جديد الحكومة.. تقريب الرواتب بين القطاعين!
جفرا نيوز - المهندس عادل بصبوص
يثير تصريح وزير الدولة للشؤون القانونية السيد محمود الخرابشه أمام اللجنة الإدارية النيابية مؤخراً بأن هناك توجه حكومي للعمل على "تقريب" الرواتب بين القطاعين العام والخاص انطلاقاً من مبدأ الشراكة بين القطاعين، العديد من الأسئلة والإستفسارات، كون التصريح جاء مقتضباً وخالياً من أية شروحات أو تفصيلات، ويجدر بنا قبل المضي قدماً في مناقشة تصريح معالي الوزير أن نوضح بأن مفهوم الشراكة بين القطاعين متحقق فقط في مشاريع محددة في عدد محصور من المجالات، إضافة إلى الإشتراك في بعض الأهداف العامة، أما خارج هذا الإطار فلا شراكة ولا يحزنون، بل أجواء من التنافر والتشكك والتلاوم الذي لا ينتهي ...
لا شك بأن الهدف العام الذي يسعى إليه التوجه الذي تحدث عنه الوزير، هو تحقيق قدر معقول من العدالة بين المواطنين، في ظل التفاوت الكبير بين رواتب كثير من الموظفين الذين يعملون في مجالات متشابهة في القطاعين، لأن السياق الذي تحدث فيه الوزير كان محوره توحيد العلاوة الفنية للمحاسبين والإداريين لتحقيق العدالة بين جميع موظفي القطاع العام، وهنا لا بد من التأكيد بأننا هنا أمام قضيتين مختلفتين تماماً، فتحقيق العدالة بين موظفي القطاع العام مطلب محق وشرعي، وتحقيقه سوف يؤدي إلى إزالة اختلالات وتشوهات وظلم لحق بالكثيرين، أما التوجه لتقليل الفوارق في الرواتب بين الذين يعملون في مجالات متشابهة في القطاعين العام والخاص، فقضية مختلفة كونها غير قابلة للتنفيذ وحتى لو نفذت كلياً أو بشكل جزئي، فسوف تؤدي إلى التدخل المُضِر والمؤذي في شؤون قطاع يعمل بشكل جيد ويوفر آلافاً مؤلفةً من فرص العمل، وهو بأمس الحاجة إلى الدعم والتشجيع وليس إلى الوصاية والهيمنة و"تكسير المجاذيف".
لقد ترسخ عبر السنين انطباع عام مفاده بأن رواتب القطاع العام هي الأقل وبشكل جوهري عما هو سائد في القطاع الخاص، لذلك قامت الحكومات المتعاقبة بمحاولة دعم موظفي القطاع العام من خلال توفير خدمات وسلع تعوض الفارق ولو جزئياً مثل إنشاء المؤسسات الاستهلاكية وتنفيذ مشاريع الاسكان وتوفير خدمات التأمين الصحي للموظفين وعائلاتهم إضافة إلى الإعفاءات الضريبية وغير ذلك، وقد كان هذا الانطباع في فترة من الفترات يعكس الواقع بشكل عام، إلا أن تراجع الحركة الاقتصادية خلال السنوات العشر الأخيرة وما رافق ذلك من ارتفاع في معدلات البطالة، قد أدى إلى قلب الأمور رأساً على عقب في كثير القطاعات الفرعية، فرواتب كثير من المعلمين في المدارس الخاصة لا تتجاوز كثيراً الحد الأدنى للأجور، في حين رواتب المعلمين المعينين حديثاً في المدارس الحكومية لا تقل عن (400) دينار، كذلك الحال بالنسبة للمهندسين والمحاسبين وكثير من المهن والتخصصات الأخرى خاصة عندما يتعلق الأمر بالخريجين الجدد او ذوي سنوات الخبرة المحدودة، أما عندما يتعلق الأمر بذوي الخبرات الطويلة والمتخصصة فرواتب كثير من العاملين في القطاع الخاص تفوق أضعاف نظرائهم في القطاع العام، بمعنى أن الامور قد اختلطت ولم يعد هناك من ظاهرة عامة أو توجه واحد يحكم الأمور، فأي معيار إذن سوف يحكم تدخل الحكومة في هذا المجال، هل هو زيادة رواتب موظفي الحكومة الذين تقل رواتبهم عن نظرائهم في القطاع الخاص ...؟؟؟ ومن أين ستأتي بالمال لتحقيق ذلك، أم هو تغيير رواتب موظفي القطاع الخاص لتصبح مساوية لرواتب موظفي الحكومة وهو أمر غير ممكن حيث لا سلطة لها اطلاقاً في هذا المجال، ونحب في هذه المناسبة أن نذكر معالي الوزير بالصعوبات الجمة والمقاومة الشرسة التي واجهتها الحكومة من القطاع الخاص لتمرير موضوع رفع الحد الأدنى للأجور من (230) دينار إلى (260) دينار ... إضافة إلى أن رواتب القطاع الخاص يحددها قانون العرض والطلب كما تحددها الكفاءة والفاعلية والإنتاجية، أما ما يحدد رواتب القطاع العام فمعايير أخرى مختلفة تماماً ....!!!!
في الختام نتمنى أن تنأى الحكومة بنفسها عن التدخل في شؤون القطاع الخاص، وأن تركز جهودها على إصلاح القطاع العام الذي هو مقدمة ضرورية ومتطلب اجباري لعملية الإصلاح الشامل، أما بخصوص الإختلالات في موضوع الرواتب فالخلل الاكبر موجود لدى الحكومة وفي ساحتها، عندما يتم تعيين موظفين برواتب تبلغ عدة آلاف من الدنانير للشخص الواحد، في حين يتم تعيين آخرين في القطاع ذاته برواتب لا تمكنهم من تجاوز خطوط الفقر والفاقة المتعددة ....