المقعد الخلفي

جفرا نيوز - سهير بشناق
اختارت المقعد الخلفي لمشاهدة مسرحية، وتذكرت أنها دائما تفضل أن تجلس بالخلف منذ أن كانت على مقاعد الدراسة..

كانت المقاعد الخلفية تمنحها راحة ما؛ بإمكانها رصد انفعالات كل من حولها والاستغراق بانفعالاتها دون أن يراها أحد..

إن تأثرت بشيء يمكنها البكاء بصمت دون أن يلاحظها أحد.. فهي لا تحب أن تظهر ضعفها أمام الآخرين..

وإن رغبت بالانسحاب تمكنت من ذلك دون أن يلاحظوا.. فالمقاعد الخلفية منسية والجميع يولي الاهتمام بمن يجلس والمقدمة..

ولربما رافقتها المقاعد الخلفية في مراحل حياتها، فلم تتعلم كيف يمكنها أن تتصالح مع عقارب الساعة.. تتأخر عن مواعيدها دوما.. على أمل أن تكون الأخيرة، فتختفي كلمح البصر لا يشعر الآخرون بغيابها..

وهي بقلب من تحب لم تسع يوما لتكون الأولى بل يفرحها أن تكون الأخيرة فقط..

تقف دوما أمام الذكريات الأخيرة وكأنها بها تحيا، فتكاد تنسى ملامح من أحبت، لكنها لا تغادرها كلماتهم الأخيرة ونظراتهم وهم يرحلون، فتتمسك بمقاعدهم الأخيرة وكأنهم لم يغادروها..

وتذكر جيدا أنها لم تكن تبالي كثيرا «بالصفر» كمنزلة ورقم أمام الرقم الأخير مهما.. كان فهي لم تكن تغضب إن حصلت على المرتبة الأخيرة بكل ما مر بحياتها..

كان كل ذلك يمنحها راحة وطمأننية بأنها ستكون في الظلام متوارية عن أنظار الآخرين الذين دوما يهتمون بكل من هم بالمقدمة ولا تعنيهم المقاعد الخلفية..

في ذاك المساء، بعد أن انتهى الفصل الأخير من المسرحية التي كانت أحد حضورها بمقعدها الخلفي، وهي تستعد للمغادرة كعادتها قبل الآخرين، لم تتمكن من ذلك؛ فالأبواب مغلقة وعليها أن تنتظر..

لحين تجمع جميع من كانوا في المقاعد الأمامية وفتحت لهم الأبواب..

إنهم سيمرون من أمامها.. سيحدقون بها جيدا.. سيلمحون انفعالاتها وربما يلتقطون دموعها.. وسيرون امراة المقعد الخلفي جيدا..

لتدرك أنه في لحظة ما من العمر وأمام فصل من فصول الحياة لا يمكنك الاستمرار بالبقاء في المقاعد الخلفية.. وإن كانت لك الحياة..

سيمرون بلحظة ما أمام مقعدك وستلاحقك عيونهم وستشعر وكأنك مجرد من عالمك ومقعدك.. وستعود في المرات الآتية فتجلس بالمقاعد الأمامية وتمر من جديد أمام مقعدك الخلفي الذي أحببت وتتذكر بعضا من ملامحك وتمضي مثلهم تماما..