث نصل إلى حكومات مستندة إلى أحزاب ذات برامج وطنية.

وبحث جلالته في الأوراق بدور الاقلية الحزبية في البرلمان بطرح الحلول البديلة وتكون مشاركة الجميع فاعلة بالاصلاح، كما بحث في المواطنة الفاعلة وتعزيز دور المواطن واحترام الآراء لما هو مصلحة الوطن.

كما بحث جلالته في المشاركة السياسية واهميتها، ذلك انه من حق المواطن ان يختار من يمثلة فيجب أن يمارس حقه الذي كفله له الدستور.
وفي ذات الأوراق بحث جلالته في التطوير الاقتصادي وخصص الورقة السادسة للاصلاح الاداري وسيادة القانون وقدم تصورا شموليا لكيفية التطوير وضرورة إنفاذ القانون وتطبيقه. أما الورقة السابعة فخصصها للموارد البشرية والتعليم وهو أساس التغير الحقيقي.

اللجنة الملكية

* كيف تنظرون للجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية؟ وهل يمكن ان تخرج بتوصيات تلبي الطموح في الاصلاح؟

- غوشة: كما اكد جلالة الملك برسالته لتشكيل اللجنة ان الدول التى احدثت تغييرا هي الدول التى تعمل على التطوير والتحديث باستمرار، ولكن اكد حق المواطنين ممارسة حياة ديمقراطية سليمة، وهذا يستدعى مراجعة قانون الانتخاب وقانون الأحزاب والتشريعات المرتبطة بهما لنسير بمنهجية صحيحة لنحقق الأفضل لوطننا الاردن الغالي.

لقد حدد جلالة الملك مددا زمنية لإنجاز المهام، وذلك ان يتم الانتهاء من مراجعة قانون الاحزاب وقانون الانتخاب قبل الدورة العادية القادمة لمجلس الامة، كذلك لتشكيل الحكومات البرلمانية خلال عشر سنوات على الأكثر.

وكل هذا يؤكد أن اللجنة الملكية مهمة جدا، وحتما ستقوم بدرو هام وتقدّم نتائج نأمل أن تكون وفقا لما أراد ووجّه جلالة الملك.

الأحزاب

* كيف تنظرون لأهمية الأحزاب؟ وهل أنتم مع وجود كوتا للأحزاب أم نسبة من عدد المقاعد؟

- غوشة: من الصعب وجود ديمقراطية بدون تمثيل نيابي على اساس حزبي، لكن لكل نظرية محاسن ومساوئ وارى ضرورة كبيرة بوجود تمثيل الأحزاب وان يتم تشكليها وفق افكار إصلاحية للوطن والمواطن.

وهنا يجب أن أشيرا إلى أنه لا يوجد حل سحري ونهائي ويجب أن نبدأ، وحتى نزيد من اهتمام المواطن بالانضمام للاحزاب أرى ان يخصص مقاعد كوتا للاحزاب في البداية ومن ثم يتم تقييم التجربة.

المرأة

*كيف تقيمون حضور المرأة في مسيرة الاصلاح وهل انتم مع زيادة عدد مقاعد كوتا المرأة نيابيا؟.

- غوشة: للمرأة دور معادل للرجل بالعمل والتمثيل والاصلاح فهن نصف المجتمع وحقهن بالتمثيل ضروري، وارى ان يتم الانتخاب على أساس الكفاءة والقدرة على تمثيل المجتمع. وفيما يخص حقهن بالكوتا الزم بوجودهن بنسبة لكن يجب ان نعطيهن الفرصة العادلة بالوصول للمقاعد النيابية بطريقة ديمقراطية.

وبطبيعة الحال حدث في انتخابات سابقة أن نجحت المرأة بدون كوتا وبشكل تنافسي عادل، فالمجلس السابق كان عدد السيدات فيه 20 عضوا منهن 15 كوتا نسائية و5 مقاعد تنافس.

الشباب

* لا يزال الشباب يهابون العمل الحزبي ولذلك ارث ربما في رفض الأسرة الاردنية لانضمام ابنائها للأحزاب، برأيكم ما المطلوب لتشجيع الشباب للانضمام للاحزاب؟.

- غوشة: الشباب هم المستقبل الذي امامنا وهم من سيبني الاردن في العقود القادمة لذلك يجب تشجيعهم على الانخراط بالعمل مع الاحزاب التى يتفقون معها، ولهذا على الاحزاب توجيه كلامها لهم، ومخاطبتهم وفق رؤاهم وفكرهم، وتجذبهم للعمل الحزبي، اضافة إلى أهمية تفعيل دور المؤسسات المدنية بهذا الشأن.

الشباب هم من يملكون الطاقة والقدرة على العطاء وهم ثروة بشرية قادرة على العمل والإنتاج، لذلك يجب أن يكون لهم دور بالمشاركة بالحياة الديمقراطية بالطريقة السليمة.

يجب تشجيع الشباب على الانخراط بالعملية السياسية وأن يعرضوا أفكارهم ويناقشون وهناك برامج جيدة لبناء قدراتهم يجب بذل المزيد منها.
الحكومات البرلمانية

*هل ترون ان وصولنا للحكومات البرلمانية بات قريبا؟ وما هو السبيل الأنجع لتحقيق ذلك وفقا لتوجيهات جلالة الملك؟.
-غوشة: سنصل الى الحكومة البرلمانية من خلال العمل على وضع الاساس الأمثل لذلك، وتنمية الثقافة السياسية السليمة كما شرحها جلالة الملك في 
أوراقة النقاشية.

وكذلك بناء الاحزاب التي تعمل بشكل ممنهج للصالح العام ولصالح المجتمع، أحزاب تقنع المواطن وتحقق الأهداف الوطنية، وقد اكد جلالتة انه يريد ان يراها خلال عشر سنوات على الاكثر.

وعلي هنا التاكيد أن المهم هو العزم على تحقيق الهدف.

الإصلاح الإداري

* أدرت عددا كبيرا من الخطط الحكومية الخاصة بالإصلاح الإدراي، وما زلت حتى اللحظة تعدين أبحاثا وتقدمين استشارات بهذا الشأن، برأيك ما طبيعة الاصلاح الاداري الذي نحتاج كونه احد اهم اضلع هرم الاصلاح المثالي؟.

- غوشة: باستعراض كل خطابات التكليف وخطابات العرش لجلالة الملك عبدالله الثاني أكد جلالته على اهمية التطوير الاداري، وفي الورقة النقاشية السادسة لجلالتة استعرض بشكل مفصل وشامل اسس ومفهوم التطوير الاداري بشكل يحقق افضل النتائج.

وظيفة الحكومة أن تترجم رؤية القيادة إلى خطط استراتيجية وبرامج عمل تنفيذية وخطط عمل قصيرة ومتوسطة الأمد وتحديد الجهة المنوطة بالتنفيذ وقياس نسبة الإنجاز بمؤشرات أداء ضمن أطر زمنية محددة وموازنات متفق عليها وعادة تكون ربع سنوية من أجل التأكد من الكفاءة وحسن الأداء وتطور التنفيذ وتجاوز عوائقه إن وجدت لتحقيق الأهداف وبالتالي أي حكومة يتم تكليفها لا تبدأ من الصفر إنما تواصل مسيرة عمل, كما تعمل على تحسين خدماتها, وبناء جهاز حكومي كفوء ليس فيه إزدواجية بعمل الجهات المختلفة, وتنشر نتائجها ليكون المواطن على إطلاع بشفافية على الإنجازات ويكون شريكا.

باستعراض تجارب الدول في العالم والتى حدث فيها تغيير ونمو حقيقي كانت اولوية تطوير القطاع العام هي اولى اولويات الدولة.

الحكومات المتعاقبة ترجمت رؤية القيادة إلى خطط استراتيجية وبرامج عمل تنفيذية لتحقيق الأهداف التي جاءت في محاور التكليف السامي. نجد ان استراتيجيات التطوير الاداري صدرت عام 2004, 2009 ,2011 ,اضافة الى استراتيجية تطوير القطاع العام 2011-2013 وبرنامج تطوير أداء الجهاز الحكومي (2014-2016)، إضافة الى برامج وخطط تنفيذية لسياسات تطوير القطاع العام هي ذاتها تكررت في الأعوام: 2015 / 2016 / 2017 و2017-2021 واخر ما صدر هو خطة داخلية تنفيذية 2019 / 2020 وتشمل ذات البرامج والمحاور. السؤال ماذا تحقق منها؟!

التطوير الاداري

* اين توجيهن بوصلة الإصلاح الإداري اليوم بشكل عملي، نرى نتائجه على أرض الواقع؟.

- غوشة: إن أردنا أن نرى تطويرا حقيقيا يجب إيجاد إستراتيجية وطنية للتطوير الاداري ملزمة للحكومات المتعاقبة، ولا تأتي كل وزارة وتبدأ من الصفر لأن هذا يضعف القطاع العام.

وألخصه بما أكده جلالة الملك في الورقة النقاشية السادسة «إن تطوير الإدارة الحكومية مسيرة مستمرة تخضع لمراجعة وتقييم دائمين. وعليه، يجب تحديد مواطن الخلل والقصور والاعتراف بها للعمل على معالجتها، وإرساء وتفعيل مبدأ المساءلة والمحاسبة كمبدأ أساسي في عمل وأداء مؤسساتنا وفي جميع طبقات ومراحل الإدارة الحكومية».

مفتاح الإصلاح

*  في نهاية حديثنا، سؤالنا الأخير، اذا طلب منكم تحديد واختيار مفتاح للإصلاح، فما هو برأيكم مفتاح الإصلاح الذي ترونه مناسبا؟.

- غوشة: مفتاح الإصلاح أن يشمل الجانب السياسي والإدراي والاقتصادي، وأن تكون عملية متكاملة مع بعضها البعض، حتى نحقق رؤى جلالة الملك في دخولنا المئوية الثانية وقد حققنا اصلاحا شاملا، ويكون حلقة يرتبط بعضه ببعض ويشمل التعليم وقطاعات أخرى بشكل حقيقي.

ومن مفاتيح الإصلاح الهامة جدا الاستمرارية، فلا بد من استمرارية برامج الإصلاح، اضافة الى تقييمها بين الحين والآخر، فيجب أن نقف في كل مرحلة ونقرأ تفاصيل خطى الإصلاح حتى نحقق الأهداف المطلوبة بهذا الشأن، يجب أن نتوقف ونرى أين نحن وكيف سيكون وضعنا بعد سنوات، وتحديث ما هو بحاجة لذلك، وتصويب أي أخطاء والبناء على المنجزات، وتحديد ما هي ضروريات المرحلة القادمة التي يجب أن نعمل على تحقيقها.
لا بد أن نضع خطة متكاملة، فمن الصعب أن نحدث إصلاحا اقتصاديا ولا يوجد اصلاح سياسي، والعكس صحيح بطبيعة الحال، بالتالي نحن بحاجة للتكاملية، والاستمرارية والمراجعة الدائمة لخطط الإصلاح.


الدستور - نيفين عبد الهادي