عمان.. صالونات سياسية واستديوهات اخبارية متنقلة..!

جفرا نيوز- محمود كريشان - لا شك ان سائقي سيارات الأجرة العمومية الصفراء «التكسي» في مناطق عمان المتعددة، جزء مهم من «نبض الشارع» بما في ذلك من دلالات ومضامين حقيقية من قلب الواقع المعيشي، وما تعكسه أمزجة الناس، نظرا لكون السائق يختلط يوميا بشرائح متنوعة من المجتمع.

ونظرا لمصاعب الحياة فإن هذه المهنة اصبحت تستقطب شرائح مختلفة من المواطنين، حيث يلجأ للعمل الاضافي في هذه المهنة الشريفة معلم مدرسة بعد نهاية عمله الرسمي ليرفد دخله، او موظف حكومي، او صاحب مهنة او حرفة، شهد سوقها ركودا اقتصاديا، فيلجأ للحصول على «ضمان» سيارة التكسي، ليواصل رحلته في البحث عن ابواب الرزق، وآخر جامعي لم يجد له بدا سوى العمل في هذه المهنة.

ومن هنا.. فإن المستويات الفكرية والتعليمية والثقافية، لتلك الشريحة من المجتمع كرنفالية، متنوعة ومتعددة، والامر يظهر جليا للراكب، فيكفي ان يستقل احدهم سيارة الاجرة، ليتابع حلقة من صميم الحياة تستحق التدوين والرصد ويطلع خلال مشواره على اوضاع الناس وردود فعلهم المتباينة على القرارات الحكومية والاوضاع الدولية والشأن الاقتصادي والملف الليبي وآخر تطورات المشهد في سوريا، وربما يعرج الى تحليل انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة..وغيره!..

ولا شك ان الامر يتجاوز الاستماع في بعض الحالات، فالسائق يسترسل في كلامه عن الحدث الذي يطغى على سطح الاحداث يوميا، يشاركه الراكب في النقاش قدر المستطاع، وغالباً ما تكون «الثرثرة» متبادلة بين السائق والراكب، انطلاقاً من اعتبار «التكسي» محطة «فضفضة» للتخلص من ضغوطات الحياة اليومية، بلا ضوابط او قيود، لتكون سيارات التكسي اشبه بجلسة «طق حنك» شبيهة بما يتداوله الناس بحرية مطلقة في حديقة «هايد بارك» اللندنية الشهيرة..مع الفارق طبعا..!

وقد درجت العادة ان يستهل السائق حديثه فور صعود الراكب الى السيارة، بعبارة معهودة تشير الى حالة الركود عندما يقول السائق: «الحركة نايمة اليوم»، و»صدقني لسه ما طلعت ضمان السيارة»، و»قبل شوي خالفني مراقب سير»،.. وما الى ذلك من عبارات استهلالية للسائق مع الراكب، ايذانا ببدء الحوار في حديث الساعة.. مثل خوضه في تحليل الأبعاد المترتبة على ازمة نقابة المعلمين والحكومة، وصولا الى احاديث عاطفية مثل: «صدام ما مات»!.. بأن من تم إعدامه ما هو الا شبيه لصدام حسين.. وقس على ذلك..

ويستمر «مسلسل الدردشة» الذي تكون بطولته في معظم الاحيان مسنودة لسائق التكسي، الذي يستعرض كما هائلا من الاخبار والاشاعات والجرائم المتنوعة الى ان يصل لتحليل ناقد للمسلسلات التلفزيونية والقنوات الفضائية، بل واستعراض افضل المطاعم الشعبية ونوعية الاطعمة التي تقدمها والاسعار ايضا.

ما نريد ان نقوله: تبقى سيارة التكسي صالون ثرثرة تحليليا لكافة الاحداث المحلية والعربية والدولية ايضا، يصعب ضبطه، وتتباين فيه وجهات النظر، وتشتعل فيه الحروب الكلامية المتنوعة، لدرجة استحالة التوصل الى حل وسط في تناقض وجهات النظر، ولا عقد «هدنة» او اخذ «عطوة» بين السائق والراكب، حتى اشعار آخر، او الى ان يصل الراكب الى مشواره وينفض السامر.. وكان الله في السر عليم.

Kreshan35@yahoo.com