شهادة الثانوية العامة بين المأسسة وتقلب الأمزجة

جفرا نيوز - د. اميرة يوسف مصطفى - تطالعنا كل نهاية عام دراسي قوانين جديدة وتعليمات خاصة فيما يتعلق بالشهادة الثانوية «التوجيهي» وقد شهدنا خلال العشرين عامًا الأخيرة تذبذبًا في التعاطي مع شهادة التوجيهي بشكل أفضى إلى مخاوفٍ وتوترٍ لدى طلبتنا في هذه المرحلة الحساسة من حياتهم، بل وفي أهم مفترقات حياتهم العلمية والعملية، وقد عمدت الحكومات من خلال المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة إلى حل بعض المشاكل على حساب التخطيط المؤقت لهذه الشهادة التي نالت احتراما وتقديرا محليا وعربيا ودوليا، فقد عمدت الحكومات وحسب رؤاها الخاصة وتوجهاتها العامة إلى وضع اجتهاد اعتمدت على خلفياته الأكاديمية وخبراته المتنوعة، فحينا كانت هذه التعليمات الصادرة تعمد إلى زيادة المعدل العام للناجحين في المستويات المقبولة في التعليم الخاص، كليات وجامعات، وحينا يتم التمادي في رفع المعدل في الدرجات، وهذا لإرضاء الرأي العام والذي قد تفاقمت لديه مشاكل البطالة وغلاء الأسعار وتآكل كبير في الدخل، فيما ينبي بأنه محاولة لتحريك السوق الذي بدا راكدا طيلة أيام السنة، وكأن التوجيهي صار مؤشرا لتحريك السوق بدل أن يكون مؤشرًا علميًا وتربويًا للانتقال إلى الشهادة الجامعية الأولى وما قبلها.

لقد تعرضت شهادة الثانوية إلى أزمة كبيرة وتجاوزات سبقت وجود معالي الدكتور محمد الذنيبات وكان مؤداها أن أصابها خلل كاد أن يذهب بكل هذا التراكم من المصداقية والموثوقية التي جعلت من الأردن واحة تعليمية يتم الاعتماد عليها خاصة في البلدان العربية المجاورة.

عندما أنهارت بعض المؤسسات التعليمية في البلدان العربية والعالم كان الضرر يبدأ بمؤسسة الشهادة الثانوية وقد عمدت بعض الدول التي أنهار التعليم فيها نسبيا إلى تبني مؤسسات دولية لتقوم على عمليات التقييم المدرسي، دون أن يكون هناك أي تغيير في المتغيرات التربوية الأخرى.

لقد أديرت الثانوية العامة لهذه الدورة بنجاح نسبي مقارنة بالعامين الماضيين، وأعتمد على الابتعاد عن كل النقاط التي سُجلت على مستوى التوجيهي للعامين الماضيين، ولكن بقي هذا المقياس الأكثر مصداقية في مستويات التعليم في الأردن معرض للتغيير والخطر، وأكد المؤتمر الصحفي أنه سيتم تشكيل لجنة لدراسة تصورات للخروج بشكل جديد ومختلف عما ألفناه في السنوات الماضية، وقد بات طلبة الأعوام القادمة في حيرة وتوتر، فما هي ملامح التوجيهي للأعوام القادمة؟ وهل هناك نوايا لإلغاء التوجيهي التقليدي كما نسمع في الأوساط المختلفة؟ وإلى أين نتجه بمئات الآلاف من الطلبة الذين بدأ بعضهم يفكر في إكمال التوجيهي بأنظمة تحظى باحترام داخل وطننا أكثر من شهادة الثانوية العامة، فالثانوي الأمريكي SAT والبريطاني GSCE تحظيان باحترام في الأوساط الجامعية الأردنية أكثر من التوجيهي الذي كان يحظى باحترام كبير في الأوساط المحلية والدولية وحتى ان بعضهم بدأ متجها إلى إكمال الثانوية مع ذويهم في بلدان الخليج أو تركيا بعد أن كانت تنتقل العائلة إلى العيش في الأردن من أجل الحصول على شهادة ذات موثوقية وجودة أعلى.

فما النوايا للأعوام القادمة؟ فطلبتنا على مقاعد الدراسة وهناك مخاف من تغيير بعض المناهج والتحول للتعليم باللغة الإنجليزية لبعض المناهج العلمية، وقد كنا نفكر في تعريب التعليم الجامعي قبل أكثر من 30 سنة، إلى أين نسير بقافلة التوجيهي؟.

إن المتتبع يعلم أن هناك مساسا بالتعليم التقليدي من خلال فتح الباب مواربا للتعليم عن بعد بحجة كورونا وغيرها، وقد لمسنا في الميدان أن الطلبة يتوقون إلى الغرفة الصفية والساحة المدرسية وزملاء الدراسة ووجود المعلم، وعلى ذلك يجب أن يكون التغير مدروسا بعناية للارتقاء بالتعليم وأن يصاحبه تغيير بالمناهج العلمية بما يضمن جودة تغييرات البنى النظرية والأكاديمية، والتحول للتوجه للتعليم التقني الذي يعتمد على معطيات الثورة الرقمية، وأن يكون هناك تنسيقا بين الجامعات الحكومية والخاصة والكليات المتوسطة. وأن يتم وضع أسس لمؤسسة خاصة تهتم بامتحان التوجيهي وتوضع لها موازنة خاصة وشخصية مستقلة لا تتأثر بتغيير الحكومات ووزراء التربية ليتم إعادة الاعتبار للتوجيهي وإبعاد أبناءنا وبناتنا عن كل ما يعرض أحلامهم ومستقبلهم لأية تقلبات.