كيف ستؤثر مغادرة ميركل على الأسواق الأوروبية؟

جفرا نيوز - إذا كانت دوائر المال والأعمال ووسائل الإعلام وربما مراكز الأبحاث في العالم تجد جاذبية أكبر في متابعة العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة والصين أكبر اقتصادين في العالم وما لهذه العلاقات من تأثيرات على الأسواق الدولية المختلفة، فإن هناك تطورا يقترب بشدة يمكن أن يؤثر على التفاعلات الدولية في كثير من المجالات وهو تعيين مستشار جديد لألمانيا خلفا للمستشارة الحالية أنجيلا ميركل.

فألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا وأحد أكبر اقتصاديات في العالم، وميركل في الوقت نفسه، كانت على مدى السنوات العشر التي أمضتها في السلطة شخصية مؤثرة على السياسات الدولية في مختلف المجالات بدءا من التغير المناخي وحتى الملف النووي الإيراني وقد أصبح من المؤكد الآن أن ألمانيا سيحكمها بعد انتخابات الشهر المقبل شخص غير أنجيلا ميركل.

ويقول جون أوثيرس المحلل الاقتصادي البريطاني في تقرير نشرته وكالة بلومبرج للانباء إن تأثيرات تغيير القيادة في ألمانيا سيتجاوز حدودها.

ومهما كانت الأخطاء التي ارتكبتها ميركل خلال سنوات حكمها، فإنها قدمت دعما فعالا لمشروع الوحدة الأوروبية في أشد أيام المشروع صعوبة.

ومهما كان الشخص الذي سيخلفها في المنصب والمحتمل أن يكون أرمين لاشيت خليفتها في رئاسة الحزب المسيحي الديمقراطي، فإنه سيحتاج إلى بعض الوقت لكي يحقق نفس القوة والثقة التي تتحلى بها ميركل حاليا.

وفي حين تشير استطلاعات الرأي العام الأخيرة إلى تراجع شعبية حزب الخضر، فمازال الاحتمال الأقوى هو أن لاشيت سيحتاج إلى تشكيل حكومة ائتلافية على غرار ما فعلته ميركل بعد الانتخابات الأخيرة. وبحسب استطلاع الرأي الذي أجراه مركز تي.إس لومبارد أوف لندن فإن الحزب المسيحي الديمقراطي سيأتي في المركز الأول، يليه حزب الخضر. وفي المركز الثالث يأتي الحزب الاشتراكي الديمقراطي ثم الحزب الديمقراطي الحر يليه حزب البديل اليميني المتطرف.

وكما هو الحال في أغلب الدول الأوروبية التي تتبنى نظام القائمة النسبية في الانتخابات العامة، فإن ليلة إعلان نتائج الاقتراع تكون بشكل أساسي بداية لمفاوضات قد تصبح طويلة وشاقة لتشكيل الحكومة الجديدة.

وبحسب تي.إس لومبارد، فإن الترتيب النهائي للأحزاب في الانتخابات ليس المهم، بقدر الخيارات المتاحة لتشكيل الائتلافات المختلفة والتي قد تكون عديدة في ظل التقارب الأيديولوجي بين الأحزب الرئيسية. لذلك فإن نتيجة الانتخابات البرلمانية الألمانية المقررة يوم 26 سبتمبر المقبل لن تحدد شكل الحكومة الجديدة، لكنها ستقلص عدد الائتلافات الحاكمة المحتملة. والأمر المشترك بين كل السيناريوهات الرئيسية المنتظرة هو احتمال مشاركة الخضر في الحكومة الاتحادية الجديدة.

ويقول أوثيرس الذي عمل لسنوات عديدة في صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، إن مثل هذه الدرجة من عدم اليقين والخسارة المقبلة للسيدة التي يعتمد عليها كثيرون باعتبارها تجسيدا للاتساق، يمكن أن تكون مشكلة لأن الاقتصاد الألماني يبدو متعثرا مرة أخرى. وبالفعل فإن أحدث مسح للشركات قام به معهد زد.إي.دبليو الألماني للدراسات الاقتصادية أشار إلى تراجع حاد ومفاجئ لثقة مجتمع الأعمال في ألمانيا ومنطقة اليورو ككل.

وتحول هذا إلى تراجع لقيمة اليورو أمام الدولار الذي ازدادات قوته خلال الفترة الأخيرة بفضل البيانات الجيدة لسوق الوظائف الأمريكية. ومع تراجع اليورو إلى أقل مستوياته خلال العام الحالي، وأقل من متوسط مستواه على المدى الطويل، يمكن أن يزيد الغموض السياسي الذي يحيط بألمانيا الضغوط على العملة الأوروبية ويدفعها إلى مزيد من التراجع.

كما أن اللحظة المهمة التالية بالنسبة للدولار ستكون مع صدور بيانات مؤشر أسعار المستهلك (معدل التضخم) في الولايات المتحدة. في الوقت نفسه لا يمكن تجاهل تأثيرات الدراما السياسية الدائرة في ألمانيا على سوق الصرف.

فألمانيا لديها ميزة مهمة تتمثل في الفوائض المالية الكبيرة لدى الحكومة كثمار لسنوات من السياسات المالية المنضبطة، وهو ما يتيح لها مساحة أكبر للتحرك وزيادة الإنفاق العام لإخراج الاقتصاد من دائرة التباطؤ التي سببتها جائحة فيروس كورونا المستجد بصورة أكبر مما تستطيعه الاقتصادات الكبرى الأخرى. كما يمكنها قيادة سياسة مالية مشتركة للاتحاد الأوروبي.

ولكن هناك نقطة ضعف بالنسبة لألمانيا وهي اعتمادها الزائد على التصدير وبخاصة إلى الصين.

أخيرا يقول أوثيرس إن الدور الذي تلعبه ألمانيا كمحور سياسي واقتصادي للاتحاد الأوروبي لن يتلاشي. وقد تكون ألمانيا الأكثر ديناميكية والتي تخفف قيودها المالية هي ما يريده باقي العالم. في المقابل فإن فقدان الثقة في ألمانيا بعد الانتخابات المقبلة يمكن أن يدفع اليورو إلى مزيد من التراجع أمام الدولار وهو ما يعني انخفاض تكلفة الواردات الأمريكية وبالتالي تراجع معدل التضخم في الولايات المتحدة وهو ما يعني أن الانتخابات المقبلة وتغيير القيادة في ألمانيا سيكون لها تأثيراتها القوية على الأسواق العالمية التي يجب أن تستعد لهذا التغيير للحد من هذه التأثيرات.