عدالة حققها التعليم عن بعد..
جفرا نيوز - بقلم ابراهيم عبدالمجيد القيسي
انا؛ وكلكم، شككنا بالجدوى العلمية المتأتية من التعليم عن بعد، وكتبت غير مرة هنا، بأنها تجربة ولعوامل كثيرة يصعب الحكم عليها أو تقييمها الآن، سيما والجائحة ما زالت مسعورة، او مستعرة، لكن، يبدو أننا قيمنا التعليم عن بعد بطريقة ملموسة، وهذا هو امتحان الثانوية العامة ونتائجه، فهو امتحان جرى، لأكثر من 150 الف من طلبتنا، رقم يعادل تقريبا عدد طلاب جامعاتنا الحكومية، وكل الذين تقدموا لهذا الامتحان، درسوا عن بعد مناهج، دأبوا على متابعتها وتعلمها عاما دراسيا كاملا، وأمس الأول ظهرت نتائجه، التي قدمت لنا إشارات كثيرة مهمة، تؤكد بأنه يمكننا اعتماد التعليم عن بعد في مدارس او صفوف او مساقات معينة.
على عهدتي، وفي ذمتي، وبكل ثقة أقول بأن التعليم عن بعد، قدم لنا حلولا أخرى، لم تكن في حسبان سياسيين ولا غيرهم، ولعل من أسمى وأهم ما حققه عام دراسي كامل من التعليم عن بعد، لطلبة الثانوية العامة، التي تعتبر من اهم مراحل حياة الطلاب والمواطنين، وترسم طبيعة مستقبلهم، وينجم عنها الف مشكلة وتحدٍّ، قدمت لنا نموذجا من عدالة، كان غائبا وكان مكلفا جدا ومستحيلا على الدولة ان تحققه في ظل هذه الظروف الاقتصادية، وحاولت عشرات المرات في هذا الصدد ولم تتمكن، بل زادت تعقيداته.
كلنا نتأفف من (كوتات) المقاعد الجامعية، وكثيرون منا يعتبرونها نوعا من التمييز بين أبناء الأردنيين، بينما هي في الحقيقة، أقل دعم عقلاني ممكن، تقدمه الدولة لفئات محرومة من مجتمعنا، وهي الفئات القاطنة بعيدا عن العاصمة عمان، حيث تغيب العدالة والتنمية عنها، ومثال التعليم هو أصدق الأمثلة وأكثرها تأكيدا على حقيقة (الحرمان) الذي تعاني منه المحافظات البعيدة عن عمان، وكل المناطق النائية، والتعليم المدرسي هو خير دليل.
تتركز في العاصمة، كل الخبرات والإمكانيات وكل المرافق التعليمية الداعمة لطلبة المدارس من مختلف المراحل، فهناك مئات من المدارس الخاصة والمراكز الثقافية والأكاديميات، وعشرات الآلاف من الكفاءات الخبيرة بكل مراحل التعليم المدرسي ومناهجه، وكل هذا بعيد عن طلبة المناطق البعيدة، الذين ربما حتى لو توفر اليوم كل هذا في مناطقهم، فهم لن يتمكنوا من دفع كلفته المالية، ولو حاولت الدولة تأمينه لهم على نفقتها، فسوف يكلفها مليارات.
كل هذا التحدي زال، واختفى حين أضطر طلبة الثانوية العامة دراسة مناهجهم عن بعد لعام كامل، مع أفضلية لسكان المدن الكبيرة، وهي امكانية طلبتها التسجيل بمراكز ثقافية او التعاقد مع مدرسين محترفين، لتلقي دروسا خصوصية في منازلهم، فالكفاءات المتواجدة بعمان والمدن الكبيرة، أكثر بآلاف الأضعاف من المتواجدة في قرية او مدينة او بادية نائية، ومع ذلك فقد تعممت عدالة على طلبة الثانوية، وأصبح ابن المنطقة النائية يستفيد من المرجعيات والكفاءات التعليمية نفسها، التي كانت متاحة فقط لأبناء عمان والزرقاء واربد.
كل طلبة الثانوية العامة في كل مناطق الأردن، تابعوا دراستهم اليومية عند نفس المعلمين والمعلمات الذين يعتبرون كفاءات في مجالاتهم، وتمكنوا من الدخول الى الغرف الصفية الافتراضية، ووصلهم نور المعرفة الذي كان بعيدا عنهم، ولا يقع في متناولهم لا ماديا ولا جغرافيا، وقد جمعت بعض الدروس (الحصص) الافتراضية عشرات آلاف الطلبة في اللحظة نفسها، ولا يمكن للدولة ولا لكل المدارس ان تؤمن مساحة ولا مرافق لجمع كل هؤلاء الطلبة ليتلقوا المعرفة من معلم واحد في مكان واحد، لكن التعليم عن بعد فعلها.
تابعنا وطرقت مسامعنا التهاني والتبريكات بنتائج الثانوية العامة، ولاحظنا أن الأوائل فيها من خارج عمان، بل لاحظنا أيضا بأن معدلات مرتفعة كتلك التي كنا نعرفها حكرا على ابناء عمان واربد والزرقاء، أصبحنا نعلم اليوم بأن طلبة في القرى النائية حصلوا على مثلها، وسبب هذا هو التعليم عن بعد، الذي أتاح فرصة عادلة للجميع، ان يتلقوا نفس المعرفة بنفس الوقت من نفس المعلم، وهذه عدالة كانت مفقودة حتى الأمس، اعني قبل ان تحبسنا كورونا في بيوتنا.
هل نشكر كورونا ام نقول عسى أن تكرهوا شيئا..؟!.
حقا إن الرياح تجري بما لا تشتهي (بعض) السفن.